رئيس مجلس الإدارة

أ.د حسـام عقـل

هشاشة الإلحاد والجواب المنطقي

  • جداريات Ahmed
  • السبت 05 أكتوبر 2019, 1:29 مساءً
  • 1016
صورة تعبيرية

صورة تعبيرية

الحقيقة لم نقصد  بمقولة هشاشة الإلحاد ، كونها واقعا فما أن تجلس مع ملحد لمناقشتة حتى تجده يذهب بنا بعيدا من خلال مصطلحات معقدة ودائما ما يطلق عليك بمصطلحات مثل العلم والدليل ، وأنه لا يؤمن بإله سوى غير العلم ، ولا يدري هذا أن العلم لم ينزل على البشرية إلا من الله سبحانه وتعالى ولذلك قد نشرت صفحة صراع الإيمان مع الإلحاد بوست فحواها أن الواقع يشهد بأن نزعة الإيمان بالله تعالى ، ونزعة التدين مكون صميمي في الإنسان ، ومن دلائل ذلك ظهور مقتضى هذه الفطرة، واستيقاظها عند الشدائد والكوارث، فما أن تقع بالإنسان بلية ومصيبة كبرى إلا واعتمل في نفسه معنى لا يستطيع دفعه بأن ثمة قوة عليا بمقدورها استنفاذه والدفع عنه، ووجد من حاله طلبا والتجاء لربه أن يخلصه من هذه البلية .

وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا المعنى في مثل قوله تعالى ( وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه) وقوله سبحانه وتعالى ( حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾ .

يقول الرازي في سياق ذكر بعض الأدلة حول وجود الله تبارك وتعالى : "إن الإنسان إذا وقع في محنة شديدة وبلية قوية لايبقى في ظنه رجاء المعاونةمن أحد ، فكأنه بأصل خلقته ومقضتي جبلته يتضرع إلى من يخلصه منها، ويخرجه عن علائقها وحبائلها ، وما ذاك إلا شهاددة الفطرة بالافتقار إلى الصانع المدبر.

ومن أشهر الأسئلة التي يرددها الملحدين إذا كان للكون خالق فمن خلق الخالق؟ الحقيقة أن السؤال ليس سؤالا جديداً بطبيعة الحال، فقد ورد عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَنْ يَبْرَحَ النَّاسُ يَتَسَاءَلُونَ حَتَّى يَقُولُوا: هَذَا اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، فَمَنْ خَلَقَ اللَّه"

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال لي رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: "لا يَزالُ يسألونَكَ يا أبا هُرَيْرةَ حتَّى يقولوا: هذا اللَّهُ، فمَن خلقَ اللَّهَ؟ قالَ: فبينا أَنا في المسجدِ إذ جاءَني ناسٌ منَ الأَعرابِ، فَقالوا: يا أبا هُرَيْرةَ، هذا اللَّهُ، فمَن خلقَ اللَّهَ ؟

وفي رواية: "لا يزالُ الناسُ يتساءلونَ حتى يقالَ: هذا، خلقَ اللهُ الخلقَ، فمَنْ خلَقَ اللهَ؟ فمن وجَدَ مِن ذلِكَ شيئًا فلْيِقُلْ: آمنتُ باللهِ"

وفي رواية: "يُوشِكُ الناسُ يتساءلونَ، حتى يقولَ قائِلُهم: هذا اللهُ خلق الخَلْقَ فمَن خلق اللهَ؟ فإذا قالوا ذلك فقولوا: "اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ، وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، ثم لِيَتْفُلْ عن يَسَارِهِ ثلاثًا ولْيَسْتَعِذْ من الشيطانِ"

وفي رواية: "إنَّ الشيطانَ يَأتِي أحدَكُمْ فيقولُ: مَن خَلَقَكَ؟ فيَقولُ: الله، فيَقولُ: فمَنْ خلق اللهَ؟! فإذا وجَدَ أحدُكمْ ذلِكَ فلْيَقُلْ: "آمنْتُ بِاللهِ ورُسُلِهِ، فإنَّ ذلِكَ يَذهبُ عنْهُ"   ووجود مثل هذه النصوص يوضح لك أن هذا السؤال من السؤالات الحاضرة في الخطاب النبوي، حيث كشف النبي صلى الله عليه وسلم عن منشأ هذا السؤال في النفس، ومدى حضوره في الواقع وطبيعة التقنيات لمدافعته ، وهذا ما أكده كتاب شموع النهار، لعبد الله العجيري، والذي أوضح أنه من الممكن أن نتعرف على طبيعة المعالجة النبوية لهذا الإشكال، وسبيل قطع وسوسة الشيطان وذلك بـالاستعاذة بالله، أو قول: "آمنْتُ بِاللهِ ورُسُلِهِ"، أو قول: "اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ، وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، والتفل عن اليسار، والانتهاء" .

   وأشار الكتاب إلى ضرورة التنبيه عليه أن الخواطر تأتي على قسمين: خواطر عارضة ليست بمستقرة ولا اجتلبتها شبهة طرأت فهذه تُدْفَع بالإعراض عنها كما ورد في الأحاديث، وأما الخواطر المستقرة التى أوجبتها شبهة فإنها بالإضافة للأوامر النبوية فلا بد من دفعها باستدلالٍ ونظر ، وهو ما سوف نذكره لاحقا في بقية النقاط، فضلا عن أن هذا السؤال يعد مغالطة، كوننا لم ندع أن كل موجود فلا بد له من سبب، بل دعوانا أن كل حادث لا بد له من سبب، أما الموجود فلابد من معرفة أن الوجود نوعان: وجود واجب، ووجود ممكن، فالأول: وجود الله تعالى، فلا يتصور العقل إلا وجوده؛ وهو غير مفتقر إلى سبب لإيجاده، والثاني: وجود كل مخلوق سوى الله تعالى، لأن كل مخلوق مسبوق بالعدم، ويجوز أن يلحقه فناء، وهو مفتقر في وجوده إلى سبب. والإخبار عن الله تعالى بأنه واجب الوجود يراد به أن وجوده سبحانه لذاته، فيستحيل عليه العدم أزلاً وأبداً، بخلاف المخلوق فإنه ممكن الوجود أو جائز الوجود، أي يجوز عليه الوجود والعدم، ووجوده لا لذاته، بل بإيجاد الله تعالى .

تعليقات