هل يتعمد إبراهيم عيسى تشويه التاريخ الإسلامي؟ (فيديو)
- الخميس 21 نوفمبر 2024
في البداية الأخلاق نوعان:
أخلاق مصلحية
منفعية أنانية مادية، وهي تسمى أخلاق المجتمع – أُعاملك بأدب كي تعاملني بأدب –
وهذه ليست الأخلاق الأصيلة التي يؤسس لها الأخلاقيون – أنبياء ومصلحين -، عبر كل
العصور والأزمان
.
وهناك النوع
الثاني من الأخلاق وهي تسمى الأخلاق الأصيلة، وهذه الأساس واللب والحقيقة. وهي
التي أسس لها المصلحون عبر التاريخ. مثل أخلاق: الصدق والعدل والأمانة والتضحية
والإيثار والقناعة والحِلم والرضا وكل معاني حُسن الخُلُق.
لكن هذه الأخلاق
تأتي مباشرةً ضد المصلحة الشخصية، فهي غير مربحة عمليًا.
بل هي ضد
المادة، وضد العقل.
ولم يتم البرهنة
عليها عمليًا أو عقليًا إلى يومنا هذا.
فالعمل الأخلاقي
في الأساس لا يكون أصيلاً إلا لو انتفت عنه الفائدة المادية أو الرياء أو أية
منفعة شخصية.
لكن هذا النوع
من الأخلاق لا يمكن تبرير وجوده في عالم إلحادي مادي.
بل إن وجوده أو
الاعتراف بوجوده هو أكبر ضربة يمكن توجيهها للفكر الإلحادي على الإطلاق!
فالإنسـان من
منظور مادي أرضي هو كائن عضوي ذو ثلاثة أبعاد، حدود الطبيعة هي حدوده، يسري عليه
ما يسري على الظواهر الطبيعية، فهو شيء بين الأشياء يمكن دراسته في إطار دوافعه
الاقتصادية والمادية فحسب.
وبالتالي فإن أي
حديث عن الأخلاق الأصيلة هو ضرب من القول بالميتافيزيقيا، وإدخال عناصر غير مادية
على النموذج الإلحادي المادي المُجرد.
فالأخلاق في هذا
الإطار تمثل ثغرة في النظـام الطبيعي ، تمثل تمردًا على قوانين المادة.
وقد دخل الإنسان
إلى التاريخ برأس مال أخلاقي مبدئي هائل. ومن هنا فقد ظهرت تلك اللحظة التي صنعت
عصرًا جديدًا كما يقول علي عزت بيجوفيتش رحمه الله في كتابه "الإسلام بين
الشرق والغرب."
فالأخلاق
الأصيلة التي ظهرت مع الإنسان أكدّت منذ اللحظة الأولى على أصالة ظهوره و تمرده
على الطبيعة التي نشأ منها.
وفي هذه اللحظة
صار الإنسان هو المركز والطبيعة هي الهامش.
{إنا عرضنا
الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان
} ﴿٧٢﴾ سورة الأحزاب.
والماديون الذين
يحاولون تحليل ظهور الأخلاق في إطار المادة، هم يقدِّمون أسهل طريقة لإسقاط
الإلحاد، لأن المادة مهما تعقّدت لن تأتي بأنساقٍ غير مادية كالأخلاق!
فالمادة مهما
تعقّدت لن تنتج شيئًا سوى المادة.
فالأخلاق
الأصيلة وقيّم الإنسان الأولى التي دخل بها العالم، وحريّته وترّفعه وتمرّدة على
المادة كلها أنظمة لا يمكن بحالٍ ردها إلى العالم المادي المجرد!
إن كل هذه
الأمور لتؤكد على تلك المقدمة السماوية التي دخل بها الإنسان إلى العالم!
فالأخلاق ثغرة
معرفية كبرى في النسق الكوني؛ ولذا لا يمكن إخضاعها لقوانين الطبيعة وحتميات ماركس
التاريخية ، أو حتميات داروين العضوية، أو حتميات دوركايم الإجتماعية .
