رئيس مجلس الإدارة

أ.د حسـام عقـل

خالد جودة يكتب حول مجموعة الرفيقة لـ زكريا صبح

  • أحمد محمد
  • الثلاثاء 20 سبتمبر 2022, 10:44 مساءً
  • 704

تنتمي قصص "الرفيقة" للقاص   أ/   زكريا صبح في تقديري إلى "جماليات التشظي"، وهو تفسير إبداعي للحياة، ليس معناه ما يتبادر من الذهن من المصطلح اللغوي بمعني قدمه صاحب اللسان: ".. تشظي الشيء: تفرق وتشقق وتطاير شظايا". إنما  هي رؤية ساعية  لمواجهة الواقع من خلال البصيرة بالذات وفهمها وجمع شملها،  أو بتعبير دقيق تحقيق السعى وراء "الكينونة" بمقولة د. السيد فاروق: "تسقط الذات حين تضيع بين تفاصيل الواقع وتنصرف عن السعى وراء الكينونة". وهى قضية وجودية محورية ومسألة حياة أو موت معنوي، فتفاصيل الواقع مرعبة حيث منطقة العمل بتعبير القصص رائحة دم وسوء كلا ء وفاحش منظر وأناقة مهدرة  .وفى موطن قصصي آخر لمحة ساخرة حول الجفاف العاطفي العصري:

"وأضع لها وروًدًا جافة عبر شاشة الهاتف." وفي لمحة أخرى: "حظيرة الحياة سيئة السمعة" يدور فيها عب ر المقطع القصصي الثامن عشر في ساقية كالثور الأعمي  يحمل حقيبة لا تشبع أبًدًا. حيث  شيوع القلوب الصدئة والواقع الرتيب

لذلك تدفق التأكيد القصصي لمعني الجبر  الذاتي والسلام النفسي، وأن الإنسان ونفسه "الرفيقة" توأمان ملتصقان: "أنا هنا حيث أنت، أنت الماء وأنا التراب، أنت الحياة وأنا الموت" ص 23 "بتصرف".

وقد تنجز الذات العليا "الأنا" أعمالا مهمة ت خاذل عنها: "أنا فعلت ذلك نيابة عنك، ألست منك؟، أنت متعب دومًا، لا تجد وقتاً لكل ذلك، فكيف لا أنجزه معك؟" ص 69.

وهناك ثيمة مستقرة بالقصص  ذات  ثلاث شعب  الأولى: هى مغامرة البحث المتصلة بالتنقيب عن الذات والوعى بها، والشعبة الثانية الحدب عليها والعطف بها إيناسا لها ووسيلة للاتحاد معها لتحقيق التوأمة المرجوة،   كما أن هذا العطف وعيًا ببرائتها، فالرفيقة فى القصص تجسد البراءة والفطرة النقية المقصودة، لهذا تحضر غالبًا في القصص  طفلة مرحة.  وحتى لو حدث الفقد والتلويث فهناك تصحيح مسار ذاتي متصل، وعودة من غياب، وغسل  داخلى  .فهناك تراتب قصصي بين الشعب الثلاث متضامن ومعبر.

والتالى شواهد نصية كنماذج يسيرة من إنهمار هذا الموقف القصصي الثلاث ي

•    وفي المقطع القصصي السادس: "يا أنا، أين أنت يا أنا؟"   فهو يبحث عنها بين جنبات جسده.

