الشاعرة الجزائرية فتيحة عبد الرحمن بقة: أغمس الحرف في محبرة القلب وأكتب بصدق وعفوية من أجل عالم أفضل

  • معتز محسن
  • الثلاثاء 01 أكتوبر 2019, 9:05 مساءً
  • 1665
محرر جداريات مع الشاعرة الجزائرية فتيحة عبد الرحمن بقة

محرر جداريات مع الشاعرة الجزائرية فتيحة عبد الرحمن بقة

إنسانة وشاعرة بدرجة امتياز لانتمائها الواقعي لأرض الجزائر والعاطفي لأرض الكنانة، عند التحدث إليها تكتشف أنك أمام مخزون إنساني يتحول شعرًا ونثرًا يسعى للجمال والحق والخير حتى في أوقات المحن لإيمانها الشديد بالله والأوطان عبر قوافيها الغنية الجامعة بين الصوفية الرصينة والإنسانية البليغة للتعريف بفحوى الإنسان، إنها الشاعرة الجزائرية "فتيحة عبد الرحمن بقة" التي أجرينا معها الحوار التالي:

في إيجاز مبسط ومعبر في نفس الوقت.. نريد التعرف على فتيحة عبد الرحمن بقة الإنسانة والمبدعة؟

فتيحة عبد الرحمن، جزائرية الدم والهوية، مصرية الهوى تغمس الحرف في محبرة القلب وتكتب بصدق وعفوية من أجل عالم نقي جميل يسعى للخير دائمًا حتى وإن طالت أذرع الشر، لإيماني الشديد بأن للكلمة الطيبة أثر كبير في قلب الإنسان حتى وإن طال الوقت في تحقيق ذلك المطلب.

بالنسبة لأعمالي الإبداعية لدي مجموعة قصصية تحت الطبع وصدر لي ديوان "نديم الروح" وديوان "رُد حلمي" وشعر نثري بعنوان "رسائل مهربة".

حدثتينا عن المنشأ؟

أنا من محافظة "الجلفة" الواقعة على سهول الجزائر الخضراء ربيعًا المتخمة بالثلج شتاءً، وأصولي من قبيلة "أولاد نائل" العربية، إكتسبت من جمال وشموخ ورقي منطقتي التعلق بالطبيعة الجميلة التي أمدتني بالشاعرية وحب الفنون، هي زادي ومعيني في تكويني الشخصي والإبداعي ومنظومتي الفكرية.

- ماذا تعني لك الجزائر بتاريخها الكفاحي المشرف؟

دائمًا تذكرني الجزائر بتاريخها الكفاحي، حكايات أمي النضالية في مواجهة المستعمر الفرنسي الذي جثم على صدر الجزائر من 1830 وحتي 1962 أي ما يقرب من مائة واثنين وثلاثين عامًا من النضال والكفاح والدموع والدماء من أجل وطن حر وهذا ما قصته عليّ أمي بقيامها بالعديد من البطولات لتدعيم المقاومة، إلى جانب كون الوالد مناضلاً قدم الكثير كي تحيا الجزائر وتستقل وتبقى رغم غطرسة العدو الفرنسي.

بعد الاستقلال رفضت أمي أن تُكرم لإيثارها الشديد أنه لا تكريم على واجب حتمي هو الإبقاء على الوطن الذي يستحق منا التضحية بأرواحنا ودمائنا كي يبقى من أجل الأجيال القادمة كي يفتخروا بما فعله الأجداد من أجل أن يحيوا حياة تستحق الفخر والتباهي على مر العصور, فكانت دائما تقول أنّ ما  كان لله و للوطن دام واتصل إلى يوم الدين.

متى اكتشفت موهبتك الشعرية والقصصية؟

وأنا طفلة كنت أُلقي القصائد الصوفية والعربية العتيقة بجلسات الوالد مع أصدقائه مع سرد الوقائع التي أراها في طفولتي أنسجها بدرب من الخيال البديع على نطاق حكايات الجدات المليئة بالواقعية الساحرة المبهجة للنفوس بتعميق الخيال القادر على الابتكار والتألق في سماء الإبداع، وهذا ما دعمني في تطوير سليقتي الإبداعية.

