محمد سيد صالح يكتب: ما الدليل على أن القرآن من عند الله؟

  • جداريات Jedariiat
  • الخميس 09 مارس 2023, 01:43 صباحا
  • 822

القرآن الكريم كتابٌ موجودٌ، كاتبه أو مصدره واحدٌ من أربعة لا خامس لهم.

إما أن يكون كاتبه ومصدره هو رسول الله صلي الله عليه وسلم، ثم أخبرنا أنه من عند الله.

إما أن يكون كاتبه فردٌ من العرب أو مجموعة منهم، ثم اعطوه لمحمد صلي الله عليه وسلم ليخبرنا أنه كلام الله كذباً.

إما أن يكون كاتبه فردٌ أعجمي أو مجموعة من العجم، ثم اعطوه لمحمد صلي الله عليه وسلم ليخبرنا أنه كلام الله كذباً.

إما أن يكون من مصدرٍ مجهول.

 هذه الاحتمالات الأربعة المحتملة أن يكون أحدهم هو مصدر القرآن الكريم.

والآن نبدأ لنناقش هذه الاحتمالات الأربعة لنصل لمصدر القرآن الكريم الحقيقي.

الاحتمال الأول: محتمل أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم ثم قال لنا كذباً أنه من عند الله، وأدلة استحالة أن يكون القرآن من عند محمد صلى الله عليه وسلم يظهر بعضها في التالي:

صدق النبي

: 1- قد أخبرنا رسول الله - صلي الله عليه وسلم -  أنه نبي من عند الله نزل عليه القرآن وحيا من الله، والنبوة قائمة على الإخبار عن الله عز وجل، والنبي -صلي الله عليه وسلم-   بلغ في صفتي الصدق والأمانة مبلغا عظيما من الكمال، فلم يعهد عليه طوال عمره أنه كذب كذبة واحدة، أو أنه خان أمانة واحده، حتي كان يلقب في قومه بالصادق الأمين.

 

ومن أعظم الشواهد الدالة على صدقه كثيرة جدا، منها: حين قام في قومه يبلغهم أنه رسول الله، فنادي في جميع بطون قريش ثم قال لهم: "أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا بسفح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم أصدقتموني؟" قالوا: نعم، قال: "فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد" فقال أبو لهب: تبا لك سائر اليوم. (البخاري، رقم 4770). فشهد له قومه بأنهم ما جربوا عليه كذبة في حياته، وفي ذلك أبلغ الدلالة علي كماله في هذه الصفة، ولم تستطع قريش أن تتهم النبي بالكذب حتي أن عمه أبا لهب حين اعترض عليه لم يتهمه بالكذب، وإنما لجأ إلى السب والاستخفاف.

2- ما زالت قريش تشهد للنبي -صلي الله عليه وسلم-    بالصدق مع عدم تسليمهم لما جاء به، فقد قال عتبة بن ربيعة لقومه بعد زمن بعثة النبي: "قد علمت أن محمدا إذا قال شيئا لم يكذب"(صحيح السيرة النبوية/ الألباني- 162).

3- حين سأل هرقل أبا سفيان: هل كانوا يتهمون النبي -صلي الله عليه وسلم-   بالكذب في حياته، أجابه أبا سفيان رغم شركة وبغضه للنبي: بأن لا، وأقر بأن قريشا لم تعهد عليه كذبا في كل حياته. (أخرجه البخاري، رقم 2940، ومسلم، رقم 1773).

4- مما يزيد من ثبوت هذه الحقيقة أن النبي مكث أربعين سنة من عمره وهو في أعلى درجات الكمال الإنساني، والسلوك والصدق والأمانة، فمن المستبعد في العقل أن يخرم هذا الكمال بعد أن بلغ سن الرشد، ومرحلة سعة الأفق، ورجاحة العقل، ويرتكب فعلا من أعظم الفظائع وأقبح الرذائل وهو الكذب علي الله تعالي ويدعي أنه رسول من عنده.

