نظرية التطور و اللقطة الإعلامية

  • جداريات Jedariiat
  • الأربعاء 19 أكتوبر 2022, 9:02 مساءً
  • 494

فى سنة 2018 خرجت علينا وسائل الإعلام بخبر منح جائرة نوبل لبحث "استخدم التطور" لإنشاء وظيفة جديدة لإنزيم و طار التطوريون فرحا بهذا الخبر و أذاعوه فى كل مكان مؤكدين أن العلم ينتصر و يثبت "حقيقة التطور" فما الذى كان فى هذا البحث بالضبط بعيدا عن البروبجندا الاعلامية؟

- كان موضع البحث تعديل إنزيم ليعمل فى محلول ذو خصائص مختلفة ...يقول التطوريون أن استراتيجية العمل كانت القيام بتعديلات و تطفيرات عشوائية كثيرة جدا فى الإنزيم لإنتاج ألاف التنوعات منه ثم انتخاب الصفة المطلوبة عند ظهورها و هذه هى ألية التطور. و لكن يغفل التطوريون فى وسط هذا الاختزال أن يوضحوا أن التقنية المستخدمة فى البداية و التي فشلت كانت هى التغيرات البسيطة...ألية الخطوة خطوة التطورية و التي تم تسميتها بشكل غير موضوعى تصميم عقلانى rational design

و عندها تم الانتقال إلى ألية التطفير واسع النطاق و الطفرات و التغيرات الكثيرة المتزامنة و هو حرفيا ما لا يفترض أن يقوم به التطور نظرياً و لا يستطيع أن يقوم به عمليا و مع ذلك تم تسميته تطور موجه directed evolution و من ثم الاستدلال به على صحة التطور الطبيعى اللاغائي "التدريجى" بل و قد قالت فرانسيس أرنولد صاحبة العمل و الحاصلة على الجائزة نفسها برغم عدم دعمها مطلقا لمدرسة التصميم الذكى "بعض الوظائف لا يمكن الوصول إليها بخطوات تدريجية بل تحتاج إلى قفزات لأنها تحتوى على طفرات محايدة أو ضارة إن حدثت بمفردها"

“Some functions…simply cannot be reached through a series of small uphill steps and instead require longer jumps that include mutations that would be neutral or even deleterious when made individually.”

Romero and Arnold (2009) Exploring Protein Fitness Landscapes by Directed Evolution. Nature Reviews: Molecular Cell Biology 10:866-875.

هذه نوبل 2018 تؤكد كلام مايكل بيهي و أكس برغم عدم انتنماءها إلى أي مدرسة معارضة للتطور و أن مجرد تعديل نفس الإنزيم ليعمل فى محلول مختلف (و ليس إنتاج إنزيم أو بروتين جديد) لم يمكن تحقيقه بخطوات تدريجية و لكنه احتاج إلى 4 طفرات متزامنة و تحصل على الجائزة ببحث استخدم عمليا ألية لا يمكن للتطور القيام بها و مع ذلك تم نسبتها إلى التطور

K Chen and F H Arnold "Tuning the activity of an enzyme for unusual environments: sequential random mutagenesis of subtilisin E for catalysis in dimethylformamide." PNAS 1993 Jun 15; 90(12): 5618–5622.

Ann Gauger "It’s Not “Evolution” — A Nobel Prize for Engineering Enzymes" (October 2018)

https://evolutionnews.org/.../its-not-evolution-a-nobel.../

المدهش حقا هو قراءة التفاصيل بعيد عن البروباجاندا الاختزالية التطورية. تم إعداد مكتبات من تسلسلات الحمض النووى المحتملة لاستخدامها من أجل تضييق فضاء البحث و السبب هو أن اختبار كل الاحتمالات الممكنة لإنزيم من 200 الى 300 حمض أمينى يفوق القدرة الاستيعابية لكل معامل العالم مجتمعة فلا يمكن اختبارها كلها (لاحظ أننا نتكلم عن بكتيريا توضع فى أنبوب اختبار و احتمالات تعديل إنزيم واحد) لذلك فقد تم الاعتماد على الأبحاث العلمية و المعرفة بالجزيئات لاختيار المواقع التي سيتم تطفيرها من الإنزيم و لم ينتظروا أن تحدث الطفرات عشوائيا فى أي موقع من الإنزيم أو أى موقع من جينوم البكتيريا...هذا الكلام ليس منشورا على موقع من المواقع الناقدة للتطور بل على موقع الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم المانحة لجائزة نوبل

