هدى نعيم: فوز ثمين على حساب الرأي العام الدولي في الساحرة المستديرة

  • جداريات Jedariiat
  • الإثنين 28 نوفمبر 2022, 8:24 مساءً
  • 365

صور نمطية مفزعة عن المسلمين والعرب سعى الغرب لترسيخها بكافة السبل في الرأي العام العالمي، ليست وليدة السنوات الأخيرة أو وليدة الصدفة والمواقف المفاجئة، بل تضرب جذورها في عمق تاريخي بعيد، فالعربي والمسلم من وجهة نظر الغرب هو الإرهابي غير المُتحضِّر، والشخص الذي يميل إلى العنف وإلغاء الآخر، إلى جانب وصفه بالمتعصب المنغلق على نفسه وفكره، وغير ذلك الكثير من الصفات.

 

العربي والمسلم.. أساطير وخيالات

الشمال يجهل تماماً ما هو عليه الجنوب، في حين أنّ الجنوب يعرف الشمال تمام المعرفة

 

توضح الأسطورة الشهيرة السابقة حقيقة الوضع فيما يتعلق بمعرفة الغرب للعرب والمسلمين بشكل يتناسب مع معرفة العرب للغرب، ففي الوقت الذي يندر فيه العودة للمصادر الحقيقية عن العرب والمسلمين، وقلما وجدنا من الغرب من تكبد عناء السفر وتعلم اللغة العربية للبحث والتعرف على حقيقة المعلومات من مصدرها كما يفعل العرب عندما يسافرون مشارق الأرض ومغاربها طلباً للعلم والمعرفة؛ تركت الساحة فارغة لوسائل الإعلام والقائمين عليها كمصدر وحيد لتشكيل الصورة المجازية عن العرب والمسلمين في ذهن الغرب.

 

أصل العداء الكامن لدى الغرب

لقد سعى القائمون على وسائل الإعلام إلى ترسيخ الصورة النمطية السيئة السابق ذكرها عن العرب والمسلمين، ليس جهلاً بالواقع، بل على العكس تمامًا، فقد تجد لديهم المعلومات اللازمة والحقيقية، لكنه العداء الحضاري والديني والعرقي طويل الأمد، حيث يرى المتتبع للتاريخ أن الإسلام هو الدين الوحيد الذي استمر في مواجهة مع الغرب، إلى جانب انتشار التطرف اليميني، والإسلاموفوبيا ضد العرب والمسلمين وفي الوقت الذي يؤمن الغرب بأنه متفوق على غيره من الأعراق الأخرى وأي حضارة لا تنتمي لحضارته هي موضع ازدراء ورفض يكون ضرب من الجنون أن يسوق لغيره ويعاكس مبادئه القائمة على نكران الآخر، وبالتالي سعيه بكل الطرق لصناعة خطاب يزدري فيه الآخر مساهمًا في صناعة تيار يؤمن بـ “صدام الحضارات” وهو ما يشكل خطوط تقسيم وهمية بين الحضارات يبنى عليها مواقف تؤهل لحدوث صراعات وحروب باردة، وما حدث على مدار السنوات الماضية هو أحد ملامح تلك الحرب الباردة والتي شنت بهدف سحب بساط تنظيم المونديال من أرض عربية مسلمة بدافع عدائي.

 

 

 

صافرة بداية المونديال صافرة خسارة للحرب

يجمع المتابعون للإعلام الغربي على وجود ترسانة إعلامية تعمل في سياق متّحد بما تتفق عليه مختلف هذه الوسائل، بحيث يصعب مواجهتها واختراقها إلاّ بتشييد ترسانة موازية أو إرغامها على نشر الصورة الحقيقية.

 

هذا بالفعل ما فعلته قطر خلال مونديال 2022، فقد شكّل إقامة مونديال في أرض ينتمي أهلها إلى الهوية العربية والإسلامية، وبهذا الابداع والتميز بشهادة الخصم، أحد أهم القوى الناعمة التي ساهمت في تسديد ضرباتها النظيفة في شباك الخصم.