 

إنسان يلتزم بالصدق والأمانة أربعين سنة، لا يكذب فيها على أحد من الناس، لا في بيع ولا شراء ولا غيرهما، ولا يخون في عهد ولا وعد وهو سليم في عقله وشريف في نسبه وعلي قومه، وشجاع في مواقفه، وصاحب بذل وعطاء وزهد وورع ومواساة.

 

كيف يتصور مع كل هذه الكمالات أن يتخلي عما هو فيه ويرتكب كذبة من أعظم الكذبات في الوجود، ولا يفعلها إلا أقبح وأحقر البشر، فيدعي أنه رسول من عند الله؟!.

فمن يتجرأ علي الكذب علي الله وهي أعلى وأقبح الكذب حتما كان سيكون قد كذب من قبل مرارا وفي أمور أهون من كذبه علي الله، وكان سيعرف أمام الناس ويشتهر بينهم بالكذب، والشاهد أنه كان مشتهرا بينهم بكمال الصدق.

5- التقي الأخنس بن شريق بأبي جهل يوم بدر، فقال له: "أتري محمدا يكذب؟ فقال أبو جهل رغم بغضه لما جاء به: كيف يكذب علي الله وقد كنا نسميه الأمين لأنه ما كذب قط؟!. (الروض الأنف، السهيلي، 5/161).

6- قام النضر بن الحارث يوما في قريش خطيبا فقال لهم:" لقد كان محمز فيكم غلاما حدثا ارضاكم فيكم وأصدقكم حديثا وأعظمكم أمانة. (أخرجه البيهقي في دلائل النبوة، 201/2).

 

فهكذا كان حال أعدائه -صلي الله عليه وسلم-  تجاهه وشهدوا له بالصدق، فكيف يأتي من لم يبلغوا عداوة مشركي مكة للنبي في هذا الزمن ويتهمونه بالكذب؟!.

7- يقول- هنري دري فاستري- إن أشد ما تتطلع إليه بالنظر في الديانة الإسلامية ما اختص منها بشخص النبي محمد ولذلك قصدت أن يكون بحثي أولا في تحقيق شخصيته وتقرير حقيقته الأدبية، ووجدت في هذا البحث دليلا على صدقه وأمانته المتفق عليهما بين جميع مؤرخي الديانات، وأكبر المتشيعين للدين المسيحي. (قالوا عن الإسلام، عماد الدين خليل، الرياض، ص 108.

 

ودلالات صدق النبي صلي الله عليه وسلم علي لسان أعداءه وغيرهم كثيرة جداً يصعب حصرها. والذي يُفهم من دلائل صدقه أنه يستحيل من لم يعهد عليه الكذب طوال حياته ان تكون أول كذبة له علي الله!.

اختلاف الأسلوب:

أسلوب القرآن الكريم مختلفٌ عن إسلوب الحديث الشريف ولو كان القرآن كلام رسول الله وليس كلام الله لظهر هذا لكل من قرأ القرآن الكريم، لأن كل إنسان له أسلوب في الكلام يميزه عن الآخر فلو كان محمد صلي الله عليه وسلم هو الذي كتب القرآن لسهل اكتشافه.

الكمال التشريعي:

كما هو معروف أن النبي صلي الله عليه وسلم كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب، ثم نجده جاء بتشريع وادعي أنه من عند الله بلغ الغاية في الكمال، والنهاية في الصلاح، والذروة في المحاسن والإتقان، جاء بتشريع حوي من الكمال، والمحاسن، والصلاح، والاستقامة، والرحمة، والعدل، والانضباط ألواناً وصنوفاً.

 

كما أن التشريع الذي جاء به رسول الله اشتمل علي جميع المجالات، كالتصور عن الله والعلاقة بينه وبين الخلق، والعلاقة بين الإنسان والكون، والعلاقة بين الإنسان وبني جنسه، ومجال العبادات والتشريعات التعبدية، ومجال البيع والشراء، والأنكحة وتوابعها، والجنايات والعقوبات والديات، والشهادات، والأخلاق والقيم، وغيرها من المجالات الحياتية المختلفة، فضلاً عن كمال منظومة القرآن واتزانه ومرونته وواقعيته وغير ذلك يدل على استحالة أن يكون كل هذا الكمال التشريعي صدر من إنسان أمي لا يقرأ ولا يكتب.