علاوة على فوزي في مسابقة مدرسية  للقصة وأنا في الصف الأول الإعدادي مع كتابتي للشعر في نفس الفترة وقام طالب بالرد عليّ شعرًا يحييني على ما نظمت رغم معاناة النص من الهنات  المشاكل العروضية لكنه بعين الإنصاف لم يهدم موهبة تسعى للتميز وهي في بدايات الطريق مما حمسني على المواصلة وكتبت في المرحلة الثانوية "تأملات فنجان" كذا رسائلي المهربة تمت كتابتها في مرحلة جد مبكرة المخطوط الذي سلمته لوزارة الثقافة الجزائرية مع مجموعة شعرية لم يتم طبعهم إلى الآن.

حدثينا عن الأدب في الجزائر بشكل مُفصل؟

الجزائر متخمة بالمواهب والنجوم الأدبية شعرًا ونثرًا مع وجود من يحملون الصبغة العالمية في نصوصهم الإبداعية ما بين الرواية والشع ، فلدينا مُفدي زكريا شاعر الثورة الجزائرية والرائعة المرشحة على الدوام لنوبل الروائية أحلام مستغانمي، والمؤرخ والروائي وعالم الاجتماع عمار بلحسن والروائي الجزائري الكاتب لأدبه بالفرنسية عبد القادر الجماعي ومترجمًا له بالعربية الأديب التونسي ساسي حمام خاصةً رواية "ليلة الأمير الأخيرة" عن أمير المقاومة الجزائرية عبد القادر الجزائري إلى جانب مبدعين شباب كثْر وهذا على سبيل المثال لا الحصر.

ماذا تعني لك تلك الأسماء؟

مُفدي زكريا؟

شاعر الثورة  ليس بالجزائر فحسب بل شاعر العرب.

الأمير عبد القادر الجزائري؟

ممثل المقاومة الشعبية الجزائرية ومحييها عقب عامين من الصمت المؤقت نتيجة الاحتلال الفرنسي، مكونًا إمارته الصغيرة من العام 1832 حتى العام 1847 مطبقًا بسليقته الصوفية مفهوم الدولة الصحيحة مع سماحته الجمة بتعامله مع الآخر علاوة على مكتبته القيمة المليئة بنفائس المعرفة وأمهات الكتب التي كانت تصطحبه في كل سفرياته حتى لا يتيبس عقله عن التفكير.

  جميلة بوحيرد؟

رمز المرأة المُقاوِمة والثائرة العربية بل والعالمية لأنها لعبت دورًا كبيرًا في تاريخ المقاومة كي تبقى الجزائر حيث لُقبت ب"جان دارك العرب" والذي عرفها بالعالم "يوسف شاهين" بتحفته الخالدة "جميلة" مع رائعة عبد الرحمن الشرقاوي المسرحية الشعرية "مأساة جميلة" علما أن  في كل بيت جزائري جميلة بوحيرد و ماهي إلا نموذجا من حرائر الجزائر الثائرات .

أحمد بوضياف؟

شخصية محبوبة في الجزائر ورمز خالد من رموز المقاومة الجزائرية مع صبره وجلده قرابة الأربعين عامًا من النفي بفرنسا وتلبيته لنداء الوطن أثناء أحداث العشرية السوداء في بدايتها متوليًا أمور الحكم والسلطة لإنقاذ الجزائر من نزيف الدماء التي طالته عبر يد الغدر في العام 1992 عقب ستة أشهر من توليه الحكم ، حيث مات شهيدًا للواجب وللوطن رحمه الله.

محمد متولي الشعراوي؟

  الشعب الجزائري كله يحبه لكراماته المتعددة وسماحته المعهودة وقت إقامته بالجزائر في الستينيات، حيث أتى إليها عقب رؤيته في المنام للشيخ بلقايد رمز الصوفية والمقاومة الجزائرية ناهلاً من علمه، مستفيدًا من صوفيته في التقرب من كلمات الله عز وجل عن كثب وتأمل عميق أي في إيجازهو مكسب للأمة الإسلامية والإنسانية في وقت واحد حتى أنه قال فيه شعرًا.

