إبراهيم صديق: الغاية العظمى من وجودنا عبوية الله تعالى

  • جداريات Jedariiat
  • الثلاثاء 20 ديسمبر 2022, 02:27 صباحا
  • 452

قال إبراهيم محمد صديق، الكاتب في مركز حصين، لنقد الإلحاد والرد على الشبهات، إن الله خلق النَّاس وهيَّ-أ لهم استعمار الأرض، وسخَّر لهم كلَّ ما فيها من خيرات، ولم يتركهم عبثًا، بل وضع لهذا الإنسان غايةً عظمى ليعيش حياتَه لأجلها، وهي: العبوديَّة لله سبحانه وتعالى، ففطرَه عليها، وأنزل آدم عليه السَّلام وهو مؤمنٌ بربه، عابدٌ له، فلمَّا مرَّ الزمان وحصل الشرك أرسل الله الرُّسل وأنزل الكتب، وكلُّ رسول يقول:ٱعۡبُدُواْ ‌ٱللَّهَ ‌مَا ‌لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُ [الأعراف: ٥٩]، فكان مجيءُ الرسلِ كلِّهم من أجل إيصال رسالة الله للبشريَّة؛ ليعبدوه ويشكروه ويعظِّموه.

وتابع في مقال له: لا ريب أنَّ الله سبحانه وتعالى هو المستحقُّ للعبادة دون سواه، وذلك لكماله في أسمائه وصفاته وأفعاله، ولتفرُّده بإنعامه على خلقه، فهُما الموجبان لاستحقاق العبادة، كما يقول ابن القيم رحمه الله: «ولمَّا كانت عبادته تعالى تابعةً لمحبته وإجلاله، وكانت المحبَّة نوعين: محبة تنشأ عن الإنعام والإحسان فتوجب شكرًا وعبوديَّة بحسب كمالها ونقصانها، ومحبة تنشأ عن جمال المحبوب وكمالِه فتوجب عبوديَّة وطاعة أكمل من الأولى؛ كان الباعث على الطاعة والعبودية لا يخرج عن هذين النوعين» ، فإذا اجتمع للعبد حاجتُه إلى الإله الكامِل وافتقارُه إليه، وعرَف أسماءه وصفاته وأفعاله وكماله وجلالَه مع شهودِ نِعَمه عليه وأنَّها من الله وحده، كان ذلك داعيًا إلى إفراد الله بالعبادة.

 

وأكدد أن التعبُّد لله سبحانه وتعالى لا ينحصر في أداء الشعائر فحسب، فالعبادةُ «اسمٌ جامع لكلِّ ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة» ، وقد أمر الله سبحانه وتعالى نبيَّه أن يبيِّن عبوديته المطلقة لله، فقال: قُلۡ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي ‌وَمَحۡيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ [الأنعام: ١٦٢]، فكلُّ حياة الإنسان إنَّما هي لله سبحانه وتعالى، والعبوديَّة قضيةٌ ينبغي أن تهيمن على حياةِ المسلمِ كُلِّها، وقد كانَ النبيُّ ﷺ أوّلَ من يُظهر مظاهِرَ العبودية لله، فتجد ذلك في كلامِه وأفعالِه وحركاتِه وسكناتِه، ولا ريب أن الأنبياء عليهم السلام هم أكثر الناس عبودية لله سبحانه وتعالى، وفي مقدمتهم نبينا محمد ﷺ فقد كان أكمل الناس في عبوديته، وقد وصف الله نبيَّه محمَّدًا ﷺ بالعبوديَّة في أشرف المقامات وأعلاها، فوصفه بها في الإسراء فقال: سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِيٓ ‌أَسۡرَىٰ ‌بِعَبۡدِهِۦ لَيۡلٗا مِّنَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ إِلَى ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡأَقۡصَا ٱلَّذِي بَٰرَكۡنَا حَوۡلَهُ [الإسراء:١]، ووصفه بها عند الوحي إليه؛ خاصة في تلك المقامات العليا في المعراج فقال: فَأَوۡحَىٰٓ ‌إِلَىٰ عَبۡدِهِۦ مَآ أَوۡحَىٰ [النجم:١٠]، ووصفه بها حين ذكر إنزال أشرف كتاب إليه وهو القرآن فقال: ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ ‌عَلَىٰ ‌عَبۡدِهِ ٱلۡكِتَٰبَ [الكهف:١].