It is not possible to randomise every position in an enzyme, the typical size of which is 200-300 amino acid residues or more. Indeed, only a small fraction of the amino acid positions can be varied if the aim is a library with full sequence coverage. The reason is simple combinatorial mathematics and the quickly growing number of variants relative to the number of clones that can be handled in any laboratory setting, or even using the joint capacity of all laboratories in the world. Still, a wealth of studies makes it clear that mutations in and nearby the active site as well as more distant substitutions on the enzyme surface may contribute to optimised catalytic activity. Arnold and co-workers have shown by many examples that library design must be based on molecular insight and knowledge-based choices of which amino-acid positions to vary, combined with some element of added randomness, e.g. through error-prone PCR

The Royal Swedish Academy of Sciences "The Nobel Prize in Chemistry2018-Scientific Background"

بل و هناك ما هو أكثر إذ يقر نفس المصدر أعلاه أن عمل فرانسيس أرنولد و فريقها يوضح عدم إمكان تطوير إنزيمات بوظائف غير موجودة من قبل بل يجب أن تكون نقطة البداية إنزيم لديه و لو قدرة ضعيفة على القيام بالوظيفة ثم يتم تحسينها و لا عزاء لمزاعم التطوريين بقدرة ألياتهم على إنشاء البروتينات و الإنزيمات و الوظائف الجديدة من الصفر

"This is possible as long as the enzyme that is chosen as a starting point has at least some low level of activity for the intended reaction, i.e. some level of catalytic promiscuity"

بل و يؤكد أيضا على تكلفة المواءمة fitness cost و أنه من المفيد من أجل تحسين الوظيفة الضعيفة أضعاف الوظيفة القوية فى مقابلها

"If an enzyme has a low level of activity for an intended reaction, but much higher activity for a natural one, it may be fruitful to first lower the natural activity before starting the directed evolution efforts towards the new intended reaction. "

و الأن السؤال الحيوي هو ما علاقة كل ما سبق بالتطور؟ يجب أن تكون الوظيفة موجودة بدرجة ما و لو ضعيفة...يجب حدوث طفرات متزامنة و لا توجد تدرجات و خطوات نافعة كما تزعم نظرية التطور...يجب تحديد أجزاء محددة للتطفير و إلا كل معامل العالم لن تكفي للاحتمالات...كل هذا من أجل جعل إنزيم يعمل فى بيئة مختلفة...الأن فلنحاول أن نقيس هذا على "إنشاء" وظيفة جديدة...أو على كائن أكبر و يتكاثر أبطأ...أو إنزيم أطول...أو "و هذا هو الأهم" بدون معرفة علمية بالأماكن المناسبة للتطفير!!!

و هذا ليس قاصراً على تجارب أرنولد فقط بل قس على ذلك تجارب كثيرة يستشهد بها التطوريون و هى فى الواقع عمليات هندسة وراثية يتم فيها انتقاء الإنزيمات بناء على العلم بوظائفها و إمكاناتها و إنتقاء مواقع التطفير بناءاً على معرفة بهيكل الإنزيم و الوظيفة المطلوبة و إنتخاب النتائج بناءاً على مدى قربها من الوظيفة المطلوبة بغض النظر عن أي فائدة ثانية للكائن فمثلا فى بعض الأحيان عندما يريد فريق البحث تعديل الإنزيم ليتعامل مع مركب مختلف يبدأون بإنتقاء التنوعات التي تمكنت من الالتصاق بالمركب حتى لو لم تتفاعل معه بعد إلا أنه لا توجد وظيفة أو فائدة تسمى "الالتصاق" و هذا أحد الفروق الهامة بين الانتخاب الطبيعي و الانتخاب الصناعي

لكن طبعا كل ما سبق لا يهم...المهم بالنسبة للتطوريين أنهم أخذوا اللقطة الاعلامية للنظرية و هى تنسب كشفا جديدا لنفسها و ترفع علمها بجانب حدث لا ناقة لها فيه و لا جمل حتى يستدلوا به عليها.