محمد فوزي؟

ملحن كبير، صاحب اللحن الشهير للسلام الوطني الجزائري الذي كتبه مُفدي زكريا شاعر الثورة ، وضع اللحن على غرار نشيد المارسيليز للسلام الجمهوري الفرنسي مؤكدًا على أنه بإمكاننا كعرب صناعة لحن وطني لا يقل خلودًا وجمالاً عن نشيد المارسيليز.

في رأيي هو لم يأخذ حقه في الساحة الإبداعية ولكن منحه الوسام الوطني الجزائري منذ عامين يدل على أن الجزائر مدينة له بفضل لحنه المردد إلى الآن في كل المناسبات والأوقات وهذا هو الدليل القاطع على الأواصر المشتركة بين مصر والجزائر, وأعتقد أنه فاز بجائزة أحسن نشيد وطني عالميًا.

وردة الجزائرية؟

فنانة العرب تعبر عن كل العرب وتعاملها مع بليغ حمدي ساهم في نجاحها الكبير كدليل توكيدي على الأواصر العظيمة بين مصر والجزائرو بين المبدعين.

- ما الأثر الذي تركته العشرية السوداء في فتيحة عبد الرحمن الإنسانة والمبدعة؟

أنا مع الثورة التي تسعى للبناء والتعمير والوئام بين البشر بكل أطيافهم ولست مع الثورة الساعية للهدم والتخريب والتدمير لأن ما حدث في الجزائر من 1992 وحتى العام 2002 أفقدتنا الأعزاء وأذاقتنا مرارة الهجرة والتشرد وفقدان الأحبة الذين لم نعرف أماكن دفنهم إلى الآن ، باختصار العشرية السوداء أعادت الجزائر خمسين عامًا للوراء وأدعو الله أن لا تعود مرةً أخرى وثقتي في الشعب الجزائري الآن وقت سعيه لاختيار رئيسه الجديد لا حدود لها لوعيه التام بتلك الخلفية المزعجة التي يرفض تكرارها مجددًا.

                                                                                 كيف             - كيف ترين العلاقة بين مصر والجزائر ؟

العلاقة بين البلدين دائمًا في وفاق ومحبة لوجود الكثير من  النقاط المشتركة بين البلدين مع رسوخ الكفاح المشترك بينهما أثناء حرب التحرير الجزائرية وحرب أكتوبر المجيدة من خلال التعاون الكفاحي المشترك كي لا يستسلم الوطن للحظات العصيبة ولا تنسى أن محمد فوزي واضع نشيد الجزائر الوطني مع غناء وردة الجزائرية لمصر في مناسبات كثيرة، وكل هذه الركائز تقف بالمرصاد للمحاولات المستمرة من بعض الأيادي الخفية للإيقاع بين البلدين والتي تهدف إلى خلق البلبلة وتشرذم العلاقات والأوطان.

- من هم الأدباء الذين أثروا في فتيحة عبد الرحمن؟

تأثرت بالشعر القديم، خاصةً الشعر الجاهلي لما يمتلكه من نفائس عظيمة من المرادفات والصور الشعرية والصيغ البلاغية التي لم ولن تمحى على مر الأزمان، وأتذوق شعر فاروق جويدة وعبد العزيز جويدة ومُفدي زكريا وأحمد شوقي وحافظ إبراهيم.

- ما هي البرقية التي تحبي أن ترسليها للشعبين المصري والجزائري؟

اتقوا الله في أوطانكم وأنفسكم ولا تنخدعوا بالثورات الهائجة التي لا تأتي إلا بالخراب والدمار، فبناء الأوطان لا يأتي إلا بالعمل المتقن والاجتهاد والإخلاص، الوطن يحتاج منا أن نعطيه ونخاف عليه حتى تبقى أوطاننا شامخةً رائدة، تفتخر بأبنائها وعلمائها ومبدعيها السائرين على الدرب الصحيح.

تعليقات