هل يتعمد إبراهيم عيسى تشويه التاريخ الإسلامي؟ (فيديو)
- الخميس 21 نوفمبر 2024
خبر غريب عجيب على صحيفة الإندبندت(1) يخبرنا أن هذه الآلة، والتي تتخذ شكلا شبيها جدا بالكبسولة التي سافرت فيها كارا زور إل من كوكب كريبتون إلى الأرض، هي في الحقيقة على شكل يشبه النعش!
ليس هذا الخبر
الجديد، لكن الخبر الجديد ليس أقل جنونا، فهذه الآلة هي آلة تسمح لركابها أن
يقتلوا أنفسهم في أقل من دقيقة، وقبل أن تتملكنا الدهشة، علينا أن نعرف أنها أخذت
بالفعل الموافقات القانونية وأصبح استعمالها قانونيا في سويسرا. في سويسرا الـ euthanasia أو القتل الرحيم قانوني منذ 1940،
والآن أصبح بإمكان أي شخص يعاني لفترات طويلة من المرض الاستفادة من مثل هذه
"الخدمة". وكي لا تذهب أذهاننا بعيدا، علينا أن نعرف أن 42% ممن يتقدمون
لهذه "الخدمة" ممن عانوا طويلا من السرطان، و14% من مرضى التآكل العصبي
(كمتلازمة باركنسون)، و11% من مرضى القلب، و10% من مرضى الاضطرابات العضلية
الهيكلية.(2)
إن نزعنا الدين
والإيمان بالآخرة من المعادلة، فلا توجد غاية كبرى من الاستمرار على قيد الحياة،
وبالتالي فلا يوجد معنى من أن يستمر الإنسان في معاناة طويلة مع المرض لسنوات، لكن
من الذي يحدد قدر المعاناة التي يُسمح فيها بإزهاق روح الإنسان؟ في الوقت الحالي
السلطات الطبية هي التي تحدد وفقا لأخلاقيات طبية متنازع عليها، ولكن مع انتشار
العقيدة الإلحادية، ستتسع رقعة هذا القدر ليطال أشياء لم تكن تخطر في مخيلتنا
إطلاقا.
من الناحية
الإسلامية، وبعيدا عن الحكم الفقهي في الانتحار، لدينا منطلقات اعتقادية مختلفة
تماما، فالمنطلق العقدي لدينا هو أن الحياة ملك للذي وهبها، وهو وحده الذي يقرر
وقت نهايتها. هذا الذي يفسر اختلاف الحكم في الروايات الواردة عن الانتحار؛ ففي
صحيح البخاري 3276 عن جندب رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال: "كان فيمن كان
قبلكم رجل به جرح فجزع فأخذ سكينا فحز بها يده فما رقأ الدم حتى مات قال الله
تعالى بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة"، فيقول الإمام ابن حجر في فتح
الباري عن قوله عز وجل "حرمت عليه الجنة" أنه استشكل، فهو "...
يقتضي تخليد الموحد في النار" وهذا يخالف النصوص الأخرى، وأجاب عن ذلك رحمه
الله من عدة أوجه "أحدها: أنه كان استحل ذلك الفعل فصار كافرا" فالمسألة
إذن إيمانية قلبية، بمعنى أن من يقدم على قتل نفسه إيمانا منه أن حياته ملكه وله
أن ينهيها وقتما شاء فقد أخرج نفسه بذلك من دائرة الإيمان، أما الحالة الأخرى،
والتي ورد ذكرها في صحيح مسلم 116 اختلفت نهايتها تماما، فعن جابر بن عبد الله أنه "... لما هاجر
النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة هاجر إليه الطفيل بن عمرو وهاجر معه رجل من
قومه فاجتووا المدينة فمرض فجزع فأخذ مشاقص له فقطع بها براجمه فشخبت يداه حتى مات
فرآه الطفيل بن عمرو في منامه فرآه وهيئته حسنة ورآه مغطيا يديه فقال له ما صنع بك
ربك فقال غفر لي بهجرتي إلى نبيه صلى الله عليه وسلم فقال ما لي أراك مغطيا يديك
قال قيل لي لن نصلح منك ما أفسدت فقصها الطفيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم وليديه فاغفر"، ويعقب الإمام النووي
رحمه الله على الحديث بأن "فيه حجة لقاعدة عظيمة لأهل السنة" وهي
"أن من قتل نفسه أو ارتكب معصية غيرها ومات من غير توبة فليس بكافر"، وهذا
الذي عليه معظم الفقهاء، هو أن المنتحر أمره إلى ربه، فهو وحده المطلع على قلبه،
فإن علم منه منازعة له في ربوبيته جزاه بذلك، وإن علم منه ضعفا وجزعا مع صحة
اعتقاد في أن الأمر كله لله، غفر له -إن شاء- بما كان منه من صالح العمل.
ثم أننا أساسا،
من الناحية الإسلامية، نؤمن أن الحياة الدنيا هي دار الشقاء والبلاء، وأن النعيم
المقيم هو في الآخرة -وليس هذا إلا في الإسلام!-، ولهذا أكبر الأثر على النفس في
تحمل صعوبات الحياة، حتى وإن وصل الأمر إلى مرض ينخر في كل خلايا جسدك، فأنت تؤمن
أن هناك حياة أخرى ستنسى فيها كل ذلك مع أول غمسة لك في النعيم الأخروي. هذه هي
اليوتوبيا الحقيقية، أما هذا العالم الذي لا تملك الحياة البشرية فيه أي قيمة
ماورائية، فهي إما ممتعة أو متحملة فنكملها، أو مؤلمة فننهيها في لمحة عين ونحولها
إلى طعام للبكتيريا؛ فتلك هي الدستوبيا الحقيقية.
الانتحار ظاهرة
مرعبة، أن يقدم أشخاص بأنفسهم على التخلص من حياتهم ظاهرة مرعبة، ظاهرة تحتاج منا
إلى تفريغ طاقات كثيرة للحد منها، أو إنهائها تماما إن تمكنا من ذلك! ولا أعني
بذلك إطلاقا جهود المتخصصين في الطب النفسي أو الصحة النفسية، ولا حتى المنظمات
الاجتماعية والدينية والحكومية، بل ما أعنيه هو أن يكون لدينا جميعا رحمة ببعضنا
البعض، فالشخص إذا كسرت قدماه أو يداه يجري عليه الكثير بلهفة للمساعدة، لكن الذي
كسر قلبه لا يجد عشر معشار تلك اللهفة، فينشأ الحزن، ثم الكآبة، ثم اضطراب
الاكتئاب الكبروي
MDD،
ثم فقدان للرغبة في الحياة، ثم أفكار انتحارية، ثم الانتحار المتحقق في النهاية،
نحتاج إلى أن نكسر تلك السلسلة في بدايتها -قدر الإمكان-، وأن ننشر التراحم بيننا
قدر الإمكان، ولن يتحقق ذلك إلا بجهود غير المتخصصين، أنت وأنا ونحن، ولنتذكر ما
رواه أبو هريرة رضي الله عنه (صحيح أبي داود 4942) عن النبي ﷺ: "لا تُنزَعُ
الرَّحمةُ إلَّا من شقيٍّ". فلنسأل الله ألا نكون من الأشقياء.