وفي  تصريح المقطع القصصي الخامس بتصرف: "ل ملمت  نفسي ... وحممتها بعطر من المسك

•    وفي شاهد نصي تجسيد مشهد المصالحة الرائق والعطوف، بعد الهروب والعتاب في دراما المقطع القصص السابع:" عادت تلملم بعثرتي وتجمع أشلائي، وتنهض بي تتوكأ علي وأتوكأ عليها، هي ترتب علي كتفي وأنا أعتذر لها" ص  26. وفي موطن قصصي آخر راحت تمسد روح الراوي، وتهدهد فؤاده المتعب.  وفى آخر: ترتب على روحى، تقول    لي كل كلمات المواساة

•    وللرفيقة براءة وصفات حلوة فهى: "نقية مثل فجر جديد، برئية مثل طفل وليد"، وفي مواطن أخرى مولعة بالخضرة وتأنس بذكر الله، تقفز كطفلة تحررت بعد قيد. ذات أعوام خمس بينما أصبح الراوي شيخًا فى عقده الخامس. وفي موطن قصصي آخر "أنت شابة وأنا كهل." وأزمة القصص الفقد ولحظة تنويرها التماهي والدمج مرة أخرى مع الذات. نموذجًا المقطع القصصي الثالث عشر حيث الكلاب تقطع الطريق بين الراوي وبين نفسه، وتنهش طفلته، ويضم المشهد القصصي الثائر كلابًا أخرى تحرس الجريمة وتنهره كلما قارب استنقاذ طفلته الأثيرة

وحيث التشظي انقسام الذات على نفسها، ثم إجراء هذا التفاعل والحوار الداخلي البناء، وقد عبرت القصص عن ذلك في أكثر من موضع: "فأحسست أننى منقسم إلى نصفين" ص 21. والقصص تفعل ذل ك دائمًا ، وفى ذات الوقت تقدم لنا تقنية  "المناجاة " أو الحوار الداخلى بشكل تجريبي موسع وجعلها متن الحدث القصصي بعامة، فقدم أطلسًا قصصيًا طريفًا للتشظي علي الذات، وهنا إضافة قصصية جديدة استفادت من الرواية الإنسيابية "رواية تيار الوعي" والتى بدأت خلال أعوام  1913  إلى  1915، وتعد تطويرًا للحوار الانفرداي للذات المعروف أدبيًا منذ  قديم نموذجًا مناجاة هاملت التى صاغها شكسبير. حيث المناجاة يقدم فيها الخاطر مصحوبًا بارشادات عقلية تفكيرًا منظمًا مدروسًا، وكما قال التنظير أن المناجاة نتاج نهائي لتيار الوعى وليس ذات تيار الوعى حي ث يروى فيه الراوي بحسب ما ينساب في وعى الشخصيات، أنها كما قال "ليون ايدل" بتصرف: رحلة التفكار أو سبر الحقيقة الباطنية.

لذلك أرى أن نسيج القص في "الرفيقة  "نسيجً ا  متحًدً  ا،  وأنها  متتالية قصصية،  انتقت لحظات قصصية تجريبية تمثل منعط فًا ذات يًا ،وتجسيد لحظة تغيير  فى إطار حكائى رمزي

  ومن عناصر التجريب –الذي يثمر التجديد-  أن عنوان الرفيقة يصلح عنوانا لكل مقطع قصصي مستقل كقصة قصيرة منفصل ة. كما كان  فى الوقت ذاته  عنوانا جماعيا. وان الشخوص  نتاج رحلة  تشظى ذاتي،  وأنها  تمديد المناجاة  "المونولوج "  بانسن ة  أطراف  المونولوج ،  فالشخوص  كثر  النفس والروح ، والجوارح أيضًا مسرحًا للحدث  القصصي )العقل / القلب / الجسد(. يقول المقطع القصصي الثامن:..."  رتبت بيت جسدي ورتبت علي خوف قلبي، حتى أشعر بها ملكة متوجة، وأشعر بذاتي ملكًا مثلها". 

