رئيس مجلس الإدارة

أ.د حسـام عقـل

هل النِعم الدنيوية دليلٌ على محبة الله؟

  • أحمد محمد
  • الأربعاء 26 أكتوبر 2022, 04:29 صباحا
  • 605
تعبيرية

تعبيرية

قال مركز حصين المختص في محاربة الشبهات، والرد على الإلحاد، إن الله تعالى خلق الموتَ والحياة، وجعل ما على الأرض زينةً لها لِيَبلُوَ عبادَه أيُّهم أحسنُ عملًا، وهو سبحانه يبتلي عباده بالخير والشرّ، فيَبسُط الرّزق لمن يشاء ويَقدِر.

 

وأكد أن رحمةُ الله تعالى لعبادِه في الدنيا ليست هي محبّتَه لهم، وليس كلّ من يرحمُه الله في الدنيا ويرزقُه فهو يحبّه، فرحمةُ الله تعالى واسعةٌ وَسِعَت كلّ شيء، فهو الرّحمنُ الرحيم، الجوادُ الكريم، تَعمُّ رحمتُه المخلوقاتِ جميعَها، يَرزق من شاء بغير حساب، ولكنّ محبّته خاصّة، فهو إنما يُحب المتقين، ويُحب التوابين والمتطهرين، ويُحب المُقسطين، ولا يُحبّ المفسدين، ولا يُحبّ الكافرين، ولا يُحبّ الظالمين، كما أخبر عن نفسه في كتابه.

 

وبين ـ في خبطة نشرها ضمن سلسلة "خطب حصين" ـ أنه متى أنعم الله على عبدٍ بنعمةٍ من نِعَمِ الدّنيا فذلك راجعٌ إلى رحمته وحكمته، لا إلى محبّته، لأنّ الله تعالى يعطي الدنيا من يُحبّ ومن لا يُحبّ، ولا يعطي الآخرة إلا من يُحبّ.

 

وأشار إلى أنه من الخطأ العظيم الذي يقع فيه كثيرٌ من الناس، أنه يقيس قيمتَه عند الله بما في يده من الدّنيا، فإذا أُصيب بمصيبة وذهابِ شيءٍ من الدّنيا رأى أن الله يكرهُه ولا يحبُّه، وإذا أصابته نعمةٌ من مالٍ أو ولدٍ أو عافيةٍ أو نجاةٍ أو غير ذلك، فَهِم من ذلك أنّ الله تعالى يُحبّه، مع أنّه قد يكونُ شديدَ التقصيرِ في حقّ الله، كثيرَ التفريطِ والمعاصي، فكيف فَهِمَ مِن النّعمة أن الله يحبّه ويكرّمه بها؟

 

وتابع: لقد ذمّ الله تعالى من ادّعى هذه الدّعوى فقال: فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلَّا، متسائلا: ألا يعلم الإنسان أن الله تعالى أعطى الدنيا لأقوام كفرة طغاة، يبتليهم أو يطمس بالنعمة على قلوبهم؟

 

واستكمل المركز: ألم ترَ إلى الكفرةِ المُترفين كيف ظنُّوا أن النِّعمَ التي فُتحت عليهم هي مِن محبة الله لهم، فقال الله عنهم: وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ * وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ، فردّ الله عليهم بقوله: قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ، أي أنّ بَسطَ الدنيا أو تضييقَها لا يدلّ على محبّتِه ولا على كراهتِه، بل هو يفعلُ ذلك لمشيئته بحسب حكمته سبحانه.

 

وأردف: ادّعى قارونُ أنّ الله فضّلَه بما أنعمَ به عليه من الكنوز التي مَفاتيحها تَنُوءُ بالعُصبة أُولي القوّة، فقال مُستكبرًا: إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي، أي على علمٍ من الله أني أهل لذلك. فردَّ الله عليه بقوله: أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ.

 

وشدد على أنه لو كانت الدنيا هي علامةَ محبّةِ الله، فما بالُ أكثرِ الأنبياءِ قليلي ذاتِ اليدِ منها؟ ألم يكن رسولُ الله ﷺ يمرُّ عليه الهلالُ ثم الهلالُ ثم الهلالُ ولا يُوقَد في أبياته نار، وإنّما طعامه التمر والماء؟ وماتَ ﷺ ودِرعُه مرهونةٌ عند يهوديّ، هذا وهو خير خلق الله أجمعين، والله تعالى قادرٌ على أن يجعلَه أغنى ملوكِ الأرض، لكنّه سبحانه يقول له: وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ * لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ، ويقول جلّ وعلا له:َلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى.

 

وهذا نبيّ الله موسى عليه السلام، لما توجّه تلقاء مدين، خرج فقيرًا وحيدًا خائفًا، يقول ابن عباس رضي الله عنه: «سارَ موسى عليه السلان من مصرَ إلى مدين ليس له طعامٌ إلا البَقْلُ وورقُ الشجر، وكان حافيًا فمَا وصلَ مَدينَ حتى سقطَت نَعلُ قَدَمِه. وجلسَ في الظِّلّ، وهو صفوةُ الله مِن خَلقِه، وإنّ بطنَه لاصقٌ بظهره مِن الجوع، وإنّ خُضرة البَقل لتُرى من داخل جَوفه، وإنّه لمحتاجٌ إلى شِقّ تمرة». والله المستعان: يضيف مركز حصين في خطبته.

وشدد على أنه مَن عَرَف حقيقةَ الدنيا عَلِم أنّها لا تُساوي عِند الله شيئًا، يقول ﷺ: «لو كانت الدُّنيا تعدِل عندَ الله جَناحَ بعوضةٍ ما سقى كافرًا منها شربةَ ماء». [أخرجه ابن ماجه والترمذي وقال: حسن صحيح] بل إنّ الله تعالى بيّن أنه لولا أن يصيرَ النّاسُ جميعُهم كفّارًا لأجل الافتتان بالدّنيا، لجعلَ للكُفّار في الدّنيا بيوتًا سُقُفُهَا وأبوابُها من فضةٍ وذهب، لِهوانِ الدّنيا عليه، وطَمْسًا لقُلوبِ الكفرةِ وإضلالًا لهم، ولَخَصَّ بالآخِرَة أهلَ الإيمان، فقال تعالى: وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً -يعني على الكفر- لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * ولِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ.

 ولفت إلى أنه على العبد أن يَعلمَ أن الدنيا لا تَعني لله شيئًا، فإذا أصابته نعمةٌ من الله، عَلِم أنه ابتلاءٌ له: هل يَشكر أم يكفر؟ وإذا أصابه ضراء عَلِم أنه ابتلاء من الله له: هل يَصبر أم يَجزعُ ويَضجر؟ فقال تعالى: وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ * وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ * إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا أي عند الضراء،وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أي شكرًا عند النعماءأُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ.

تعليقات