نحكى هذه القصة الغير لطيفة اليوم بسببب لقطة اعلامية جديدة لنظرية التطور مع النياندرثال. تم منح جائزة نوبل لهذا العام 2022 لأبحاث ساهمت فى استخراج و تحليل جينات انسان النياندرثال المنقرض من الأحافير و طبعا – كالعادة مع الأسف – سارع أنصار نظرية التطور لاستغلال الحدث إعلاميا...لدينا نوع إنسانى منقرض...لدينا أشباه بشر...لدينا أسلاف بشر...لكن من هو النياندرثال؟

توجد أدلة كثيرة تشير الى أنه ليس "حلقة إنتقالية" بين القردة و البشر كما زعمت النظرية قديما بل هو نوع من الإنسان العاقل [لدرجة أن البعض أصبح يسميه إنسان نياندرتال العاقل Homo sapiens neanderthalensis ]و قد استخدم الأدوات مثله بل و عاصره و تزاوج معه منجبا ذرية خصبة و يشترك مع الإنسان المعاصر فى 99ز7% من جيناته و لم يكن أقل منه ذكاءا أو تحضرا بل لقد كان يصنع أدوات موسيقية مما ينفى كونه حلقة إنتقالية بل هو مجرد إنسان أخر

The results showed that Neanderthal DNA is 99.7 percent identical to modern human DNA, versus, for example, 98.8 percent for modern humans and chimps, according to the study.

National Geographic (May 8, 2010) "Neanderthals, Humans Interbred—First Solid DNA Evidence. Most of us have some Neanderthal genes, study finds."

To understand the genomic differences between present-day humans and Neanderthals, the researchers compared subtle differences in the Neanderthal genome to the genomes found in DNA from the five people, as well as to chimpanzee DNA. An analysis of the genetic variation showed that Neanderthal DNA is 99.7 percent identical to present-day human DNA

National Human Geenome Research Institute "Complete Neanderthal Genome Sequenced"

https://www.genome.gov/.../2010-release-complete...

Richard Allen et al., "A mitochondrial genetic divergence proxy predicts the reproductive compatibility of mammalian hybrids" Proceedings of the Royal Society B, Biological Sciences 03 June 2020

School of Archaeology University of Oxford "Ancient humans, Neanderthals and Denisovans were able to easily produce healthy, fertile hybrids" 3 June 2020

https://www.arch.ox.ac.uk/.../ancient-humans-neanderthals...

Philip G. Chase and April Nowell “Taphonomy of a Suggested Middle Paleolithic Bone Flute from Slovenia” Current Anthropology 39 : 549 – 553

Erik Trinkaus and Cid lia Duarte “The Hybrid Child from Portugal” Scientific American (August 2003): 32

Joe Alper, ` Rethinking Neanderthals,' Smithsonian magazine (June 2003)

Kate Wong “Who were the Neanderthals” Scientific American (August 2013)

Rex Dalton, ' Neanderthals may have interbred with humans,' Nature news (April,20 .2010)

Fernando A. Villanea & Joshua G. Schraiber “Multiple episodes of interbreeding between Neanderthal

and modern humans” Nature Ecology & Evolution 3 39–44(2019)

Trinkaus said. “I believe there was continuous breeding between the two for some period of time. “Both groups would seem to us dirty and smelly but, cleaned up, we would understand both to be human. There’s good reason to think that they did as well.”

Marc Kaufman “Modern man, Neanderthals seen as Kindred spirits” Washington Post (April 30, 2007)

التعليق الخاص بعالم الأحافير بجامعة واشنطن إريك ترنكاوس Erik Trinkaus فى المقال الأخير مهم جدا إذ يقول "كلا من النياندرثال و الأوروبيين القدماء قد يبدو لنا بدائياً متسخاً و لكننا نعلم أن كلاهما بشر" و بمثل هذا قال من قبله عالم الأحافير ريتشارد ليكي مؤكدا أن هذه الفروق مثل فروق البشر الذين يسكنون أماكن جغرافية مختلفة في العالم المعاصر

Richard E. Leakey "The Making of Mankind" London Sphere books (1981), p. 62

لقد وصل الأمر بأن علق أحد من يقومون بعمليات التأريخ carbon dating التي وضعت بعض الأعمال الفنية فى عصر النياندرثال بأن قلة عمليات التأريخ فى الفترة الأخيرة ليست فقط بسبب ظروف الوباء (كورونا) بل لقد أصبح البعض يمنعهم من أخذ عينات من المواقع لتأريخها حتى لا يتضح أن النياندرثال كانوا يمارسون الفن فتختل "القصة" التطورية المعيارية عن نشأة القدرات الذهنية المتقدمة