الإنسان اذا أراد أن يقوم بعمل رسالة دكتوراة في تخصص واحد في هذا الزمن التكنولوجي يحتاج إلي مساعدين ومشرفين وأبحاث وانتقالات كثيرة كل هذا لأجل عمل بحث دكتوراة في مجالٍ واحد من مجالات الحياة، فكل ما جاء به رسول الله في القرآن يدل علي أنه يستحيل أن يكون من وضع إنسان واحد، أو عدد من الناس.

إذا كان القرآن بهذا القدر من العظمة والقوة والإلمام بكل جوانب الحياة والنبي هو الذي كتبه بنفسه، فلماذا ينسبه لغيره أو ينسبه إلى الله؟! من باب أولى أن ينسبه لنفسه ويفتخر بذلك، فالناس معهود عليهم أنهم يسرقون جهود بعض الفكرية أحياناً وينسب كثيراً من الناس أعمال غيرهم لأنفسهم، فلماذا يكتب النبي شيئاً عظيماً كهذا ثم ينسبه لغيره؟!

فإن قال قائلاً لربما يحتاج مالاً فنحن نعلم أن النبي مات ودرعه مرهون عند يهودي وكان يربط علي بطنه بالحجر والحجرين من شدة الجوع، وكانت النار لا توقد في بيته بالشهر والشهرين لعدم توافر لحماً يُطبخ علي النار.

 

فضلاً على أن النبي لو كان طالباً لدنيا لقبل العروض والمساومات التي جاءته فقد ذهب إليه عتبة بن أبي ربيعة وعرض عليه أشياءً يقبلها أي إنسان طالب دنيا فقال له:" إن كنت تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتي تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت تريد به شرفاً سودناك علينا، حتي لا نقطع أمراً دونك، وإن كنت تريد به ملكاً ملكناك علينا وغير ذلك من العروض وفي النهاية عاد عتبة بوجه غير الذي ذهب به إليه وقد رفض رسول الله كل ما عُرض عليه لأنه رسول من عند الله وليس رجلاً يطلب شيئاً من الدنيا.

أخبر النبي صلي الله عليه وسلم بأخبارٍ من القرآن الكريم عن أمم سبقته بمئات والاف السنين كأخباره عن ماجاء به موسي وتيسي وداود وغيرهم كما أنه أخبر بأخبار مستقبلية لم تقع أثناء إخباره بها كإخباره بأن الروم ستنتصر على الفرس في بضع سنين كما جاء في سورة الروم، وكإخباره أن أول من ستلحق به إلى الموت بعد موته من آل بيته فاطمه وقد كان فقد ماتت فاطمة بعد وفاة رسول الله بستة أشهر وغير ذلك من الأخبار الكثيرة جداً والمتراكمة وهذا النوع من الإخبار يستحيل أن يأتي به إنسان دون وحي إلهي من الله.

حدثت أشياء لو استغلها رسول الله صلي الله عليه وسلم ليثبت للناس أنه نبي لصدقه الكثير دون عناء، مثل: كسوف الشمس لما مات إبراهيمُ ابن النبي ﷺ، وكان في الرضاع، كان دون السنتين، قال بعضهم لما كسفت الشمس ذلك اليوم قال بعض الناس: كسفت الشمسُ لموت إبراهيم. يعني: لعظم المصيبة، وقال النبيُّ ﷺ: لا، لم تنكسف لأجل إبراهيم، إنَّ الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا تنكسفان لموت أحدٍ من الناس ولا لحياته لا إبراهيم ولا لغيره.

