أمين "البحوث الإسلامية": تفسير القرآن حسب «الرؤى» غاية مسمومة تسعى لضياع هيبته وإسقاط أحكامه
- الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
قال مركز حصين إن من دلائل عظمة الله تعالى أنه سبحانه هو الكامل في ذاته وصفاته وأفعاله، وكل كمال في الوجود فهو من كماله، وكل حمد في الكون فهو من حمده، فحكمه خير الأحكام، وتشريعاته غاية في الإحكام، وكل ما منه سبحانه فهو على الكمال والتمام، فهو الذي خلق وأبدع، وشرع ونوع، ووضع كل شيء في موضعه اللائق به، فارجع البصر هل ترى من فطور * ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير.
وأوضح (في خطبة الجمعة التي ينشرها عبر حسابه أسبوعيا) أن الله أرسل الرسل وأنزل الكتب؛ ليسلم الناس لرب العالمين، ويذعنوا له بالعبادة مطيعين، ويستجيبوا لرسله الصادقين، فجعل سبحانه هذا الانقياد والإذعان والتسليم أجل مقامات الدين، فهو أساس الإسلام، وعلامة صحة الإيمان، وهو لب الاستقامة، وسبيل الفلاح، قال تعالى: إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون، وهو الأمان من الضلال، كما قال سبحانه: وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا.
وتابع: تمام التسليم، ألا يقدم العبد بين يدي ربه سبحانه وتعالى ورسوله ﷺ كما قال سبحانه: يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله. أي: لا تقولوا حتى يقول، ولا تأمروا حتى يأمر، ولا تفتوا حتى يفتي، ولا تقطعوا أمرا حتى يكون هو الذي يحكم فيه ويمضيه.
وقد ربى النبي ﷺ أصحابه على التسليم لله ولأمره وأمر رسوله ﷺ، ففي صحيح مسلم: «لما نزلت على رسول الله ﷺ: لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير اشتد ذلك على أصحاب رسول الله ﷺ، فأتوا رسول الله ﷺ، ثم بركوا على الركب فقالوا: أي رسول الله! كلفنا من الأعمال ما نطيق: الصلاة والصيام والجهاد والصدقة، وقد أنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها! قال رسول الله ﷺ: «أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا؟! بل قولوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير»، فلما اقترأها القوم وذلت بها ألسنتهم؛ أنزل الله تعالى في إثرها:﴿آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله﴾، فلما فعلوا ذلك نسخها الله تعالى، فأنزل الله عز وجل: :﴿لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا﴾، قال: نعم، ﴿ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا﴾ قال: نعم، ﴿ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به﴾ قال: نعم، ﴿واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين﴾ قال: نعم».
وقد نهى ﷺ أصحابه عن معارضة أمر الشرع ومخالفته، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي ﷺ قال: «ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم، فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم، واختلافهم على أنبيائهم».
وأردف: لقد ضرب الصحابة الكرام أفضل الصور وأروعها في القبول والتسليم لله ولرسوله ﷺ، فكان يشتد نكيرهم على من عارض شيئا مما جاء به الرسول ﷺ، ففي الصحيحين عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه، أنه رأى رجلا من أصحابه يخذف -أي يرمي بالحجر بين إصبعين- فقال له: لا تخذف؛ فإن رسول الله ﷺ كان يكره -أو قال- ينهى عن الخذف؛ فإنه لا يصطاد به الصيد، ولا ينكأ به العدو، ولكنه يكسر السن، ويفقأ العين، ثم رآه بعد ذلك يخذف، فقال له: «أخبرك أن رسول الله ﷺ كان يكره أو ينهى عن الخذف ثم أراك تخذف؟! لا أكلمك كلمة كذا وكذا!». وهذا من حرص الصحابة رضي الله عنهم على الاستجابة لله ولرسوله ﷺ، والقبول والانقياد والتسليم لما جاء به الوحي، والخوف من معارضة شيء من ذلك.
واكل: فعلى العبد أن ينقاد للشرع، ويتعبد لله تعالى بالتصديق والامتثال، وألا يعارض حكم الله بالسؤال: لماذا شرع كذا ولم يشرع كذا، ولماذا حرم كذا وأباح كذا؟ ولماذا أوجب كذا دون كذا؟ فيسأل سؤال الشاك المعترض، ويشترط على ربه الاقتناع قبل الامتثال! وكان يكفيه أن يقتنع بكمال حكم الله وحمده، وبعلم الله وحكمته ورحمته، وبصدق رسوله وكمال رسالته، ثم يؤمن ويسلم، فإذا علم بعد ذلك حكمة الله تعالى في أمره ازداد إيمانا، وإذا لم يعلمها لم يتأثر إيمانه وتسليمه، اكتفاء بيقينه بكمال شرع الله تعالى.
وقد سألت امرأة عائشة رضي الله عنها: «ما بال المرأة الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟!»: فقالت لها: «أحرورية أنت؟!» -تعني: هل أنت من الخوارج؟ وقد كانوا ينكرون السنة-، فقالت: لست بحرورية، ولكني أسأل، فقالت عائشة رضي الله عنها: «كان يصيبنا ذلك، فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة». وهذا التسليم لله ولرسوله ﷺ يشمل التسليم بكل ما جاء عن الله وعن رسوله ﷺ من الأخبار والأحكام.
فالتسليم بخبر الله وخبر رسوله ﷺ هو التصديق بالخبر تصديقا جازما لا شك فيه ولا ريب، والإقرار به كما جاء، والإيمان به كما ورد، سواء علم العبد حقيقة معناه أم لم يعلمها، وسواء أدرك العقل تفاصيله أم لم يدركها. قال تعالى: ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما.
وأما التسليم للأوامر والنواهي فبقبول هذه الأحكام، وامتثال المأمورات وترك المنهيات، وإن لم يعلم العبد حكمتها، قال تعالى عن خليله إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام ذاكرا عظيم تسليمهما لأمر الله: فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين * فلما أسلما وتله للجبين * وناديناه أن يا إبراهيم * قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين. فيا لله! ما أعظمه من تسليم! وما أحسنه من يقين! استحقا به جزاء المحسنين!