 

على الرغم من الحملات العنيفة وغير مسبوقة التي واجهتها قطر على مدار 12 عاما لمحاولة سحب تنظيم كأس العالم لكرة القدم من أول بلد عربي ومسلم، إلا أن صافرة بداية حفل افتتاح المونديال شكل صافرة نهاية لتلك الحملات الشرسة معلنة عن نصر دبلوماسيّ عربيٍّ وإسلاميٍّ سُمِع صداه في أرجاء العالم.

 

هدف قطر من تنظيم المونديال

سعت قطر من خلال فعاليات المونديال للحفاظ على الرمزية العربية الإسلامية وتوظيفها بكل ذكاء في مختلف فقرات الافتتاح وبث الصورة الحقيقية للعربي المسلم، ناسفة الصورة النمطية التي تبث منذ عشرات السنوات في الإعلام الغربي والذي كان من جهته ينقل الحدث مباشرة، ممّا شكل انبهاراً واضح المعالم من خلال ما نشر عبر أهم الصحف العالمية فقد كان  أبرز العناوين التي طرحت في الإعلام الغربي قد تحدثت عن تميز الفعاليات والتنظيم فقالت صحيفة ذا صن الإنجليزية “إن حفل الافتتاح كان مميز، ولن يُنسى مع الألعاب النارية والأجواء المميزة العربية والحضور الجماهيري الكبير، حيث إنه يعتبر من بين أفضل الحفلات الافتتاحية للمونديال تاريخيًا”، أما صحيفة NBC نيويورك الأمريكية فقالت “إن مورجان فريمان خطف الأضواء في حفل افتتاح كأس العالم 2022 المميز بقطر”، وصحيفة تليجراف الإنجليزية قالت “إن قطر نجحت في تنظيم حفل افتتاح مميز”.

 

 

 

تمكنت قطر من خلال ما قدمته وتقدمه في فعاليات المونديال ما لا يمكن أن تقدمه ترسانة إعلامية ضخمة فبدخول أكثر من مليون ونصف مشجع من مختلف أنحاء العالم ومختلف المعتقدات والمرجعيات، سمح لهم أن يتعرفوا على الصورة المحجوبة عن الواقع العربي الإسلامي المغيب من إعلامهم والتعرف على حجم التقدم والتطور والتحضر والنظام والأمن، إلى جانب التعرف على الشعوب العربية والإسلامية دون وسيط.

 

ناهيك عن الثغرة التي لعبت قطر على سدها فقد اهتمت بشكل خاص بالدين الإسلامي وتعريف الزوار به من خلال تدشين جناحٍ للتعريف بالإسلام وتعاليمه وترجمة الأحاديث النبوية واستعراضها أمام الزائرين، ودعوة دعاة من جنسيات مختلفة وتوزيع الكتب المطبوعة بلغات عدة للتعريف بالإسلام ورفع الحجاب عن أعين المتسائلين، إلى جانب عرض الثقافة العربية، في خطوة مميزة تمهّد وتوثق لبداية تشكيل رأي عام عالمي جديد في صالح العرب والمسلمين.

 

هدف نظيف في مرمى الرأي العام الغربي

ترى قطر من جهتها أنها حققت ما كانت تسعى له من خلال استضافة فعاليات كأس العالم لكرة القدم وتقديم تلك النسخة الفريدة من المونديال وهو تغيير الصورة النمطية عن المنطقة العربية والإسلامية، مما سيسهم في ترك أثرٍ دائمٍ على قطر والمنطقة بأكملها.

 

وفي سياق هذا كله لا يمكن أن يكون للإعلام الغربي بعد هذا الحدث مرجعاً لشيء ذي قيمة يضر الوطن العربي والإسلام، ولن يخرج من تلك الفعاليات إلا خالي الوفاض، ويكون رأيه والصورة التي سعى لترسيخها ما هي إلا دم كذب على قميص الحقيقة، فقد حان الأوان لخروج الصورة الحقيقية المشرقة عن الإسلام والعرب من غيابة الجب.


نقلا عن منصة السبيل

تعليقات