وكان من الممكن أن يؤكد النبي على كلامهم وأنها دليل وإشارة على نبوته فعلاً، أو على الأقل كان سيسكت دون أن يؤيد أو يعارض لكنه قام فيهم ليعلمهم أن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد، فلماذا لم يستغل هذا الحدث الكوني لصالح دعواه؟!

في القرآن الكريم عتبٌ ولومٌ لرسول الله صلي الله عليه وسلم كما جاء في قوله سبحانه: ( ( عبس وتولي ( 1 ) أن جاءه الأعمي ( 2 ) وما يدريك لعله يزكي ( 3 ) أو يذكر فتنفعه الذكرى ( 4 ) ). ( عبس 1-4 ). كان النبي يجلس مع احد المشركين يبلغه بالإسلام فدخل عليهم رجل أعمي يسأل النبي شيئاً فتغير وجه النبي لأنه قطع حديثه مع من يدعوه فنزلت فيه هذه الآيات كعتابٍ ولوم وغيرها كثير من الآيات، فهل يُعقل أن يؤلف رجلاً كتاباً ثم يلومُ فيه نفسه؟!

قد حدثت بعض الحوادث مع رسول الله صلي الله عليه وسلم كان من المتوقع لو هو الذي كتب القرآن الكريم بعد دقائق أو ساعات لادعي أنه نزلت عليه آيات تصدق أو تكذب الحدث الذي حدث له، كحادثة الإفك المشهورة والتي افتري فيها بعض الناس علي زوجته عائشة الصديقة بنت الصديق العفيفة الشريفة حين اتهموها بفعلة قبيحة وهذه اخطر حادثة واصعب حادثة وقعت علي النبي وانقطع وقتها الوحي لمدة 40 يوماً والناس يتكلمون في الشوارع عن هذا الأمر والنبي يدخل ويخرج لا يتكلم فلو كان هو الذي يكتب القرآن فما الذي يجعله يتأخر كل هذا الوقت دون أن يدعي انه قد نزلت عليه ايات تبرأ زوجته حتي لا يجعل نفسه في هذا الموقف المحرج؟!

وغير ذلك من الأدلة الكثير والكثير التي يبرهن مجموعها وتراكمها استحالة ان يكون هذا القرآن من عند رسول الله صلي الله عليه وسلم.

 

الاحتمال الثاني: محتمل أن يكون من عند فرد من العرب أو مجموعة منهم.

 

العرب هم أعلم الناس باللغة العربية، وقريش هم أعلم العرب باللغة العربية، وقد نزل القرآن الكريم في العرب وفي قريش الذين وصلوا باللغة العربية إلي منتهاها.

ثم بعد ذلك جاء القرآن الكريم متحدياً العرب أنفسهم بما فيهم قريش بل تحدي معهم سائر البشر في كل مكانٍ وإن اجتمعوا بعضهم ظهير بعض ومعهم الجن أن يأتوا بمثل ما جاء في القرآن، قال تعالي: ( قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَي أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً ) (الإسراء 88 ). فما استطاعوا ان يأتوا بمثل القرآن.

 

ثم رفع القرآن سقف التحدي أكثر وأثار حفيظتهم على أن يأتوا بعشر سور مما جاء في القرآن وان يدعوا معهم من البشر أو الجن ما يشاءون، قال تعالى: ( أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ). ( هود/ 13 ). ومع ذلك ما استطاعوا ان يأتوا بمثل عشر سور من مثله.

ثم رفع القرآن الكريم سقف التحدي معهم أكثر وأكثر علي أن يأتوا ولو بسورة واحدة مما جاء في القرآن الكريم، قال تعالي: ( وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَيٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ). ( البقرة / 23 ).

وكما هو معروف أن أقصر سورة في القرآن الكريم هي سورة الكوثر والتي عدد آياتها ثلاث فقط، ومع ذلك عجز العرب بما فيهم قريش ان يأتوا بسورة واحدة تتكون من ثلاث آيات مثل ما جاء به القرآن، بل جعل القرآن التحدي أبد الدهر ولم يحده بمدة زمنية معينة، ومع ذلك عجزوا أمام هذا التحدي، رغم علمهم بكل أنواع الشعر والسجع والنثر والخطب ومع ذلك فالقرآن الكريم خارج عن أساليب العرب كاملة رغم انه باللغة العربية.

