هل يتعمد إبراهيم عيسى تشويه التاريخ الإسلامي؟ (فيديو)
- الخميس 21 نوفمبر 2024
هاني الظاهري
الشهر الماضي حظر تطبيق تيك توك الاجتماعي حساب صانع المحتوى الأمريكي ونجم برنامج الواقع Big Brother، اندرو تيت، الذي يعد أحد أشهر الأسماء التي تمثل التيار الذكوري المتطرف في السوشال ميديا.
جاء هذا القرار
بعد أن تناولت تقارير إخبارية أن تيت تعمد نشر محتوى يتضمن الكراهية ضد النساء،
بالإضافة إلى لوم الجمعيات الحقوقية النسوية على البؤس الذي يعيشه الرجال تحت مسمى
«الواقع القاسي للرجال».
هذا الحدث يسلط
الضوء بشكل عام على الصراع بين التيارات الذكورية والنسوية حول العالم في وقتنا
الحالي، والذي يتخذ من شبكات التواصل ميداناً للمعارك الصاخبة التي تنعكس وتتنامى
بلا شك على أرض الواقع.
لكن لعلنا
نتساءل هنا: هل الأفكار الذكورية الحديثة التي تنتشر بسرعة حول العالم وتمثل
منهجاً جديداً للتعاطي مع الأحداث جاءت كـ«رد فعل» على حراك التيارات النسوية
المتطرفة، أم أن النسوية بجميع تماهياتها (معتدلة ومتطرفة) تأتي عادة رداً على
سيادة الفكر الذكوري؟
هذا السؤال أشبه
بسؤال «من جاء أولاً البيضة أم الدجاجة» فالميثولوجيا حافلة بالصراع الأزلي على
السيطرة بين الرجال والنساء منذ بدء الخليقة، ابتداء من قصة ليليث مع آدم أبو
البشرية (في التراث اليهودي) ومروراً بالميثولوجيا السومرية والفرعونية والإغريقية
وصولاً إلى العصر الحديث.
ولمن لا يعرف
قصة ليليث الأسطورية المكذوبة، هي باختصار قصة تشير إلى أن آدم كان له زوجة قبل
حواء اسمها ليليث تمردت وهربت من الجنة إلى الأرض وتحولت إلى شيطانة، لأنها كانت
تريد أن تكون المسيطرة في العلاقة بينهما، ولم تنجح، فجاءت حواء من ضلعه حتى لا
تتمرد عليه.
طبعاً هذا يخالف
تماماً المعتقد والروايات الإسلامية، لكننا نتعامل معه عند البحث كأسطورة لها
دلالتها السيكولوجية، إذ لا يهمنا مدى صحة القصة بقدر ما يهمنا ما تدل عليه من
مواقف لمؤلفيها والعقل الجمعي للمجتمعات التي نشأت فيها، لأننا نستنبط منها أن
(الأنثى/ الزوجة) يجب أن تكون الطرف الخاضع لسيطرة (الذكر/ الزوج) في العلاقة
الأسرية وإلا عدت شيطاناً غير صالحٍ لهذه المنزلة في العائلة.
مفهوم (السيطرة)
هو الذي اختلف عبر العصور (نزولاً وصعوداً واعتدالاً)، ففي مجتمعات قديمة خضع الرجال
لسلطة المرأة حتى أنها عُبدت، وتم تقديسها أو اتخذت آلهة مثل (عشتار/ فينوس/
ايليت)، وفي مجتمعات أخرى اعتبر الرجل مقدساً ووصل الأمر إلى عبادة أجزاء من جسده
صُنعت لها التماثيل التي نُصبت في المعابد عند اليونانيين والرومان وغيرهم.
وعود على
الحاضر، علينا مبدئياً أن ندرك أن مفهوم الشخص الطبيعي ليس له وجود في قواميس
التيارات المتطرفة (على أساس الجندر) فهو سيُصنف لديها بناء على رأي أو موقف إلى
ذكوري أو نسوي لا محالة.. موقف واحد أو رأي عابر في ظل حدة الاستقطاب بين النسوية
والذكورية سوف يلقي بك في أحد القالبين دون أن تدرك ذلك، فالقولبة أسهل وأسرع
طريقة لخوض الصراع مع المخالف في هذه المعركة، مهما كان الشخص موضوعياً أو متحرياً
للدقة والواقعية في عباراته وآرائه.
الطريف أن هناك
نماذج عالمية مشهورة من الناشطات النسويات تحولن في لحظة إلى متهمات بالذكورية بعد
أن تزوجن وعبرن عن سعادتهن بالحياة مع رجل يشاركهن حياتهن، فهذه «ربيكا باريت»
نجمة مواقع التواصل، التي عرفت رمزاً من رموز النسوية المتطرفة حول العالم، تنال
اليوم الهجوم تلو الآخر من التيارات النسوية حول العالم لأنها عبرت عن نفسها في
لحظة صفاء بقولها: «كنت نسوية غاضبة طوال الوقت، لكنني تزوجت الآن وأصبحت ربة
منزل.. لا أحب شيئًا أكثر من خدمة زوجي»!
وعلى الجانب
الآخر توجد عشرات النماذج حول العالم لمثقفين وفلاسفة وصفوا بالذكوريين المتطرفين،
لكن الباحث المختص عندما يتعمق في مؤلفاتهم وأطروحاتهم يجد لهم آراء تتفق مع كثير
من الأطروحات النسوية، وهو ما يوضح أنهم ضحايا قولبة في ميدان صراع قديم وشائك ضد
التاريخ والطبيعة.
ما يهمنا اليوم
هو أن ندرك مدى فوضوية وغباء التطرف لأي تيار أو فكرة أو صراع، لأن الوعي الحقيقي
دائماً ضد التطرف، فلطالما كانت الموضوعية سمة العقلاء، ولطالما كان الاعتدال مظلة
الناضجين، بينما ينم التطرف عن شخصيات حدّية أو نفسيات مضطربة.
كما ينبغي علينا
إدراك أن مثل هذه الصراعات اليوم يتم تغذيتها عالمياً من قبل منظمات دولية تتكسب
منها بجميع الطرق والوسائل الممكنة، وهذا ما يجدر بنا أن نوعي به أبناءنا من
الجنسين إذا أردنا أن نبني مجتمعاً ناضجاً وخالياً من التشوهات.
نقلا عن صحيفة عكاظ