رئيس مجلس الإدارة

أ.د حسـام عقـل

محسن ديدوش يكتب: قراءة في كتاب “حواراتي مع القرآن”

  • جداريات Jedariiat
  • الخميس 10 نوفمبر 2022, 8:14 مساءً
  • 1026
حواراتي مع القرآن

حواراتي مع القرآن

في مستهل هذا العمل المبدع الذي يقدم تصورًا جديدًا، أو إن صح القول: يقدم مادة علمية جديدة في محاولة لتدبر كتاب الله عز وجل، يبين المؤلف في مقدمة كتابه أن الكتابة في هذا الموضوع، أي تدبر القرآن الكريم، قد جفت في سبيلها أقلام الكتّاب على مر العصور، وذلك في محاولة لإخراج الدرر من بحر كلماته، إلا أن معانيه لا تنقضي وعباراته لا تكتفي بالتفسير الواحد، بل تتعداه إلى تفاسير يفتح الله على مفسر دون آخر ليعلمه ما خفي عمن سبقوه، ليقول -أحمد دعدوش- متسائلا فكيف لا نطمع في انقداح قبسات جديدة لعقولنا من هذا الوحي الذي لا تنقضي عجائبه؟.

 

تيارات شتّى

يستشكل الأستاذ أحمد دعدوش ويقول في معنى التدبر، “التدبر لا يستلزم البحث عن تفسير حداثي لكلمات الله، والتأمل ليس ضربا من شطحات التصوف التي تفرح بالترميز والتشفير”، على نحو يتيح المجال للحديث عن تأويل الخطاب القرآني من طرف المبغضين والمنشغلين في لي أعناق النصوص القُرآنية وتحريف معانيها وحملها على معنى يتناسب مع تياراتها الفكرية، فهذا الاشتراكي يعتبر النص القرآني خطاب ثوري، والليبرالي يعطيه بُعدًا تأويليًّا آخر يتناسب مع توجهاته.

 

تدبر القرآن الكريم له آليات متعددة، وكُلٌّ يستقي من نبعه حسب فهمه، بأدوات تتسم بنوع من التوسل والتضرع لله سبحانه وتعالى، رجاء فهم مكنونات كلامه الذي أنزله منجّمًا على رسوله صلى الله عليه وسلم للناس أجمعين.

 

آليات تدبر القرآن الكريم

إن السؤال عن كيفية تدبر الإنسان لكلام ربه ينقدح في قلب جل الشباب المتدين في هذا الزمان الذي باعَد بين العباد وكلام ربهم إلى حد قطع صلة الرحم بهذه المعجزة الربانية التي تولى الله حفظها بنفسه، لكن غالبًا ما يكون الجواب مبهمًا لا يروي ظمأ العبد المتعطش الذي يسأل عن السبل والمسالك التي يتحصل بها اللذة والفائدة والقرب الحقيقي من كلام الرب.

 

لكن أحمد يقترح عدة معان جليلة في هذا الإطار لتعين على التدبر، مثل استحضار طبيعته الحوارية، فإنها ستقود لتدبر القرآن، فـ “القرآن الكريم ذو طبيعة حوارية، وليس مجرد بنية تقوم على التبليغ”.

 

وهكذا أفضى الأستاذ -أحمد دعدوش- إلى حقيقة مفادها أن هذا القرآن الكريم ذو بنية تكوينية أساسها مبني على جملة من المعاني التي تجعله يستغني بذاته عن خارجه، بمعنى أن الكلام الذي يصرح به النص القرآني في طبيعته الحوارية، لا يأتي بجملة من الحقائق الكونية، إلا ويأتي بعد ذلك بشواهد وأمثلة تطبيقية يعزز بها المعنى الذي يعرضه.