 

وأردف: هذه أشرفُ المقامات وأجلُّها وقد وصفه الله فيها بالعبوديَّة لكونه عليه الصلاة والسلام أكمل الناس عبوديَّة لله، فهو أتقى النَّاس، وأخشع النَّاس، وقد ذكر ذلك عليه الصَّلاة والسَّلام عن نفسه حين جاءَه ثلاثةُ نفرٍ؛ ادعى أحدهم أنَّه لن يأتي النساء، والآخر أنَّه لن ينام، والثالث أنه لن يأكل اللحم، فخرج عليهم رسول الله ﷺ فقال: «أما والله إنِّي لأخشاكُم لله وأتقاكم له، لكنِّي أصومُ وأفطر، وأصلِّي وأرقد، وأتزوَّج النساء، فمن رغب عن سنَّتي فليس مني» ، وقد أمره الله بالعبادة فقال:وَٱعۡبُدۡ رَبَّكَ ‌حَتَّىٰ ‌يَأۡتِيَكَ ٱلۡيَقِينُ [الحجر:٩٩].

 

واستطرد: هذه العبوديَّة لله بادية في أقوالِه وأفعالِه وعباداتِه وصيامه وقيامه حتى تتفطَّر قدماه عليه الصلاة والسلام، وتظهر أيضًا في أذكاره التي يداوم عليها ويحثُّ عليها.

 

وبين أن الأذكار من أكثر ما يظهر فيه تعبُّدُ الإنسان لله سبحانه وتعالى، ومن المعلوم أنَّ الأذكار التي شُرعت في الدين -مطلقةً ومقيَّدة- تحمل الكثير من الفضائل، فمنها: أنَّها خير أعمال الإنسان له، وأزكاها عند الله، ومنها: أنَّ الذاكر لله يذكرهُ الله بأفضل من ذكرِ العبد له، ومنها: أنَّ فيها إقرارًا بتوحيد الله، وباستحقاقه للعبادة وحده، وفيها تذلٌّلٌ له، وبيانُ الافتقار إليه، يقول ابن القيم رحمه الله: «الذِّكر شجرةٌ تثمر المعارف والأحوال التي شمَّر إليها السَّالكون، فلا سبيل إلى نيل ثِمارها إلا من شجرةِ الذِّكر، وكلَّما عظمت تلك الشجرة ورسخ أصلُّها كان أعظمَ لثمرتها، فالذِّكر يُثمر المقامات كلها من اليقظة إلى التَّوحيد، وهو أصل كلِّ مقام وقاعدته التي ينبني ذلك المقام عليها».

ولا شكَّ أنَّ كثرة الذِّكر واستحضارَ المعاني التي في الأذكار ممَّا يقرّب الإنسان إلى الله، وكلما ازداد الإنسان ذكرًا لله ازداد محبةً له، وكلما ازداد محبةً له ازداد عبوديَّة، فحريٌّ بالمسلم أن يكون دائم الذِّكر لله، وأن يلتزم بالأذكار والأدعية المطلقة والمقيَّدة، وهي مع كثرة فضائلها دليل أيضًا على تذلل الإنسان وتعبُّده لله، ومن تأمَّل أدعية النَّبي صلى الله عليه وأذكاره وجد فيها معنى التعبُّد لله، والخضوع له، والافتقار إليه، وتسليم الأمر كله له، وأنه لا مستحق للعبادة سواه، وفي هذه الورقة أعرِّج على بعض الأذكار النبويَّة، وما تحتويه من معاني التعبُّد لله سبحانه وتعالى، وبيان الافتقار إليه.



تعليقات