Pike’s team has struggled to do additional dating in the past few years, partly because of the covid-19 pandemic and partly because “archaeologists who don’t want Neanderthals to have painted have basically banned us from taking samples”. However, he hopes that other groups will have more luck, eventually building up a rigorous timeline of cave art. He suspects art-making may stretch back to the unknown common ancestor we shared with Neanderthals, hundreds of thousands of years ago.

"When did humans start making art and were Neanderthals artists too?" New Scientist (15 July 2022)

كما توضح الدراسات أن الجينات النياندرثالية موجودة فى الأوروبيين و الأسيويين مما يدل على حدوث تزاوج و تناسل بينهم و بين البشر المعاصرين و مع الدينوسوفان كذلك مما ينفى وجود عزلة تكاثرية أو كونهم أنواع مختلفة

​Fernanda Neubauer “A Brief Overview of the Last 10 Years of Major Late Pleistocene Discoveries in the Old World: Homo floresiensis, Neanderthal, and Denisovan” Journal of Anthropology (15 July, 2014)

John Hawks, “Significance of Neandertal and Denisovan Genomes in Human Evolution,” Annual Review of Anthropology, Vol. 42: 433-449 (2013)

Mum’s a Neanderthal, Dad’s a Denisovan: First discovery of an ancient-human hybrid. Genetic analysis uncovers a direct descendant of two different groups of early humans. Nature NEWS 22 August 2018

و هكذا يظهر لنا كيف تتراجع الفرضيات الداروينية مع تقدم الاكتشافات العلمية، وأخيرا يجب أن نوضح أن من يرجحون عدم ضم النياندرثال إلى تصنيف البشر يبنون هذا القرار على صفات تقنية جدا مثل حجم الحوض و الجمجمة ومعدلات استهلاك الطاقة و هذه الصفات وإن كانت مفيدة فى التقسيم لا تبرر أبدا اعتباره سلف للبشر أو من أشباه البشر خاصة فى ظل ما سبق من الأدلة و لكن و برغم كل هذا و لأن نظرية التطور تحتاج إلى "اللقطة الاعلامية" لتروج لنفسها بين العامة كأي أيديولوجية أخرى فيجب أن يتم التشغيب على الناس باستخدام مصطلحات "أشباه البشر" و "أسلاف البشر" لإعطاء الانطباع الذهنى الذى تحتاجه نظرية التطور عند الناس و لتذهب الأدلة العلمية إلى الجحيم و إن اعترضت فأنت بالتأكيد تعرض العلم بالدين!!! انظر عزيزى القاريء إلى أشباه و أسلاف البشر بجوار أحفادهم.

- انظر الى الفروق التشريحية و المورفولوجية التى يتم استخدامها لتبرير مصطلح أشباه البشر و أسلاف البشر التي نجح التطوريون فى ربطها إعلاميا في أذهان الناس بصور قردة تسير منتصبة و بشر منحني القامة مغطى بالشعر. انظر و تذكر الفروق بين أنواع الكلاب المختلفة مثلا فمنها الصغير كالشيواوا و منها الضخم كالكلب الدينماركي و تذكر أنهما لا يتزاوجان فى الطبيعة عادة بسببب فروق الحجم أى أنهما أيضا منعزلان تكاثريا و مع ذلك فلا أحد هنا يتحدث عن أشباه الكلاب و أسلاف الكلاب و ان كنت شبه واثقاً أن الكلاب لو كانت منقرضة و عثر عليها فى الأحافير فقط لصنع التطوريون من تباينتها المورفولوجية سلسلة ممتازة مليئة بالأسهم!!! فكر فى كل هذا و أنت تقرأ التشغيبات التى يقوم بها التطوريون باستخدام تفاصيل تقنية جدا فى عمليات التصنيف لتمرير مصطلحات مشبعة بصور ذهنية غير حقيقية عن الأسلاف و الأشباه.

نقلا عن  مركز الفتح ـ قسم دراسة الإلحاد

تعليقات