 

يقول -أحمد دعدوش- “كيف سيكون هذا الشعور لو أني وضعت نفسي أثناء التدبر موضع المحاور و”استنطقت النص”، بما يعتلج في نفسي من خواطر”، في ضوء هذا التساؤل حاول الكاتب للحصول على إجابة تشفي غليل نفسه، أن يضع نفسه أمام النص بأعين الرجل الملحد المشكك، في محاولة للتواصل والتحاور مع معاني النص القرآني.

 

إن الشرب من معين الغيب ومقتضى حصول الإيمان بعد رؤية العلاقة بين العالم الغيبي والعالم الحسي، لا يحصل بالقراءة “التلاوة” التي درج عليها الغالبية، بل بمخاطبة ومحاورة القرآن الكريم والتواصل معه وكأنه أنزل إليك خاصة.

 

 

 

أداة السؤال؟

 

لاريب فيه” حقا، ولكن التصديق يحتاج إلى تجرد فقط”، “القرآن يمنح أهل الباطل حق التساؤل بإنصاف ثم يأتي على أسسها فينقضها بإتقان” أحمد دعدوش.

 

لا يخفى علينا أن القارئ للقرآن عندما يتلو كلام ربه غالبًا أو دائمًا ما تطرح عليه إشكالات وتساؤلات من عدم فهمه للآيات أو المفردات القرآنية أو حتى تسلسل الأحداث الذي غالبًا ما تنقدح في نفوسنا مسألة انعدام وجود الرابط بين الآية والتي بعدها.

 

 القارئ للكتاب سوف يجد آثار السؤال في أسلوب الكاتب -أحمد دعدوش- على مستوى تدبر الجملة القرآنية، فالكاتب فرض تساؤلاته على النص القرآني وطرح سؤاله بعين المشكك الذي يبحث عن جواب يقوده إلى التلذذ بمعاني كلام ربه.

 

هذا السؤال الطارئ ولّد منهجًا في التدبر، وعلى عكس باقي المفكرين والكتاب في فرض السؤال على القرآن الكريم وانتظار الجواب منه، فإن الكاتب نجده يستعين بتجربة الدكتور لانغ الذي قادته تساؤلاته إلى الإسلام بفضل من الله، هذا الدمج بين محاولة التدبر والاستدلال بتجارب المسلمين الجدد الذين قادتهم تساؤلاتهم الموجهة للقرآن الكريم إلى اعتناق الإسلام يولد حالة من التجانس والتكامل الحاصل في هذا القرآن، الكتاب العظيم، الذي يصلح لكل زمان ومكان، والذي يستجيب لجميع الحالات العاطفية والنفسية.

 

ومن هذا المنطلق فإن فرض آداة السؤال على النص القرآني آداة لفهم معانيه، فهذه الإشكالات والتساؤلات التي تعترض القارئ لكلام ربه على مستوى صعوبة اللفظ القرآني أو صياغة المعاني تقود إلى الفهم الذي تتفجر به ينابيع النفوس والعقول، فالمقبل على تدبر كلام الله عز وجل يجب عليه ألّا ينسى تقديم سؤال: ما الذي أراده الله سبحانه وتعالى عندما ساق هذا الكلام؟.

 

نفحات من تدبره

 

من سورة الفاتحة: “كيف ستكون تجربتي لو حاولت إعادة قراءة فاتحة الكتاب بعين شاب ملحد أو متشكك؟”، “لعل معظمنا لا يجد تلك الدهشة المأمولة عند قراءة الفاتحة”؟ كان هذا كلام الأستاذ أحمد وفي محاولة للتدبر يخلص إلى أمر أثار انتباهي وهو ما يتعلق بغياب مقدمة تشرح الظروف التي كتب فيها الكتاب ولماذا كتب وما سبب ذلك، كما أنه يختلف عن باقي الكتب فلو فرضنا أنه من دون مقدمة فأين الإهداء وباقي العناصر التي تشكل غيره من الكتب؟

 

كما أنه خلص في تدبره إلى الاختلاف الحاصل يبن النص القرآني والأسلوب البشري في الخطاب على اعتبار أن الخطاب البشري دائمًا ما يكون مباشرًا، فيه تعريف بالشخص والأمر الذي يدعو إليه، أما الخطاب القرآني في سورة الفاتحة فإنه لم يبدأ بهذه الطريقة، بل بدأ بالثناء على نفسه عز وجل وثنّى على نفسه على لسان عباده “إياك نعبد وإياك نستعين”.. وهنا أترك المعاني التي خلص إليها الكاتب من هذا القول، لكي لا أفسد على القارئ الذي ينوي الاطلاع عليه.