فقد  تعددت وجوه التشظي وجرى توليد شخوص قصصية ذاتية كثر: "ورحت أبحث عنها فى كل جنبات جسدي" ص  17، وهى الرفيقة ليست الروح، تقول القصص: "لعلها أختبأت مداعبة روحي" ص 17، "لكن روحي كانت هائمة فى الوجود تبحث عنها" ص  18.  ومسرح الحدث القصصي في عرض المقاطع القصصية وطولها عامر بالمناورات والحركة،  والشد وال جذب،  والحوار والفعل،  والعتاب والتصافي، والفرار والقرب، يؤطره جميعا شعور الفقد والجوع إلى الحب

والتنويعات كثر والعز ف مستمر كان على ذات المقام اللحنى الذات ي القصصي، فهناك نفس قصصي مطول  .وهذا أمر جديد ان يظل انتاج ذات المكون البنائي  لاثنان وثلاثون  مقطعا قصصيا منوعا،  ويظل العزف على ذات المقام اللحني الذاتي دون توقف أو فتور  ،وفى ذات الوقت ُنُطعم مذاق القصة القصيرة، لأن الحدث القصصي محدد، ويدور حول شخصيات قليلة، وعبر لحظة اشتعال قصصي تخبر عن تبديل حدث عن اللحظة السابقة عنها

أنها معالجة قصصية مثيرة تخبر ان القصة ليست مجرد زفر أو نفثة صدر يضج بالمعانى بل حياة موارة تحتاج لنفس قصصي مطول رغم ان هذه المثابرة اشتهرت للروائيين أكثر 

كما ان هناك دال اخر ان اكتشاف الذات  الجوانية ومحاورتها والتوغل فى  أدغالها والتعرف على طبائعها وتكوينها ونزقها وحكمتها.. الخ أمر مهم ووجودي وأنه مدار الحيوات جميعا  ويستحق خوض هذه التجربة القصصية المهمة

ورغم رحلة التشظي الملحونة بمقام قصصي متحد، نجد أنها ليست مغلقة عن الواقع بل وسيلة لجبر الواقع وجعله أكثر إنسانية وبهجة. فالقصص تبحث عن الصلة مع الآخر من منظور ذاتي، وتزاول الحجاج معه،  كما تدين موقفه السلبي أحيانًا،  وتقدم سردية حول ألوان النفوس فى المقطع القصصي الثالث والعشرين

وهناك معالم لغوية شائعة بالقصص منها التناص مع النصوص الشريفة: "جئتك من هناك بنبأ يقين"، وشمس بيضاء تسر الناظرين ص 19، وحين يفتقد نفسه بعد يوم عمل شاق يتناص: "لأعذبنها عذابًا شديًدًا عندما أجدها

وبالطبع يتماس الوعى مع النبض الشعري، فنجد الحس البياني: "أسير في الصمت مخترقًا أجسادًا من أصوات حزينة"، وفى مشهد آخر نجد السعى: "أعدو في طرقات من أثير

أما الهموم الثقافية فملمح أصيل شغل الذات  المبدعة  ،وجسده قصصيا بصورة طريفة حيث يعتقل رفيقته أو ذاته بين أرفف المكتبة. وفي المقطع القصصي الحادي عشر يقدم الذات المبدعة المثقفة في صورة طريفة أيضًا، تزاول غواية عمل سحري من النقاشات والمغازلة بالكتاب والقلم، والتزين بالفكر والعل م بتعبير القصة

وبالطبع يصعب تقديم كافة معالم "الإختباء  داخل الصدر" المنجية بالقصص، لذلك ندعو القارئ لسبر رحاب هذه التجربة القصصية المجسده لحالة واحدة، تكشف لنا غمار تجريبي حول الذات الإنسانية، وتقربنا من خبرات لذواتنا ُمستفاد منها

ونشير لمعلم قصصي معبر باعتباره نافذة مضيئة من رحاب الأداء القصصي الراقي: "وه ا  أنا ذا أكتب إليك رسائلي، الواحدة تلو الأخرى: أنا رفيق دربك أقول لك: ابتلعى الألم في صمت، وانظرى بعين الخوف إلى جسد يرتعب من الوحدة، ولا تفجعيه بأمل لن يتحقق"



تعليقات