هل يتعمد إبراهيم عيسى تشويه التاريخ الإسلامي؟ (فيديو)
- الخميس 21 نوفمبر 2024
لا بد أنك سمعت -عزيزي القارئ- عن حظر النقاب في الغرب، ثم في بعض الدول العربية، ليتلوه فيما بعد حظر غطاء الرأس في الغرب، واليوم التشكيك في فرضيته، وكونه عادة عربية قديمة، وهل خلعه من الصغائر أم الكبائر.
لن أناقش -في مقالي- فرضية الحجاب وحكم تاركته، كون ذلك يُطلب من
مَظانّه الفقهية، وإنما أعرض -إن حالفني توفيق الله- أبعاد هذه القضية ومآلاتها
على المجتمع الإسلامي من حيث تدينها وكونه باب العلمنة الخفي والصريح معًا.
لماذا التركيز مع قضية الحجاب؟
هل حظر الحجاب -بالجَبر أو بالتضليل- يُراد منه
الحجاب بذاته؟
يُصر الغرب -وأتباعهم- على قضية الحجاب لإنه
شعار المرأة المسلمة، فما معنى كون المسلم مسلمًا ولا تظهر عليه علامات الإسلام؟،
ماذا بقي من إسلامه قبل أن يصير علمانيًا كاملًا خاليًا من الشعائر؟
إن كانت العلمانية السياسية تريد فصل الدين عن
الدولة، فإن نوعًا من العلمنة قد تصح تسميته “العلمانية الاجتماعيّة” تريد فصل
الدين عن المجتمع، فكيف ذلك؟
بدفع الناس -بطرق مختلفة- إلى التخلي عن
قناعاتهم وفرائضهم الدينية، وإنها إن حققت أهدافها لم يبق لدين الناس معنى، فهل
بقي من آثار الدين شيء إن حوصر في شوارع بلاد ينتشر فيها؟، وما ذلك إلا هدف من أهم
أهداف حركة العصر الجديد.
ولما شاهد الغرب رد فعل المسلمين وتعاطفهم مع
بناتهم وأخواتهم سواء في فرنسا أو السويد أو الهند في وقت قريب، لم يعد مناسبًا أن
يطرق الموضوع بطريقة هجومية مباشرة، فلجأوا إلى أساليب أخرى، تحتاج أن نقدم لها
بمقدمة تاريخية تبين قِدَم هذا الأسلوب.
علاقة بولس الرسول بحجاب المسلمات
يعد بولس الرسول واحدًا من أهم الشخصيات لدى
مختلف الكنائس والفرق المسيحية الحالية، وهو الرجل الثاني في الديانة بعد المسيح
من حيث الأهمية، لكنه كان قبل ذلك رجلًا يهوديًا محاربًا للمسيحية، ثم رأى أنه
بدخوله للمسيحية وتحريفها من داخلها سيحصل نتائج لن يقدر على جنيها بالمواجهة
والمجابهة مع المسيحين.
ولكن ما علاقة بولس الرسول بحجاب المسلمات؟
أصر بولس على إلغاء الختان ويظهر ذلك في كثير
من رسائله وإليك بعض الأمثلة:
“مَا هُوَ نَفْعُ الْخِتَانِ؟” ]رسالته
إلى أهل رومية الإصحاح: 3، الآية: 1[ “ليس الختان شيئا وليست الغرلة شيئا”.
]رسالته الأولى إلى كورنثوس الإصحاح: 7، الآية: 19[ وغيرها كثير
فهل كان دافعه في ذلك كون الختان مختصًا
باليهود في وقته وكونِه السمة المميزة لرجالهم؟
وأجيبك بما يلي: إن من أهم ما عمل عليه بولس هو
إلغاء الارتباط باليهودية، فلذلك جاهد لإلغاء شعاراتهم في ديانته، فما معنى كونه
غير يهودي وعليه علامات اليهود؟
فهو بذلك لم يقصد الختان بذاته، إنما أراد
علمنة -من نوع خاص- ينفصل بها عن بني إسرائيل، ليجعل ديانته عالمية وليست خاصة
ببني إسرائيل، فيخدم دينه -اليهودي- بعد تحريفه للمسيحية بكون هذ الدين المحرّف غير
مرتبط ببني إسرائيل، فلا ينسب لهم نقصٌ كهذا وهم الشعب المختار.
ذاك في الماضي .. فما علاقته بالحاضر؟
قد يسوغ بعض الغربيين حظر الحجاب بحجة الاندماج
في المجتمع، وما ذلك إلا خطوة يريدون بها إذابة الفروق بين الناس تحقيقًا لمبدأ من
مبادئ حركة العصر الجديد، وما حَظرُه -تضليلًا- في البلاد الإسلامية إلا عامل
تأكيدي على ذلك، وإلا فما الداعي إذًا؟!
إن أهم ما يميز حركة العصر الجديد كونها حركة
باطنية، لا تجابه معتقدات الناس مباشرة، بل تحاول بطرق مختلفة نشر أفكارها التي
ستستبدل فيما بعد معتقدات الشخص بطريقة تدريجية، نابعة من ذاته بتوجيهات غير
مباشرة من الحركة، وهنا يظهر التشابه بين ما قام به شاؤول -وهو الاسم الأصلي
للقديس بولس- وما تقوم به هذه الحركة ومن يخدمها اليوم على أرض الواقع.