 

 

 

من سورة البقرة: لفت انتباه الكاتب البداية بثلاثة أحرف [آلم، لا بد من الاعتراف بأنه أسلوب جديد في التحدي ولا أظن أنه سيخطر على بال أي أديب مبدع] “قبول التحدي”، حسب -أحمد- هذه هي النتيجة التي خلص إليها بعد النظر في مجموع التفاسير التي تعرضت لهذه الحروف.

 

يبدأ التحدي بعد عرضه “ذلك الكتاب لاريب فيه”، أيّ ثقة هذه تبادر بها الآية الناقد بالتحدي، ثم ينتقل بعد ذلك إلى أن هذا الكتاب نزل هدىً للمتقين، وذكر أوصافهم التي وصفهم بها، يقول تعالى {الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون والذين يؤمنون بما أنـزل إليك وما أنـزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون} [البقرة: 3-5]

 

الانتقال إلى التحدي وذلك من بوابة قوله تعالى: {وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 23]، فالنص القرآني فتح المجال أمام كل الأحزاب وفتح لهم الباب أمام حشد كل ما يمكن أن يعينهم للإتيان بمثله”.

 

يقول الكاتب “وقبل أن نعزم على المحاولة يعالجنا النص بنتيجة واضحة ومنصفة”. حسم النتيجة “فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ”، وانتهى بالختام بعاقبة من يعرض {فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِى وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ ۖ أُعِدَّتْ لِلْكَٰفِرِينَ} [البقرة: 24] وجزاء من يؤمن، {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [البقرة: 25]

 

تتفرع عن تدبر هذه المفاهيم الغيبية معالم ترسم ملامح هوية الكاتب، حيث نرى حضور العديد من التيارات الفكرية الهدامة والفرق الضالة التي تسعى في الأرض فسادا في تدبره، وعلى سبيل المثال لا الحصر نجد أن -أحمد دعدوش- كلما سنحت له الفرصة في الربط بين النص القرآني الذي يكشف واقع الأمة اليوم وبين الفرق الهدامة التي أفسدت الأمم لا يتوانى في ذلك، ففي فصل “الإنسانية ما بين وهم التأله وشرف العبودية”، يبحث الكاتب عن هذا المفهوم “الإنسانية” وعن معناه في معاجم اللغة، وعند إدراك أن هذا المصطلح غربي لا صلة للعرب به، وأنه من المعاجم الغربية التي تفسره على نحو مادي، ينطلق في رحلة للبحث عن أصل هذه الكلمة في الكتاب الذي يقول أنه “يعلم يقينا أنه ليس من تأليف الإنسان”.

 

وعلى الجملة فإن عرض جميع ما جاء في الكتاب شيء يصعب علي، والنفس لا تصل إلى الشيء إلا وتسعى في طلب غيره، وفي هذه السطور حاولت التركيز على منهج السؤال عند الكاتب -أحمد دعدوش- في كتابه وكيف أفضى إلى تلك المعاني على مستوى النص القرآني، مستغنيا وتاركا نفحات ذلك التدبر للقارئ المقبل على قراءة هذه الجملة الإبداعية التي خطت في هذا السفر الزاخر بالمعاني الربانية، ولا يسعني إلا أن أقول إن المقبل على هذا الكتاب سيحصل على تلك المتعة الأدبية والسكينة الإيمانية بعد أن تلامس أعينه صفحات من الكتاب.

نقلا عن منصة السبيل 

تعليقات