كيف ينظر الهندوس للعلاقة بين الخالق والمخلوق؟.. هيثم طلعت يوضح

  • أحمد محمد
  • الأربعاء 26 أكتوبر 2022, 02:57 صباحا
  • 517
هيثم طلعت

هيثم طلعت

قال الدكتور هيثم طلعت، الباحث في ملف الإلحاد، إن الهندوس اليوم في أغلبهم يؤمنون بوحدة الوجود، حيت يتحد الخالق بالمخلوق، فالإله في الهندوسية الحالية يحل في مخلوقاته، بحيث تصير الموجودات والموجِد شيءٌ واحد، وهذا الأمر مخالف لأبسط بديهيات العلم والعقل والرصد والفيدا، وهناك كثير من الإشكالات العلمية والعقلية في فلسفة وحدة الوجود، ومنها: الإشكال الأول: الإله عندهم يحل في كل شيء، إذن ما معنى ممارسة طقوس من أجل الوصول للتوحد مع الإله فيما يعرف بـ: "الموكشا Moksha मोक्ष"؟ كيف تصل لشيء هو فيك... فأنت حالٌّ فيه وهو حالٌّ فيك؟

الإشكال الثاني: الزلات والخطايا بمفهومهم لوحدة الوجود هي ذات الإله، لأن الإله عندهم هو الزلة وهو الخطيئة وهو الزنا وهو القتل فهو حالٌّ في كل شيء، وهو ذات كل شيء؛ فلماذا التخلص من الزلات والخطايا إذن؟ ولماذا يحرصون أشد الحرص على الابتعاد عن الشهوات والأهواء الدنيوية؟أليست المعصية ضمن وحدة الوجود؟ أليست الدنيا نفسها هي الإله ذاته؟

وشدد طلعت في كتابه "الهندوسية في ميزان تعاليمها الأصلية والعقل والفطرة السليمة"، على أنه ليس ثمة مبرر للحرص على فعل الخير وفقًا لهذا التصور الهندوسي الحالي، لكن الجميع يحرص على فعل الخير ويعلم أنَّ هذا واجب، أليس كذلك؟ إنَّ الحرص على فعل الخير هو استجابة لنداء الفطرة النقي، فهذا دليل فطري مباشر على خطأ فلسفة وحدة الوجود.

 

الإشكال الثالث: القول بوحدة الوجود دعا إلى القول بنسبية الحقيقة، فكل الديانات التي تعبد أصنامًا أو أحجارًا هي عندهم تعبد الإله، لأن الإله في تصورهم هو الصنم وهو الحجر فالإله حالٌ في كل شيء وهو كل شيء، ونسبية الحقيقة هذه تدعو لضياع المعنى والقيمة، فكل شيء يصير صوابًا: يؤكد طلعت.

ويستطرد: أضف إلى ما سبق أنَّ: الاعتقاد بوحدة الوجود لا يجيب عن سؤال: مِن أين جاء العالم؟ فافتراض أن ذات الخالق هو ذات المخلوق هذا افتراض ساقط عقلاً، لأنه يفترض تعلق ظهور الشيء على ظهوره، وهذا تناقض غريب، ومحال عقلي، فكيف يكون الشيء سببًا لظهور نفسه، إذا لم يكن قد ظهر بَعدُ أصلاً.

 

الإشكال الرابع بحسب حديث هيثم طلعت في كتابه: أنَّه أيضًا ثابت علميًا أنَّ الكون بكل ما فيه حادث، وهذا ثابت عند جميع العقلاء، فالكون حادث بكل طاقته ومادته ومكانه وزمانه، وقد ثبت أنَّ للكون بداية بأدلة لا حصر لها، فعلميًا: لم يكن ثمة كون ثم ظهر الكون، وطالما لم يكن ثمة كون، فـ: كيف نقول بوحدة الوجود؟

 

وشدد الباحث في ملف الإلحاد على أنَّ وحدة الوجود لو كانت صحيحة فإنها تقتضي أزلية العالم أو على الأقل أزلية المادة، مشيرا إلى أن الغريب في الأمر هو  أنَّ الهندوس المعاصرين يُصرون على القول بأزلية العالم المادي لأنه القول الضروري الذي يبرر وحدة الوجود، لافتا إلى قول العالم الهندوسي وويكانند Wiwekanand: "المكان لا يجري عليها زمان ولا يأتي عليها حدوث، فالهندوس المعاصرون اضطروا للقول بأزلية العالم المادي حتى يتوافقوا مع فكرة وحدة الوجود.