وترى اليوم -عزيزي القارئ- أن التركيز على هذه
القضية بالذات يزداد يومًا بعد يوم في العالم الإسلامي، وبعد أن كنا نرى في
البرامج التليفزيونية ربط الحجاب بالنساء الفقيرات أو المقهورات، وكون السفور
علامة تحضر ومدنية وانفتاح، صارت البرامج هذه تجابه وتهاجم الحجاب بشكل سافر ودون
أي تورية، ولا يرتبط الحجاب غالبًا -في هذه المسلسلات- إلا بالإرهابيات أو
المصابات بعقد نفسية، وبتنا نرى اليوم عنوان “أكذوبة الحجاب” على شاشات عديدة في
العالم الإسلامي، المفترض أنها توجه خطابها للمسلمين، وبتنا نرى دعاة وأساتذة
جامعات إسلامية يتنكرون لما كانوا يقولونه قبل مدة عن فرضية الحجاب، بل تعدى الأمر
ذلك إلى نسبته إلى جهات سياسية محظورة في هذه الدول كطريقة للتنفير من الحجاب، ولا
أستطيع أن أدخل في نية كل شخص تكلم في هذا الموضوع، لكن هل من المعقول أن أستاذًا
يصلح للتدريس في جامعة إسلامية يتعرض لما هو معلوم بالضرورة، ويخدم -بتصريحاته ولا
أقول بإرادته- حركات تريد في غاية أهدافها أن تصل بالبشرية إلى عبادة الشيطان؟
والآن نطرح تساؤلًا مهمًا، وجوابه هو ما تعول
عليه الحركة في هذا الخصوص.
هل تورث كثرة التطرق للموضوع شكًا عند محدودي
المعرفة؟ ولماذا يلجأ المضللون إلى تكرار الأمر -ولو بعبارات مختلفة؟
يجاوبنا على هذا التساؤل غوستاف لوبون، فيقول:
“عندما نكرر الشيء مرارًا وتكرارًا ينتهي به الأمر إلى الانغراس في تلك الزوايا
العميقة للاوعي” ]سيكولوجية الجماهير، 133[
فالدعوة إلى نزع الحجاب بطرق، ومسميات مختلفة
تهدف بشكل أو بآخر إلى التأثير في وعي الناس كون الحجاب فرضًا، فالتكرار هنا يحقق
لهم بعض المكاسب الجزئية، كإضعاف دفاعات الناس ضدهم مع مرور الزمن، فإذا ما تم لهم
ذلك سَهُلَ عليهم فيما بعد إدخال اللَبْس إلى عقول الناس في قضايا أخرى كانت بدهية
بالنسبة لهم كما كانت قضية الحجاب قبل كذلك.
فهو اذًا لم يورث شكًا، بل بدّد -تدريجيًا-
فكرًا ما كان يُشَك فيه قبلًا!، وممّا يتصل بهذا الموضوع، ولعله هو الأداة الأكثر
فاعلية فيه، هو الإعلام الحديث المتمثّل بشبكات التواصل، ودوره في نشر هذه الشبهات
لا يحتاج إلى توضيح، لكنني سأربط الأمر بالشباب والناشئين، إذ تعتبر هذه الفئة
العمريّة الأقل نضجًا هي المتأثر الأكبر بهذه الشبهات، ولا أركّز في كلامي على
نضجهم، بل على سهولة وصول المعلومات لهم من مواقع التواصل، على عكس نشرات الأخبار
أو المجلات ذات الطابع الفكريّ مثًلا، والتي لا يهتم بها ولا يتابعها معظم الشباب،
وأربطه أيضًا بإخراج مسلسلات تناقش ضمن مشاهدها أمورًا عقدية وتتعرض ضمن ذلك إلى
قضية الحجاب، وهنا أعود إلى لوبون الذي يقول: “عندما درسنا مخيلة الجماهير رأينا
أنها تتأثر بالصور بشكل خاص، فهي تثيرها فعلًا” ]سيكولوجية الجماهير، 115[، ويقول
أيضًا: “يمكن أن نعفي أنفسنا من ذكر العقل إذا ما عدّدنا العوامل القادرة على
التأثير على روح الجماهير” ]سيكولوجية الجماهير، 123[، فبحسبه تقتنع وتتحرك
الجماهير بحسب الصور أكثر من الكلام العقلاني، وهذا ما يعول عليه المشكّكون الذين
يشاهدون بأم أعينهم الأثر غير الكافي للردود العلمية على شبهات برامجهم وسمومهم.
على سبيل الختام
وحتى لا أطيل في الكلام ولا يبقى كلامي هذا مجرد وصف للداء، فإني أدعو نفسي وإخواني في ختام هذا المقال إلى إيجاد حلول لهذه المشكلة، مثل برامج ومسلسلات بديلة، لا تصور لنا حياة السلف والتزامهم بالشريعة، بل تطرح مواضيع وشبهات المشككين لنقاش يؤصل هذه المواضيع ضمن إطار قصصي يناسب العصر الحالي، أو حتى على الأقل تحمل طابعًا ملتزمًا، ولا أحتاج إلى مصادر لأقول لك إن الحجاب في المسلسلات اليوم يكاد لا يوجد إلا على جدة طعنت في السن أو امرأة فقيرة أو إرهابية، وهذا في بلادنا الإسلامية لا في الغرب، فهل نجد من يصحو لإيجاد البديل قبل أن نجد أنفسنا نعيش في عالم إسلامي باسمه، علماني بواقعه الاجتماعي؟
نقلا عن منصة السبل