أفلا تبصرون.. هل رأيت نمل الباندا من قبل؟!
- الأحد 24 نوفمبر 2024
قال الدكتور
نظير عياد، أمين مجمع البحوث الإسلامية، إن كل أمة من الأمم تفتخر بلغتها وتعتز
بها وتعتقد أنها أفضل اللغات، ولا عجب في ذلك، فاللغة هي هوية الأمة وسبيل مجدها
وتاريخ حضارتها، كما أنها بالنسبة للأمم جميعا أداة تواصلها وطريقة تفكيرها، ورمز
عزتها، ومصدر فخرها، وأسلوب حياتها، لكنها للأمة العربية كل هذا وتزيد عليه أنها
لغة دينها وكتاب ربها، جعل الله فهمها ضرورة وتعلمها شرفا، لهذا كان ارتباط المسلم
بلغته مختلفا عن ارتباط أي إنسان بأية لغة أخرى، إذ لا يستطيع المسلم أن يقرأ
كتابه بغير لغته التي نزل بها، كما لا يتأتى له القيام بأداء شعائره وإتمام
عباداته بدونها.
وشدد على أن اللغة العربية هي سيلة المسلم لفهم مقاصد النص القرآني
ومعانيه وغاياته الكبرى المتمثلة في تلقي الأحكام الشرعية منه، ولذلك استعان
العلماء باللغة العربية وفنونها في فهم مراد الله في كتابه والكشف عن أسراره،
وتحديد دلالاته.
وتابع خلال
كلمته بندوة «جهود مجلة الأزهر في النهوض باللغة العربية ودعم الهوية الوطنية»: لهذا
نظر إليها العلماء على أنها من الدين حيث إن فهم مراد القرآن والسنة من أوجب
الواجبات، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، يقول ابن فارس عن وجوب تعلم
العربية: "إن العلم بلغة العرب واجب على كل متعلم من العلم بالقرآن والسنة
والفتيا بسبب، حتى لا غناء بأحد منهم عنه؛ وذلك أن القرآن نازل بلغة العرب، ورسول
الله صلى الله عليه وسلم عربي. فمن أراد معرفة ما في كتاب الله جل وعز، وما في سنة
رسول الله صلى الله عليه وسلم من كل كلمة غريبة أو نظم عجيب، لم يجد من العلم
باللغة بدا»،
ويؤكد هذا ما
رواه أبو بكر ابن أبي شيبة في مصنَّفه؛ حيث قال: "كتب عمر إلى أبي موسى:
أَمَّا بَعْدُ فَتَفَقَّهُوا فِي السُّنَّةِ، وَتَفَقَّهُوا فِي الْعَرَبِيَّةِ،
وَأَعْرِبُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ عَرَبِيٌّ.( )
وشدد على أن معرفة
اللغة العربية شرط في فهم القرآن الكريم لأن من رام تفسيره، وسعى إلى الكشف عن
مضامينه والوقوف على أسراره وقوانينه، وهو لا يعرف لغته التي نزل بها فإنه لا شك
سيقع في الزلل، ولن يخلو قوله من خلل فمن قال إنه يفهم القرآن الكريم دون حاجة إلى
اللغة العربية فقد قال محالا وادعى مستحيلا، فاللغة العربية مهمة جدا للعلوم
الشرعية بشكل عام، ولعلوم القرآن والتفسير بشكل خاص؛ ومن ثم فقد أولاها العلماء
موفور العناية، ومزيد الاهتمام، ولا غرو في ذلك حيث إن فضائل القرآن الكريم على
العربية أكثر من أن تعد وأعظم من أن تحصى، فقد شاءت إرادة الله -تعالى- أن يكون
آخر الكتب السماوية نزولا هو القرآن الكريم الذي نزل بلسان عربي مبين، هذا اللسان
الذي كان العرب ينظمون به أشعارهم، ويلقون به خطبهم، ويكشفون به عن مجدهم،
ويقارنون به بينهم وبين غيرهم؛ فقال تعالى: ﴿إِنَّآ أَنزَلْنَٰهُ قُرْءَٰنًا
عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [يوسف:2] وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ
أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُۥ بَشَرٌ ۗ لِّسَانُ ٱلَّذِى
يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِىٌّ وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِىٌّ مُّبِينٌ﴾ [النحل:
103] وقال تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ
الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ
عَرَبِيٍّ مُبِينٍ وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ﴾ [الشعراء] وقال تعالى:
﴿وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ
وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ ٱلْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ ۚ فَرِيقٌ فِى ٱلْجَنَّةِ
وَفَرِيقٌ فِى ٱلسَّعِيرِ﴾ [الشورى: 7] وقال تعالى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَٰهُ
قُرْءَٰنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [الزخرف: 3].
وأردف: إن اللغة
العربية فضلها كبير وشأنها عظيم ويكفي أنها انتقلت من كونها لغة شعب وإقليم إلى
لغة كونية حين غدت لغة سماوية، لغة القرآن الكريم، وبالتالي فقد حوت عقيدة كونية
أعلنت عن نفسها عقيدة للبشر عامة، وهذا ما جعل العربية في أقل من قرن، لغة عالمية
كبرى تشكلت في أطرها وسياقاتها أسس الحضارة الكونية العظمى التي سادت العالم قرونا
عديدة، وامتدت على مساحات شاسعة من قارات العالم القديم، وغدت لغة الحضارة
الإنسانية التي انحلت في بوتقتها لغات وحضارات متعددة، وشكلت بالتالي حلقة محورية
في الحلقات الحضارية الإنسانية الكبرى( ).
وبين: وبالجملة
فإن ظاهرة الامتداد التاريخي غير المنقطع للعربية يعود إلى نقطة التحول الكبرى في
تاريخ العرب، التي يمثلها الدين الإسلامي وكتابه المقدس القرآن الكريم الذي غير
العالم، وحفظ العربية لغة مقدسة، ولغة حضارة وفكر إنساني.
واستطرد: لقد
كان الإسلام نقطة انطلاق للعربية من لغة قومية محصورة في إطار قومي جغرافي محدود
إلى لغة عالمية، لغة تجاوزت الأطر الجغرافية والقومية لتغدو لغة حضارة كونية فرضت
سيطرتها طيلة قرون عديدة وامتدت على مساحة قارات العالم القديم، تاركة آثارها
العميقة على كل الشعوب التي دخلت في الإسلام وتعربت، والتي احتفظت بلغاتها
الأصلية، كما هي الحال في اللغة الفارسية والتركية والأردية، ولكنها وقعت تحت
تأثير العربية لغة القرآن على نحو كبير، تأثير ظهر في كتابة هذه اللغات بالحروف
العربية، وفي تبني عدد كبير من مفرداتها وصورها ومصطلحاتها.