«قرأت واستمتعت 16».. د.أمير الشبل يكتب حول المجموعة القصصية «بائع القصص» للأديب والناقد الكبير زكريا صبح

  • د. أمير الشبل
  • الثلاثاء 21 فبراير 2023, 06:03 صباحا
  • 933

نسعى لنتعلم أعواما حتى تصبح لنا مهنة أو حرفة نرتبط بها ونتكسب منها.. وتتأثر جودتنا وطاقتنا الانتاجية ومكانتنا المهنية مع تقدم العمر حسب خبراتنا المكتسبة من الممارسة.. ولكن على الجانب الآخر وبالتوازي تظل الموهبة تطاردنا حتى تظهر.. فهذا مهندس وينظم الشعر، وذاك رجل عسكري ويكتب الرواية، وهذا طبيب ويعزف الجيتار، وآخر محاسب ويرسم لوحات رائعة، وزميله نحات ماهر، وتلك كيميائية وتغني بصوت جميلن وزميلتها ممثلة مسرح بارعة، وذاك محامي متميز في لعب كرة القدم، وزميله مسوق مفوه يمكنه إقناع الحجر.. وهكذا لا يمكن منع الموهبة.. ستلح على صاحبها لتخرج إن عاجلاً أو آجلا.. ليصبح صاحبها أسيرا لها.. مدمنا لتعاطي موهبته.. وله أن يتكسب منها أيضا إن أراد أو يستمتع بها فقط.. ولكن لن يستطيع تركها، وهي لن تدعه.

الكاتب له أن يكتب ما يشاء، وعلى دار النشر أن تجد له القاريء وتسوق له منتجه الأدبي.. ولكن هذه المرة كاتبنا المبدع صاحب المكانة الثقافية الرفيعة والانتاج الأدبي والنقدي الغزير.. أراد أن يجعل موهبته بابا لرزقه بعد حرفته.. {"قال لي أحدهم ذات مرة.. ماذا تجيد من عمل غير حرفتك؟"}..، فكانت كتابة القصص.. ولكن {"كتابة القصص بضاعة كاسدة.. وليس لها عشاق ومريدون كعشاق منتجات الحرف الأخرى"}..، فلن يكون هذه المرة كأي قاص.. {"ستكون قصصه مختلفة لأنهم سيشترون قصصا تكتبها خصيصا لهم"}.. حقا فكرة مبتكرة عبقرية.. يا بائع القصص.

{"بائع القصص يخافه الناس، بعضهم لا يحب أن يحكي مخافة الفضيحة، وأخرون لا يحبون الحكي مخافة الحقيقة"}.. ولكنه أخيرا وجد {"رجلا لا يخشى الحديث إليه"}.. أخيرا وجد {"من لا يخشى من الاستماع إليه"}.

ومن أفواه وضمائر أصحاب القصص، ومن رحب أفراحهم ومن رحم أتراحهم.. أخذ ينصت لهم ويرسم بمهارته أحداثهم بالكلمات.. {"لكني لست رساما ولا مصورا فكيف أرسم الحادثة.. بائع القصص هو راسم الأحداث بالكلمات"}.. فحركة الخائف:- {"سبقتني قدماي تجرر جسدي المترهل"}..، وتصرف الكاذب:- {"بينما كان يحاول أن يصطاد الكلام من شجر الكذب لعله يستطيع بسرعة أن يؤلف قصة"}.. ويستهدف التأثير على القاريء:- {"أرسله لمن يقرؤنه كأنما يرونه، كأن كاميرا ما صورت اللحظة القاسية.. فربما تنفطر قلوبهم من أجلي"}.. ويُأَنسِن الأشياء فتدب فيها الحياة:- {"كل الأشياء لها شبه ووجود وتأثير وتصنع تفاعلا"}.،.. {"فنظرت إلى الماكينة فكانت مثل وحش كاسر ينتظر فريسته"}..،.. {"فصوت الماكينة زئير، والأسنان الحادة لسلاح المنشار كأنياب الحيوانات المفترسة"}..، .. {"لكن السلاح كان بغير عينين فابتلع يدي"}..، والذكرى يمكنها أن تكون مدمرة.. {"عندما صفع الولد.. أفقده السمع، وصار كمجنون يهذي بصراخ لا يسمعه، ويبكي بدموع لا يذرفها، وينظر بعينين غائمتين لا يرى بهما شيئا، ولم يبق في ذاكرته سوى الكف المجرمة"}.

الرومانسية تنتزع فرصتها ووجودها في قصصه:- {"انقشع الليل بسواده، وقد لملم النجوم في جرابه الكبير، وخرجت الشمس تتمطى كأنثى تصحو من نومها"}..،.. {"السحب أمام الشمس كأنها ستائر رقيقة يعبث الهواء بها.. فتبين أجزاء من أنثى تتدلل إذا لبست ثيابا تشف لتصف"}..،.. ويلتقي بالجميلة:- {""رباه ما هذا الصباح الذي أهلت فيه شمسان"}..،.. وعندما تسأله:- {" رأيت خيلائي وقد دهستها هذه المرأة بسؤالها"}..، وتغيب عنه:- {"لم يبق من الشمس سوى نور يطارد الظلال"}..،.. {"لكنكِ لا تعرفين ماذا فعلتِ دون أن تدري، لقد أحلتِ كل قصصي التافهة الى أساطير.. جعلتِ مني رجلاً اغريقياً يصنع المعجزات"}..، وعندما يخسرها {"أنا هنا.. سيرددون اسمي كثيرا باعتباري فائزا أول، لكن أذني لا تسمع إلا خسارتي في الفوز بقلبك"}..،.. {"أنا هنا فاقد الهدف، فكرت أن أقول لك: أنا ضعيف جدا، لم أعد قادرًا على مصارعة الحياة، أنا الآن بلا عمل، بلا دخل، لم أعد أملك شيئًا، أنا في منتهى الخجل، أنا لا أملك إلا موهبة قوامها كلمات كلمات مكتوبة أو مقروءة، أنا لا أجيد إلا ذلك، لكن ماذا يفيد هذا الذي أملكه؟ أشعر بالفقر."}.

ولكن مهما أخذته القصص إلى الخيال والرومانسية.. {"فالصدق عبقرية في زمن الكذب والخيانة"}..،  {"والبوح فرج"}..، ويداعبه الأمل:- {"متى يأتي اليوم الذي ينتظرني الناس كي يبتاعوا من بضاعتي"}..،.. {"يالها من سعادة أن تشعر بأنك مطلوب لذاتك، وأن غيرك لا يستطيع عمل ما تعمله، والناس تنتظرك حتى لو طال غيابك"}.

رفقا بنا يا صديقي الغالي يا "بائع القصص"..،.. {"هل عرفت الأن لماذا أحببتك؟ لأنك جعلت من نفسك عالما كبيرا"}.. وأقل ما يقال عليك أنك "راسم بارع للأحداث بالكلمات".. بامتياز.    

فهنيئا  للقاريء هذه المجموعةالقصصية "بائع القصص"

وتحياتي وشكري للأديب والناقد المبدع "ا. زكريا صبح" على إبداعه المتأنق.. وننتظر منه المزيد.

"د. أمير الشبل"

تعليقات