وهذا الاختلاف
بين الأخلاق والطبيعة يُعبِّر عن نفسه في الاختلاف بين المؤشِّر في العلوم
الطبيعية والمؤشِّر في العلوم الإنسانية كما يقول الدكتور عبد الوهاب المسيري رحمه
الله.
فأقل تحرير
للنظر في مسألة الأخلاق يجعلك تدرك وبسهولة أنها تسير عكس الطبيعة أو بمعنى أدق لا
علاقة لها بالطبيعة.
فالأخلاق ثغرة في الزمان فهي نتاج خلق، والله خلقها كاملة؛ لأن الله
لا ينتج ولا يشيد وإنما يخلق، وكل هذا كما قلنا يؤكد أصالة ظهور الإنسان .
بينما في عالم
الطبيعة توجد الأشياء وجودًا موضوعيًا، فالأرض تدور حول الشمس، والشمس بدورها
تتحرك. هذه حقائق طبيعية مادية.
أما في عالم
الأخلاق فكم من أشياءٍ فعلناها وكنا لا نريد أن نفعلها، وكم من أشياءٍ وددنا أن
نفعلها ولكن لم نفعلها أبدًا .
إذن هناك –كما
يقول بيجوفيتش- عالمان عالم القلب وعالم الطبيعة، هذه العلاقة بين الإرادة والفعل
تعكس التناقض المبدئي بين الإنسان والعالم .
أضف إلى ما سبق؛
إذا ارتكب إنسانٌ جريمة وأصَرَّ على أنه فعلها بدون قصد، هنا يسعى كل محامي لإثبات
عدم القصد. مع أنه بالمنظور المادي والعقلي الجريمة وقعت وانتهت على أرض الواقع،
والمجرم أيضًا معترف أنه ارتكبها، لكن يتدخل القانون لمعرفة القصد والنية، ومعرفة
حالة النفس أثناء ارتكاب الجريمة هل جرت بقصدٍ أم لا.
وهنا نضع النفس
في مركز أعلى من الحقائق، وأعلى من الواقعة المادية المجردة، فنحن في الحقيقة لا
نحكم على ما حدث في العالم لكن نحكم على ما حدث داخل النفس.
فالإنسان ليس
مُفصلاً على طراز داروين.
إن الأخلاق ثغرة
في نظام الطبيعة المادي فهي ثغرة معرفية، وثغرة زمانية، وثغرة قيمية، و ثغرة
عقلية، فالأخلاق كما قلنا عقليًا غير مربحة بل ضارة بل هي أكبر عبء على صاحبها.
وقد تساءل
برنارد ماندفيلBernard
mandeville أستاذ علم الأخلاق الإنجليزي عن: ما
أهمية الأخلاق لتقدم المجتمع والتطور الحضاري ؟
وأجاب ببساطة : لا شيء بل لعلها تكون ضارة .
والأخلاق والدين
هما أقدم الأفكار الإنسانية ترًا، وقد ظهرا سويًا مع الإنسان، والإله هو الشرط
الوحيد لسمو الإنسان وحريته وأخلاقه ومبادئه وقيمه.
فالأخلاق
الأصيلة تستمد قيمتها من عالمٍ آخر؛ عالم لا علاقة له إطلاقاً بعالمنا المادي
المجرد، وبدون هذا العالم الآخر تتحول الأخلاق إلى مجرد لغو فارغ، ووهم يستحيل
أصلاً التنبؤ بوجوده لعدم وجوده!
فما بالنا
والأخلاق موجودة، بل هي ركيزة أية أمة أو حضارة. بل وحتى أعتى الملحدين لا يمنع
نفسه من الادعاء بالتزام الأخلاق، مع أنه بذلك ودون أن يدري يُسقط المنظومة
الإلحادية بأكملها .
فالأخلاق كقيمة تنقض الإلحاد!