حسان بن عابد: المهارات الغريزية في عالم الحيوان دلالة واضحة على العناية الإلهية (فيديو)
- السبت 23 نوفمبر 2024
الدكتور عمرو شريف
رد الدكتور عمرو شريف، أحد أبرز المتخصصين في الرد على الإلحاد، على سؤال العلم.. مع الإيمان أم الإلحاد؟ في حوار نشره موقع إسلام أونلاين مؤخرا.
وقال
"شريف" الإجابة عن هذا السؤال تحتاج لطرح بعض الخلفيات.. فنقول:
“الإلحاد الحديث”- ونقصد به الذي بدأ من القرن السادس عشر مع الثورات العلمية؛
بينما “الإلحاد المعاصر” هو الإلحاد الحالي- نشأ في إطار العوامل النفسية؛ فعندما
قامت الثورات العلمية كانت الكنيسة مسيطرة على الساحة، وكان تفسير كل الظواهر يتم
من خلال “تفسير غائي ديني”؛ أي إرجاع الظواهر مثل الزلازل والأمراض إلى غضب الإله
وانتقامه، دون البحث عن السبب المباشر، وهو السبب الذي يهتم به العلم.. نعم، ليس
هناك ما يمنع من “التفسير الغائي”، لكن العلم يهتم بـ”التفسير الآلي”.
وتابع: عندما
طرح العلم “التفسيرَ الآلي” في الثورات العلمية، وتمسك رجال الكنيسة بـ”التفسير
الغائي” واضطهدوا العلماء؛ ظهر الصراع بين العلم والكنيسة.. والذي أثبت موقفه وثبت
أقدامه هنا، هو العلم؛ الذي حقق إنجازات كثيرة، وأحدث طفرات تكنولوجية ننعم بها في
حياتنا.. فحصل استبدال “إله العلم” بـ”إله السماء”؛ وهذه علاقة نفيسة وليست علاقة
علمية؛ لأنه لا يوجد اكتشاف علمي واحد ينفي الوجود الإلهي.. فمثلاً، لو قلنا الشمس
تدور حول الأرض كما قال بطليموس، أو الأرض تدور حول الشمس كما قال كوبرنيكوس؛ فلا
فرق في الحالتين من حيث احتياج الأرض والشمس للخالق سبحانه.. فليس هناك اكتشاف
علمي يطرح حجة ضد الوجود الإلهي.. وإنما هناك حاجز نفسي، بسبب الثقة الكبيرة في
العلم، واستبدال العلم بالإله.
وأردف: في ظل
هذا المناخ، جاءت محاولات رسم المنهج العلمي، ومن أهم العناصر التي وُضعت في هذا
المنهج عدمُ القبول بأي “تفسيرات ميتافيزيقية” في العلم.. وهذا حقيقي وصواب؛ لأن
المسلم وغيره إذا دخلوا المعمل فإن الخطوات المتبعة لدى كل منهما خطواتٌ واحدة،
يفرضها المنهج العلمي الذي لا تتغير خطواته وآلياته بسبب تغير المعتقد لمن يُجري
البحث العلمي.. لكن ما يتغير هو تفسير النتيجة العلمية، وتوظيفها في سياق دعم
الإيمان أو الإلحاد.. أي أن ما يتغير هو “فلسفة العلم”، وليس “المنهج العلمي”..
و”فلسفة العلم” هي المعنية بالجانب الغائي من العلم، وليس بالجانب الآلي. وعلينا
أن نعرف أن الاقتصار على التفسيرات الغائية الدينية، يؤدي إلى توقف العلم؛ لأنه
طبقًا لذلك: كل أمر يعود إلى المشيئة الإلهية، وتنتهي المسألة في تبسيط مخل..
بينما الحقيقة أن الله سبحانه أجرى الكون على سُنن وأسباب، وأمرنا بالتعامل مع ذلك
اكتشافًا وتسخيرًا.
