رئيس مجلس الإدارة

أ.د حسـام عقـل

لماذا يلحد الشباب؟!

  • معتز محسن
  • الثلاثاء 01 أكتوبر 2019, 3:47 مساءً
  • 1688
الباحث / معتز محسن

الباحث / معتز محسن

الإلحاد كلمة متداولة في أيامنا الأخيرة، وهي ليست بالجديدة و لكنها متجددة في ظهورها المذبذب حسب تذبذب الأحوال البشرية ما بين الاقتصادية، الاجتماعية والسياسية أي المحددات الرئيسية لهوية تلك الكلمة ما بين تحسن أو سوء ذلك الثالوث المرعب.

قال المعلم الأول أرسطاطاليس مؤسس المنطق وأول موسوعي في تاريخ البشرية: "إن الشباب عماد الأمم، فإن أحسنا استخدامهم سنجد الأمة في أعلى عليين وإن أسأنا استخدامهم ستكون في أسفل السافلين".

تلك هي رؤية المعلم الأول وقت إعداده لإمبراطور المستقبل الإسكندر الأكبر، وهو يعلمه علم النباتات والقراءة والكتابة والفلسفة حتى يحكم العالم من يمتلك الخزينة الفياضة من علم ومعرفة وفكر ورؤية والذي طُبق وقت مجيئه لمصر بغصن الزيتون المخبئ لنوايا الاحتلال والهيمنة عبر القوة الناعمة مع تقديمه القرابين لبتاح كي يأمن له المصريون.

من هنا يكمن الأمل ما بين الأهداف النبيلة والأهداف الخبيثة في معين الشباب، ومن هذا المنطلق نبحث عبر رحلة فكرية عن الأسباب التي أدت إلى الإلحاد الذي بدأ بالشباب عقب خماسين الربيع العربي الذي أكل الأخضر واليابس بحروب أهلية انتشرت كورم خبيث في جسد البلاد العربية ما بين سوريا والعراق واليمن وليبيا مع انتظار امتلاء غلة الضحايا من الأمة المنكوبة بعقول شعوبها وخطايا حكامها.

من بين ركام تلك الأنقاض البشرية والبنائية خرجت أفواه تصيح بصيحة التكبير في ظلال التشرذم بين الأمة الواحدة مرددين "الله أكبر" ليصاب العقل بالذهول وقت التساؤل الحتمي الذي يصرخ مع صرخات السائل "الحق مع من ؟!" كدورة استرجاعية للتاريخ منذ بزوغ الفتنة الكبرى وحتى وقت كتابة هذا المقال.

في أوقات النزيف الهادر لدماء الأمة الواحدة، خرج العديد من الشباب ليعلن ما بين الطريقة المباشرة وغير المباشرة كفره بكل شيء، لوجود من يقتل الأبرياء باسم الإله مع ازدياد غلة الضحايا حسب الأوامر والنواهي التي أمرنا بها الدين، ولذلك جاء العصيان في بدايته مستأنسًا تارةً باسم العلم وتارةً باسم إعمال العقل وتارةً باسم فتح مجال الحوار ، لتتفاقم المسألة وتتضخم المعايير لنرى تنينًا هائجًا يبتغي أكل الجميع ألا وهو الإلحاد الذي أصاب عماد الأمم.

تتراوح علينا المناظرات المتلفزة والمنشورة بالجرائد والمطروحة بشبكات التواصل الاجتماعي لتعلن عن منشأ دين جديد روحه الإنسانية وعماده السماحة الآتية من رحيق المعاملات الحسنة دون أوامر ونواهي تحرض على إفناء الجميع باسم أن يبقى ذلك الدين الحق!!

من هنا يأتي السؤال: "لماذا يُلحد الشباب؟".

ما انتاب شبابنا الآن هو ما انتاب الشباب الأوروبي وقت الحروب المقدسة "الصليبية" لإقحام الدين في دهاليز السياسة تحت لواء "الحق الإلهي المقدس" مما جعلهم يهجرون الأهل والحقول والمصانع والمزارع من أجل المجهول البراق بخفقون رمز الدين عاليًا في السماء كي يلحقوا بالقديسين والشهداء في مملكة السماء، ليروا عكس ما كانوا يتمنون لإنزلاقهم في خدمة من يسعى للسيطرة على مقدرات الآخرين والمسيح نهى عن ذلك بقوله الخالد "ما لله لله وما لقيصر لقيصر".

