حسان بن عابد: المهارات الغريزية في عالم الحيوان دلالة واضحة على العناية الإلهية (فيديو)
- السبت 23 نوفمبر 2024
تعبيرية
قال إبراهيم بن محمد صدّيق، إن آيات الله كاشفة عن دليل الإتقان، مؤكدًا أن هذا الدَّليل العظيم على وجود الله سبحانه وتعالى وعلى كماله وقدرته وحكمته قد دلَّ عليه القرآن الكريم بصورٍ متعددة، فقد بين الله سبحانه إتقان الخلق وإبداعه فيه فقال وهو يعدِّد ما خلقه وأحسن صورته: ٱلَّذِي خَلَقَ سَبۡعَ سَمَٰوَٰتٖ طِبَاقٗاۖ مَّا تَرَىٰ فِي خَلۡقِ ٱلرَّحۡمَٰنِ مِن تَفَٰوُتٖۖ فَٱرۡجِعِ ٱلۡبَصَرَ هَلۡ تَرَىٰ مِن فُطُورٖ ٣ ثُمَّ ٱرۡجِعِ ٱلۡبَصَرَ كَرَّتَيۡنِ يَنقَلِبۡ إِلَيۡكَ ٱلۡبَصَرُ خَاسِئٗا وَهُوَ حَسِيرٞ ٤ وَلَقَدۡ زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنۡيَا بِمَصَٰبِيحَ وَجَعَلۡنَٰهَا رُجُومٗا لِّلشَّيَٰطِينِۖ وَأَعۡتَدۡنَا لَهُمۡ عَذَابَ ٱلسَّعِيرِ [الملك: ٣-٥]، وهذه من أعظم الآيات الدالة على دليل الإتقان والإحكام، فالله سبحانه وتعالى يذكر مخلوقًا عظيمًا من مخلوقاته وهو السماء، ويبين أنه خلق سبع سماوات في غاية الدقة والإتقان لا ينظر فيها الجاحد والمنكر باحثًا عن سوء أو مثلبة إلا ويرتد إليه بصره خائبًا، يقول ابن كثير: «وقوله: مَّا تَرَىٰ فِي خَلۡقِ ٱلرَّحۡمَٰنِ مِن تَفَٰوُتٖۖ أي: بل هو مصطحب مستو، ليس فيه اختلافٌ ولا تنافرٌ ولا مخالفة، ولا نقص ولا عيب ولا خلل؛ ولهذا قال: ﵟفَٱرۡجِعِ ٱلۡبَصَرَ هَلۡ تَرَىٰ مِن فُطُورٖﵞ أي: انظر إلى السماء فتأمَّلها، هل ترى فيها عيبًا أو نقصًا أو خللًا؛ أو فطورا؟» (٧)، وإن شاء هذا الجاحد أعاد البصر كرَّتين، وفي كل مرةٍ ينقلب إليه البصر خاسئًا وهو حسير، فليس في خلق الله اختلافٌ يعيبه ويشينه، بل هي متفقة من جهة الدقة والإتقان والإحكام، فالإتقان في النملة كالإتقان في المجرة، والإتقان في الذرة كالإتقان في النجوم السابحة.
وأوضح في مقال
نشره اليوم الجمعة، عبر منصة حصين، أن من صور استدلال القرآن بدليل الإتقان: أنَّ
الله سبحانه وتعالى يأمر عباده بالتأمُّل والنَّظر والتَّفكر في مخلوقات الله، ذلك
النَّظر المؤدي إلى الإيمان بالله والاعتراف بوجوده واستحقاقه وحده للعبادة،
وينبِّه القرآن دائمًا إلى المعاني القريبة التي يشاهدها الإنسان فإنَّها كافية
لمن كان له قلبٌ بأن يعتبر بها ويعرف قدرة الله وإبداعه وإتقانه، يقول الله تعالى
داعيًا الإنسان إلى أن يتأمل فيما بين يديه: فَلۡيَنظُرِ ٱلۡإِنسَٰنُ إِلَىٰ
طَعَامِهِۦٓ ٢٤ أَنَّا صَبَبۡنَا ٱلۡمَآءَ صَبّٗا ٢٥ ثُمَّ شَقَقۡنَا ٱلۡأَرۡضَ
شَقّٗا ٢٦ فَأَنۢبَتۡنَا فِيهَا حَبّٗا ٢٧ وَعِنَبٗا وَقَضۡبٗا ٢٨ وَزَيۡتُونٗا
وَنَخۡلٗا ٢٩ وَحَدَآئِقَ غُلۡبٗا ٣٠ وَفَٰكِهَةٗ وَأَبّٗا ٣١ مَّتَٰعٗا لَّكُمۡ
وَلِأَنۡعَٰمِكُمۡ [عبس: ٢٤-٣٢]. ويقول تعالى داعيًا الإنسان أن ينظر لما حوله من
أرضٍ مبسوطة، وسماءٍ ممتدة، وجبالٍ منصوبة، وأنعام فيها عجائب قدرة الله: أَفَلَا
يَنظُرُونَ إِلَى ٱلۡإِبِلِ كَيۡفَ خُلِقَتۡ ١٧ وَإِلَى ٱلسَّمَآءِ كَيۡفَ
رُفِعَتۡ ١٨ وَإِلَى ٱلۡجِبَالِ كَيۡفَ نُصِبَتۡ ١٩ وَإِلَى ٱلۡأَرۡضِ كَيۡفَ
سُطِحَتۡ [الغاشية: ١٧-٢٠]، كلها دلائل واضحة بينة على خلق الله لهذا الكون
وإتقانه له.