 

ويستكمل: وما كان لهم أن يدخلوا في ذلك، وما كان لهم الاعتقاد ابتداءًا بوحدة الوجود، لكن الشيطان قعدَ لابن آدم بأطرقه، فهو يجتال بني الإنسان عن دين الأنبياء كلما سنحت له فرصة. قال الله تعالى في الحديث القدسي: «إنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وإنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عن دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عليهم ما أَحْلَلْتُ لهمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بي ما لَمْ أُنْزِلْ به سُلْطَانًا».([16])

 

ويشدد على أن كل البشر كانوا على توحيد الله، فأتتهم الشياطين وأغرتهم بهذه الكفريات، مشيرا إلى قول النبي  ﷺ: «إنَّ الشَّيطانَ قعدَ لابنِ آدمَ بأطرُقِهِ»، فالشيطان يلتمس أي طريق غواية للإنسان، وليس من نجاة إلا بالتسليم بما كان عليه الأنبياء من توحيد وعبادة.

 

ولفت إلى أن الفيدا صرحت أن العالم مخلوق وله بداية، وأن الله مستقل عن خلقه لا يحل فيهم، فكيف وصل الهندوس لهذه المرحلة من الاعتقاد بوحدة الوجود؟

ويكمل: تقول الريج فيدا ऋग्वेद: "يا الله! الشمس والعالم كلاهما، لا يقدران أن يحيطاك ويسعاك".وهذا دليل واضح من الفيدا على خطأ الاعتقاد بوحدة الوجود، فالله مستقل عن خلقه، والشمس والقمر ليسا هما الإله، وتقول الريج فيدا أيضًا: "الله هو الذي خلق الليل والنهار، وهو مالك الدنيا وما فيها، وهو الذي خلق الشمس والقمر، والأرض والسماء، فأي عقيدة أظهر من ذلك في نفي وحدة الوجود وأزلية العالم المادي؟وتقول اليجر فيدا: "وهو الذي لم يخلق شيء قبله، وهو خالقنا ومالكنا ويعلم كل شيء"، فالله لم يُخلق شيء قبله فهو الأول والعالم خلقه الله وليس أزليًا: "هو العظيم مالك الأرض والسماء".

 

وبين أن القرآن الكريم يقرر نفس هذه الحقيقة الجلية، فقد أوحى الله لنبيه محمد بن عبد الله  ﷺ منذ أكثر من 1400 عام أنَّ الله منفصل عن خلقه مستوٍ على عرشه لا يحل في مخلوقاته ولا تحل فيه، فقال الله تعالى ﴿اللَّـهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ﴾ [٤] سورة السجدة، فأصل عقيدة الأنبياء وأصل دينهم وشريعتهم أن الله الخالق الواحد الأحد بائنٌ، أي منفصلٌ عن خلقه غير حالٍ فيهم!

 

أما الإشكال الخام، ففي فلسفة وحدة الوجود أنَّ: هذه الفلسفة لا تجيب عن السؤال الأهم: مِن أين جاء العالم؟ كيف ظهر العالم وفقًا لهذه الفلسفة؟ ثم: مَن الذي قال بهذه الفلسفة ابتداءًا؟ وما هو الدليل عليها؟ تساؤلات كثيرة وإشكالات أكثر تكتنف هذه العقيدة التي خالفت العلم الحديث والعقل والفيدا ودين الأنبياء.

تعليقات