"ربما في المستقبل نعرف كيف ظهر الكون".. هيثم طلعت يكشف عن أكبر مغالطة يقع فيها الملحد
- الإثنين 25 نوفمبر 2024
قال مركز حصين، المختص في الرد على الشبهات، إنه لـمّا خَلَقَ اللهُ أبانا آدمَ علّمَه الأسماءَ كلَّها، فأظهرَ شرَفَه ورفعَ منزلتَه بما علّمَه، ثمّ أَسْجَدَ له الملائكة، فبِالعلمِ يرفعُ اللهُ مَن شاءَ مِن عبادِه: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ.
وبين أن أشرفُ
العلومِ وأعلاها، وأهمُّها وأولاها، هو العلمُ باللهِ تعالى وصفاتِه، وبأخبارِه
وأحكامِه، فهذا العلمُ هو الذي يُنجِي العِبادَ، وهو الذي بَعَثَ اللهُ به
الرُّسُل، وأنزلَ الكُتُب.
وشدد على أن مِن
أخطرِ الأمراضِ التي تُصيبُ العقولَ والقلوبَ الجهلَ بالدّين، فإنّ الجهلَ داءٌ
دَفِين، يُشقي الإنسانَ، ويجعلُه سهلَ القِيَادِ للشيطان، وقد يَسْتَفْحِلُ به هذا
المرضُ إن لـمْ يَسْعَ في شفائِه حتى يموتَ قلبُه. وشفاءُ هذا المرضِ بالإقبالِ
على العلمِ، كما قال ﷺ: «ألَا سَأَلُوا إِذَا لَـمْ يَعْلَمُوا؟ فَإِنّما شِفاءُ
العِيِّ السُّؤَال؟».
ولفت ـ في خطبة الجمعة التي نشرها اليوم ـ إنّ نهايةَ الجَهلِ وَخِيمَة، وعاقبتَه أليمة،
فكم مِن جاهلٍ أَفْسَدَ وهُو يُريدُ الإصلاح، وخَرَّبَ وهُو يقصدُ التَّعْمِير، كم
مِن رفيعِ نَسَبٍ خَفَضَهُ الجهل، وكم مِن عزيزِ قومٍ ذلَّ بالجهل، وأسوأُ الجهلِ
أن يجهلَ العبدُ قيمتَه وعملَه ومصيرَه، فإنَّ الجاهلَ يتصوّرُ الأمورَ على غيرِ
حقيقتِها، يحسبُ أنه مُهتدٍ وهو ضالّ، ويحسبُ أنّه ناجٍ وهو هالِك، ويحسب أنّه
قريبٌ إلى اللهِ ولعله مَطرودٌ مِن رحمةِ الله، فأعمالُه في الدّنيا كَسَرابٍ
بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ
اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ، قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ
بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا.
وبين أنه معَ
زوالِ الأمِّيَّةِ وكثرةِ المطبوعاتِ ودُور النّشر ووسائلِ الإعلامِ والتعليم، ظنّ
كثيرون أنّ الجهلَ قدِ اختفى، والحقيقةُ أنّ الجهلَ في زمانِنا قد انتَشَرَ
وفَشَا، فإنّ الجهلَ ليس هو العجزَ عن القراءة، إذْ قدْ يقرأُ المرءُ ويكتبُ
ويفهمُ الخِطَابَ، وربّـما يُحسِنُ عددًا مِن اللغَات، لكنّه جاهل! جاهلٌ في
تصوّراتِه وقناعاتِه، جاهلٌ في أخلاقِه وتصرّفاتِه، جاهلٌ في نظرتِه لمن حولَه
ومُعاملاتِه!
وتابع: إنّ
للجهلِ مظاهرَ وصُوَرًا، فأعظمُ الجهلِ: الجهلُ بحقّ اللهِ تعالى، وبما يجبُ مِن
طاعتِه وتوحيدِه وتعظيمِ أمرِه، فالجاهلُ يتهاونُ في حقّ الله، ولا يُدركُ عاقبةَ
أفعالِه، تراه مُجترِئًا على ما فيه هلاكُه، كما يجترئُ الطفلُ على الـمَخاطِر
كالكهرباءِ أو السُّمومِ وهو لا يدري عاقبتَها، وكما يتطاولُ السّفيهُ الوضيعُ على
الشُّرَفاءِ وهُو لا يدري قَدْرَهُم.
واردف: إنّ
الإعراضَ عن اللهِ إلى غيرِه إغراقٌ في الجهل، قال تعالى: قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ
تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ، ولما طلبَ قومُ موسى مِنْهُ أن
يجعلَ لهم آلهةً، قال لهم: إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ، فالشركُ باللهِ
مَبْنِيٌّ على الجهلِ بتفرّدِه سبحانه بالكمال.
واستطرد: والانطلاقُ
في الشهواتِ البهيميّةِ، بِدَعْوَى الحرّيّة إغراقٌ في الجهل، وإمعانٌ في قلّةِ
العقل، أين العقلُ في الاستِعَاضَةِ عن الطّهارةِ بالنجاسات، وعن النّزاهةِ
بالقاذوراتِ؟ ولذلك قالَ لوطٌ عليهِ السلامُ لِقَومِه: أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ
الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ، ولـمّا دُعِي يوسفُ عليهِ السلامُ إلى
الفاحشةِ استغاثَ بربِّه مِن الجهلِ فقال: وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ
أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ.
وشدد مركز حصين
على أنه مِن الجهلِ أيضًا تعظيمُ الدُّنيا التي حقَّرَها الله، والغفلةُ عن
الآخرةِ التي عظَّمَهَا الله، وانقلابُ الموازينِ لدى الناس، ولذلك كانَ مِن أمرِ
الجاهليّةِ الفخرُ بالأحسابِ التي لا تُجدِي على أهلِها شيئًا بِغَيرِ التقوى، كما
قال رسولُ اللهِ ﷺ: «أربعٌ في أُمّتِي مِن أَمْرِ الجاهليّةِ لا يَتركُونَهنّ،
الفخرُ في الأحسَابِ، والطّعنُ في الأنسَابِ، والاستِسقَاءُ بالنّجومِ،
والنِّيَاحَة». أعاذَنا اللهُ مِن الجهلِ ومِن أفعالِ الجاهِلين.