وشدد على أن الله وحده المستحقُّ للعبادة،
موضحا أن من
تأمَّل في الآيات السابقة يجد في كل شيءٍ ممَّا ذكره الله ما لا يحصى من مظاهر
الإتقان وحسن الصنعة والخلق، فقد دعاه الله إلى التأمُّل فيها وَتَرَكَ له التبحر
في معانيها ومضامينها ودلالاتها وما تحتوي هذه المخلوقات من تفاصيل دقيقة بالغة في
الدقة والتعقيد، ومن تأملها متخليًا عن هواه أدَّاه ذلك إلى ثلاثة أمور: الإيمان بوجود الله سبحانه وتعالى،
فهذا الضبط والإتقان في الكون لا بدَّ له من فاعل وهو الله،
والإيمان
بعددٍ من صفات الله، فهذا الخلق والإبداع والإتقان يُوجب أن يكون فاعله متصفًا
بالعلم، والحكمة، والإرادة، والقدرة، والرحمة، وغير ذلك من الصِّفات.
أيضا، الإقرار
بأنَّ الله هو المستحقُّ للعبادة؛ وهذه القضية أهم قضيَّة تنبني على الاعتراف بخلق
الله وإتقانه وضبطه لهذا الكون، فإذا كان الله بهذه العظمة التي تتجلَّى بعض
آثارها في خلقه وإتقانه وضبطه لهذا الكون فإنَّه سيكون هو المستحقُّ للعبادة وحده،
ولا يصحُّ عقلًا أن يشرك الإنسان معه غيره في الشُّكر والعبادة والتوجُّه
والتذلُّل؛ لأن كل ما سواه لا يصنعُ ذرةً من خلقه، بل كلهم مربوبون مخلوقون له
خاضعون لقدرته وعظمته، فينبغي الانقياد له، والتسليم لأمره، وإخلاص العبادة له.
وأشار الكاتب في
مركز حصين إلى أن كثيرٌ من آيات القرآن التي تتحدث عن قدرة الله وعظمته وخلقه لهذا
الكون يربطها الله بألوهيته واستحقاقه للعبادة، فإذا اعترف الإنسان بوجود الله
وكونه خالقًا حكيمًا عليمًا قادرًا مدبرًا متصرفًا في الكون لزمه أن يقر به
معبودًا لا يستحق العبادة سواه، ولا يُفردُ بالطَّاعة المطلقة غيره، وأمَّا إثبات
الملزوم وهو ربوبية الله ونفي اللازم وهو ألوهيته فمناقض للعقل السليم، يقول
تعالى: وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُۚ
قُلۡ أَفَرَءَيۡتُم مَّا تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ إِنۡ أَرَادَنِيَ ٱللَّهُ
بِضُرٍّ هَلۡ هُنَّ كَٰشِفَٰتُ ضُرِّهِۦٓ أَوۡ أَرَادَنِي بِرَحۡمَةٍ هَلۡ هُنَّ
مُمۡسِكَٰتُ رَحۡمَتِهِۦۚ قُلۡ حَسۡبِيَ ٱللَّهُۖ عَلَيۡهِ يَتَوَكَّلُ ٱلۡمُتَوَكِّلُونَ
[الزمر: ٣٨]، ويقول تعالى محتجًّا بربوبيته على استحقاقه وحده للعبادة: يَٰٓأَيُّهَا
ٱلنَّاسُ ٱعۡبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمۡ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ
لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ [البقرة: ٢١].
ولفت إلى قولالله تعالى: سَنُرِيهِمۡ ءَايَٰتِنَا فِي ٱلۡأٓفَاقِ وَفِيٓ
أَنفُسِهِمۡ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمۡ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّۗ أَوَلَمۡ يَكۡفِ
بِرَبِّكَ أَنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدٌ [فصلت: ٥٣]، مردفا:
في نفسك أيها
الإنسان تأمَّل آيات الله، ودقَّة خلقه، وبديع صنعه، في نفسك أمعِن النَّظر، يدَين
تبطشُ بهما كَمَا تشاء، ورجلين تمشي بهما كمَا تُريد، عينٌ تُبصر، وأذنٌ تسمَع،
وقلبٌ ينبض، ودمٌ يتدفَّق، ومناعة تدفع عنك الأذى وأنتَ لا تعلم، أليست كافية
لتدُلَّك على الله، وعلى شدة رحمته، وقربَ لُطْفه، وبالغ عنايته؟
وشدد على أن كل هذه الأدلَّة التي أودعها الله في الكون ماهي إلا شاهدة عليه،
دالَّة على وجوده، وعلى علمِه، وكمالِه، ورحمتِه، وحكمتِه، وقدرتِه، وعلى استحقاقه
وحده للعبادة، والتسليم له في أوامره ونواهيه، وحريٌّ بالإنسان المنكر لوجود الله
أن يتأمل فيها وفي استحالة وجودها دون فاعل، وحريٌّ بالمؤمن بالله أن يزداد به
يقينًا، ومنه قربًا، ولأوامره طاعة، ومن معاصيه بعدًا.