عقب عودة الحملات بخُفي حنين خاصةً بعد الحملة الثالثة التي أوقف هديرها نسر الشرق صلاح الدين، أصيب الشباب بالشك والكفر بكل شيء لإقحام الدين في أطماع شخصية تسعى لصكوك الغفران وموافقة السماء بمص دماء الأبرياء من أجل إعلاء العقيدة بتعاليمها السامية، ووقت الحرب في الشرق أخذ الكيميائيون والفيزيائيون والمعماريون والشعراء المجندون بالجيوش الصليبية يبحرون في معالم الشرق فكريًا وأثريًا ليخرجوا من نفائسه ما يحيي النهضة القديمة وقت العصر الإغريقي مع نشوء مذهب العلمانية الفاصل بين الدين والدنيا.

هكذا كان رد الفعل تجاه تلويث الدين بشوائب السياسة وقت خروج العلمانية في عصر النهضة مع تقزيم أوروبا للدين في بوتقة العبادة فقط لا غير مع إيمان البعض بالديانات الوضعية، وهو نفس ما حدث للشباب الإنجليزي في القرن العشرين عقب حروب بريطانيا الاستعمارية ووضع العلم البريطاني على الأناجيل كنوع من تسييس الدين وتخصيصه في جنسية بعينها ليرفض الشباب في ستينيات القرن الماضي تلك الفلسفة البشرية التي أنسنت الدين حسب الهوى!!

نفس ما حدث لأوروبا هو ما يحدث لنا الآن في أوقات التردي الاقتصادي والاجتماعي والسياسي مع ندرة الفرص واللهث وراءها لهث الوحوش الضارية إلى جانب شرعنة الأخطاء والمصائب البشرية كي تأخذ صفة تنفيذ ما أمر به الله ، مكتشفين تفاصيل تلك الأحداث الدامية ما بين طالبان والقاعدة، وأخيرًا داعش وما خفي كان أعظم!!

لتأخر سن الزواج وتعدد حالات الطلاق مع المقارنات المستمرة بين الأقران وتقلص الفرص لجأ البعض للهروب من الدنيا إلى الآخرة، فكانت النتيجة تدينًا شعبيًا أفقد الدين طلاوته لخروج الدعاوى الصادمة من صناديق الأدعياء المتفجرة عبر فتاوى من استنسخوا من الحروب المقدسة تلك التجربة الدامية بالمقولة الشهيرة"نحن نطبق شرع الله!!"

أتت تلك الصناديق المدمرة عبر كتب وكتيبات لم تُصَدِّر لنا إلا فن صناعة الموت وزهق الأرواح بأوامر شرعية، الشرع منها براء لتخرج لنا الموجة الإلحادية المواجهة للتطرف الديني بتطرف عقلي، جعل العقل فيها الفيصل في تحديد هوية الحياة الصحيحة والتي لن ترى الصواب في بعض الأحوال لأن العقل يَضِل أحيانًا وبالتالي هو في حاجة للروح التي تنقذه من ذلك الضلال العميق.

الشباب الآن يعلن صراحةً رفضه لكل شيء والإلحاد يظهر وقت الثورات والحروب حيث يعود الإنسان لجنينيته الفكرية باحثًا عن الله وسر الكون فيبدأ بشكه في اكتشاف الخالق والإيمان به عبر التساؤلات المستمرة لضياع اليقين من عقله جراء تلك المهرجانات الدموية .

إن أردنا إنقاذ ما يمكن إنقاذه فعلينا بإعادة الوسطية التي اختفت في كل شيء، فلو أعدنا الطبقة الوسطى اجتماعيًا واقتصاديًا ، فلن نجد متطرفًا ولا ملحدًا لوجود تلك الحاضنة المنقذة للأوطان والأجيال القادمة من الاندثار لوجود من يحترم الدين بعقله وقلبه مع احترامه للفنون والآداب مجنبًا المجتمع  صراعا داميا بين الطبقة العليا والدنيا كحصن اجتماعي وصمام أمان للوطن  مما لا تحمد عقباه.

فلنعد الطبقة الوسطى مجددًا للحياة لاحتواء مَن تطرفوا يمينًا ويسارًا محولين كليهما من نبرة العداء والاستعداء إلى نبرة البناء والتنمية والتفكير من أجل غدٍ أفضل ومن هنا لا مجال للتطرف ولا مجال للإلحاد.

تعليقات