قرأت واستمعت 15.. د. أمير الشبل يكتب: «أنا طبيب.. قارئ ثم أديب.. ولست بناقد»

  • د. أمير الشبل
  • السبت 04 فبراير 2023, 05:24 صباحا
  • 917

"البيادق" هي الأكثر عددا، والأصغر حجما في رقعة المعركة.. يتحرك "البيدق" في خط محدد، وبخطوات محدودة للغاية، وتحت حماية فقط.. وإلا تمت إزاحته بدم بارد.. هو مجرد "بيدق" محدود الإمكانيات.. فكيف يصنع عاصفة؟! وكيف تكون صورته على الغلاف هي الأكبر حجما من باقي القطع؟.. بل والأكثر تميزا!.

في (عاصفة البيدق) رأته الكاتبة من وجهين. فتقول أحدهما:- "أخال نفسي بيدقا ينصاع لما يريدون".. والآخر:- "حتى البيدق .. القطعة الضعيفة.. تستطيع أن تكون ما تريد".

لقد رأت الكاتبة أن "ميزة الفرصة" وان كانت مشروطة بوصوله لنهاية الطريق.. تجعل منه بالفعل أفضل وأثمن قطعة.. لأنه عندئذ سيستطيع أن يصبح كما يشاء.. حياة جديدة بقوة مؤثرة يمكنها أن تغير ميزان القوى في المعركة.. وهكذا الطفل وهو أضعف صورة للإنسان في مسار حياته .. لو تمت حمايته وتأمين خطواته يمكنه أن يكون كما تريد.. لذلك جاءت دعوتها المباشرة الصريحة في مقدمة العمل.. "كن بيدقا"..

كانت طبيبة أو أديبة أو سيدة علم.. لكن في "جميع القصص" تقريبا.. انشغلت بكيان وروابط الأسرة، بالعلم والتعلم، بدور الأم والزوجة، بتربية النشأ، بصناعة الأجيال، بهموم الوطن.

حتى القصص التي فازت بها.. فبرغم بساطتها تظهر ذلك جليا كما قالت:- "أن تصنع منه رجلا"..، "إلا إذا دافعت أنت عن وطنك"..، "وهناك انطلق أطفال الحجارة يواجهون رجال العدو في شجاعة متناهية بثت الرعب في نفوسهم.}

وفي مجموعتها كانت الأم دائما ركيزة البيت ورمانة ميزانه {قالت عن كفاحها من أجل ابنتها:- "لم تقتل الأمل بقلبها وان سكنه الألم وهي ترى زهرتها الصغيرة تنتقل بين فصول العمر حتى اشتد عودها".} وبعد "انتكاسة للزمن" للأسف ودون مبرر أو تمهيد يقنع القاريء.. قالت:- "فتحطم صرح الأمل الذي بنته في غمضة عين".. "هد الحزن كل ما بقي من صمودها".

رغم أن الأب أسود الفعل والقول.. لكن لأن الأم بيضاء القلب عفيفة اللسان.. كان هناك ابنٌ محترم، مهذب ومحبوب من الجميع.. وان كانت النهاية مؤلمة.

رسمت بالكلمة مشاهد سينمائية جعلتها حية بلوحات فنية مبهرة {فتقول بالذكريات:- "داخل ماسة بلورية متلألئة دانية كانت ابتسامتها الدافئة تشع.. محياها القسيم.. شعرها البهيم الذي يتوسطه قمر وجهِها الوضيء.. أطلت عليه".. "شخص ببصره نحو السماء.. المكفهرة المنذرة، وبلوراتها تريه زوجته تارة ثم ابنَه تارة أخرى، وطيفهما يذوب".. {وفي النهاية:- "لا مستقبل في أرض تسكنها أشباح الموت الأسود". {وتقول بيأس:- "أنى لرائحة المطر ورقته ونسيمه أن يبث روحا في حجارة أسمنتية؟ أنى للزخات أن تبث روحا في أجساد انتزعت منها ميكانيكية العمل وقسوته معنى الحياة؟}

ولأن مأساة الوطن لا تنفصل عن مأساة الطبيب.. {تقول: "أكثر ما يثير الاستنفار لحواسي هي الحروب"..،  *"هل كان يجب أن أسجن في هذا المكان لأنتبه لما راح ضحية من جسدي في ارض معركتي البيضاء".. {وتقول من أجل الوطن:- "بت لأفكر وأخطط حتى توصلت للعلاج"

تناقش قسوة {قيود الحلم وقيود تحقيقه}.. فهي قد حلمت:- {أن تصبح "بالعلم" منارة لمن حولها، تزيل عتمة الجهل، تبيد براغيث العلل، تهون أهات المرضى} .. وأبيها يقيد أمر تحقيقه:- "الزمن لا يتغير بالنسبة لنا ولا يغير مبادئنا، الفتاة لا تخرج من بيت أبيها إلا لبيت زوجها.. أو إلى القبر" .. ثم تلخص المأساة بقولها:- "الحلم إن اقترن بالقيد قتله". {ثم تزيد في وصف مأساة القيود:- "قلمي مفتاح بوابة الجحيم تلك.. ما أكاد التقطه حتى أجد أقدح الكلمات تزجُني نحو البوابة.. أنسى معه من سيحاكمني في رغباتي.. انهم أقرب الناس.. يطلقون وابل من رصاص الاحباط نحو ارادتي" .. {وتنتقل من مأساة الأسرة إلى مأساة الوطن، فتضيف بقولها:- "أي أحلام تلك قد تُبنى.. حين ينعدم الأمان ويموت السلام بيد أبناء الوطن أنفسهم..".

وما أجمل هذا التصوير الراقي المهذب للقاء زوجين بعد اشتياق.. حين تقول:- "هرعت إليه بلهفة حين هدأ البيت.. ناجاه قلبها بالشوق، انسل من مكانه اليها حاملا أطنانا من الشوق لهذا اللقاء، ما تكاد تلمسه حتى تتسع الغرفة في اطراد، تغمض عينيها وتستسلم لسحر اللقاء

وفي جميع الأحوال فالزوجة الصالحة نعمة من الله فهي "السكن والسكينة والسُكنة والسكون والمساكنة.. وبالطبع أيضا المسكنة" هي (الجوهرة).. حيث استطاعت بمهارة الأديبة أو بدهاء الأنثى أو بحكمة الزوجة.. أن تصنع الموقف الذي وظفت فيه ما ينتصر لها من الزوج دون أن تتدخل مطلقا.. ثم تقول بنغمة المنتصر:- "كم أشفق على كل أم تقتطع جزءًا من عمرها لتهبه لزوجها وأولادها".

إن "عاصفة البيدق" هي ليست فقط مجموعة قصصية .. بل أقل ما يقال عليها.. إنها بحق.. تكريم واعلاء وتأكيد على دور الأنثى والزوجة والأم في صناعة الأجيال .. والوطن.. وبإمتياز.

فهنيئا للقاريء.. هذه المجموعة القصصية "عاصفة البيدق".

وتحياتي وشكري للكاتبة الأديبة الطبيبة "د.سعاد عمر سوٌاد" على إبداعها الراقي المتأنق.. وننتظر المزيد.


تعليقات