وقد قال تعالى:
{وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَكًا فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ
وَحَبَّ الْحَصِيدِ} (ق: 9)؛ فقوله {فَأَنبَتْنَا بِهِ} يعني أنه أسند الإنبات إلى
السبب المباشر، وهو الماء.. لكن البعض يكتفي بالأسباب ولا يَصْعَد بالنظر لأعلى،
أي إلى المسبِّب وخالق الأسباب سبحانه.
ولهذا، في إجابة
التساؤل حول العلم؛ هل هو مع الدين أم الإلحاد؛ نقول بأن العلم في حد ذاته- أي في
المستوى الحرفي الآلي- لا علاقة له بالإيمان أو الإلحاد.. لأنه يتكلم في الآليات
لا الغايات.. يهتم بالسبب الأول للظاهرة، ولا يتكلم في السبب الأعلى.. هو يتحدث
مثلاً عن الزمان والمكان وعلاقة الإنسان بالأرض، أي الجاذبية.. لكن مهمة الإنسان
هي أن يصعد إلى السبب الأعلى، الخالق سبحانه، ويتساءل: من أين جاء الزمان والمكان
والجاذبية.. وهنا، يكون العلم مدخلاً للإيمان، بدلاً من الاكتفاء بالسبب المباشر
وتوظيف العلم في الترويج للإلحاد. ولهذا، ثمة فرق كبير بين “المنهج المادي”، أي
الاهتمام بالمادة؛ وهذا منهج علمي.. وبين “الفلسفة المادية”، وهي ليست من العلم في
شيء، بل توظِّف العلمَ لمصلحة الإلحاد.
وبين عمرو شريف
أن العلم لا يتناول الغيب، لكنه لا ينكره، وهنا يحدث الخلط! فعندما يقال للطلاب:
المنهج العلمي منهج مادي يهتم بالمادة داخل المعمل، يفهم البعض خطأً أن هذا يعني
القولَ بـ”الفلسفة المادية”، أي إنكار الإله! بينما المقصود أن الغيب- بما فيه من
الوجود الإلهي- لا يخضع للمادة؛ أي لا يخضع للمنهج العلمي الآلي المختبري.
فالتفكير العلمي يقف عند الآليات، لكن هناك مستوى أعلى- وهو الغائيات- ويجب أن
نصعد إليه ولا نقتصر على المستوى الآلي المادي الإجرائي.. أي توظيف “فلسفة العلم”
في الإيمان وليس ضد الإيمان.. فالملحد يُخرِّج من العلم إلحادًا، بينما المؤمن
يخرّج من العلم إيمانًا.. فالمسألة لا تتعلق بالمنهج العلمي وحده، وإنما باستثماره
وتوظيفه.
وفي القرآن
الكريم نلاحظ مصداق ذلك، حينما يجعل الله تعالى آيات الأنفس والآفاق هي الشاهد على
أن الدين حق؛ وذلك في قوله تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي
أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} (فصلت: 53). ودائما
أقول: العلم “فرس الرهان”؛ من يراهن عليه يكسب! وللأسف، المتدينون تقاعسوا في
الرهان، بينما الملاحدة بادروا إلى الرهان على العلم واعتبروه فرسهم.. ونحن أخذنا
موقفًا دفاعيًّا. لقد تفرد الإسلام عن الديانات السابقة بأن جعل للإنسان كتابين؛
كتاب الله المقروء (القرآن الكريم)، وكتاب الله المنظور (الكون).. وإذا كان كتاب
الوحي قد انقطع بوفاة خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم، فإن كتاب الكون
يتجلَّى يومًا بعد يوم، كما أشار لذلك المفكر جودت سعيد.. ولهذا كان الإسلام خاتم
الرسالات السماوية؛ لأنه يسلِّم الإنسانَ للعقل والعلم، وبالتالي لا حاجة لمجيء
دين بعده يصحح للناس، وإنما يأتي مصلحون ومجدِّدون، كما أخبرنا بذلك الحديث النبوي
المعروف.