ولو كان الأمر في متناولهم واستطاعتهم لاجتمعوا على أن يأتوا ولو بمثل سورة من سور القرآن الكريم، بدلاً مما بذلوه من مالٍ وجهدٍ وحربٍ وسبٍ وغير ذلك لتكذيب رسول الله صلي الله عليه وسلم فهم كانوا اشد الناس عداءاً لرسول الله صلي الله عليه وسلم.

فضلاً على أن القرآن الكريم جاء ليردع ما كان عليه العرب من مقامرات وزنا وشرب خمر وعبادة أوثان وغير ذلك فلو كان العرب هم الذين كتبوه لما جعلوا فيه ما يقف أمام شهواتهم، وعليه فيستيحل أن يكون القرآن الكريم كتبه رجلٌ من العرب أو جماعة منهم.

الاحتمال الثالث: أن يكون فردٌ من العجم أو مجموعة منهم هم من كتبوا القرآن الكريم.

هل من الممكن أن يكون احد من العجم أو مجموعة منهم هم من كتبوا القرآن الكريم؟!

إذا كان قد سبق معنا باستحالة أن يكون العرب هم الذين كتبوه رغم أنهم أساطين اللغة وآباء اللغة وهم الذين وصلوا بها إلى المنتهي، عجزوا أن يأتوا بمثل هذا القرآن أو بمثل عشر سور منه، أو بسورة واحدة منه، فكيف للعجم الذين هم لا علاقة لهم باللغة العربية أن يأتوا بالقرآن الكريم؟! إذا استحال ذلك علي العرب وهم أهل اللغة فقطعاً يستحيل علي غيرهم من العجم، لذا فهذا الاحتمال مرفوضٌ ولا يحتاج لكثير من العناء ليرفض.

 

وإذا تبين مما سبق استحالة أن يكون القرآن الكريم من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا من عند العرب، ولا من عند العجم، فيتبقي معنا احتمال واحد ألا وهو ان يكون مصدره مجهول.

 

الاحتمال الرابع: أن يكون القرآن الكريم من مصدرٍ مجهول.

 

وفي الحقيقة أن هذا المصدر لربما يكون مجهول عند غير المسلم أما المسلم فالمصدر لديه معلوم. قال تعالي: ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ). ( القدر / 1 ). وقال تعالي: ( وَهَٰذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ). ( الأنعام/ 155 )، وقال سبحانه: ( لَّٰكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ ۖ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ ۚ وَكَفَيٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا ). ( النساء / 166 ). فالبتالي الأمر عندنا معلومٌ ألا وهو من عند الله سبحانه.

 

ومادام القرآن موجود بالفعل منذ ألف وأربعمائة سنة، وحتماً لابد أن يكون هناك من أوجده، وبعدما وضعنا الاحتمالات العقلية الاربعة علي وجوده وأن لا خامس لهم، وبعدما تم نقد الاحتمالات الثلاثة الأولي، وأنه لم يتبقي لنا إلا الاحتمال المجهول وحده، وقد تبين أيضاً أن الجهل به هذا لغير المسلم أما المسلم يعلم من أنزله، وأن الله سبحانه وحده هو من أخبر عن نفسه أنه من عنده، ولم يجرؤ أحد منذ نزول القرآن على ادعاء أن القرآن الكريم من عنده هو فالبتالي لا سبيل إلا أن يكون القرآن الكريم هو من عند الله الحق حقاً.

 

وهناك دلائل كثيرة تُثبت أن القرآن الكريم من عند الله وحده، لكن ما تم عرضه يكفي على أن يملأ القلب راحة وطمأنينة تجاه أن القرآن الكريم هو كلام الله سبحانه ومن عنده.

 

محمد سيد صالح ـ ماجستير العقيدة وأصول الدين.

تعليقات