ماذا لو خسرت كل ذرات ومواد هذا الكون شحناتها الكهربائية ؟!
- الأربعاء 20 نوفمبر 2024
صورة شخصية لكاتب المقال
قتل مع سبق القهر والاضطهاد.. قراءة في رواية (أجنحة الخوف) للكاتبة: دعاء فهمي
عندما يكون بطل العمل محظوظًا، سينتابك شعور بالغبطة نحوه، وبطلة العمل فريدة الحسيني كان لها حظ وافر، رغم أنها انتهت إلى جريمة كفيلة أن تودي بها إلى حبل المشنقة، لكن لأنها محظوظة فقد حرصت الكاتبة منذ بداية العمل على تصويرها في هيئة المجني عليها المظلومة منذ طفولتها.
البطل المحظوظ هو الذي ينتزع العطف من قلوب الناس، وكيف لا وقد استطاعت الكاتبة أن تعرض قضيتها التي هي بلا شك قضية أخريات يعانين المعاناة نفسها، ويعشن الماسة ذاتها.
قصة مُحكَمة تُصوِّر لحظة انهيار امرأة في لحظة حاولت فيها استرداد كرامتها المهدرة منذ كانت طفلة في بيت أبيها، صفعة تلقتها لأنها تأخرت عن اللحاق بالحافلة المدرسية؛ حيث كانت تنهي واجبًا دراسيًّا تباطأت في الانتهاء منه، لكن لأن والده لا يعرف الرحمة وليس له قلب يرِق لابنته صفعها؛ فأسقطها فأدمى وجهها فارتعبت رعبًا شديدًا ظل يرفرف بأجنحته بعد ذلك حتى تزوجت، هنا تستطيع أن تؤكد أن البطلة محظوظة بكاتبتها التي لم تدخر جهدًا لإبراز بطلتها كضحية؛ حيث جعلتها تتزوج من رجل لا يختلف كثيرًا عن (فصيلة) الأب، زوج قاسٍ، رياضي، قوي البنية، ومتحجر المشاعر، استغل قوته في قهرها، وقاده قلبه المتحجر إلى إهمالها، ثم إهانتها.
هل شعرتم الآن بالعطف تجاه هذه البطلة؟ ليس بعد، أسمعكم تقولون؛ لذا راحت الكاتبة تُصوِّر هذا الزوج حيوانًا يفترس ضحيته على سرير الزوجية، ثم رصدت ردود أفعاله العنيفة على صغائر الأمور، ثم صوَّرته خائنًا؛ إذ كان يحادث موظفة عنده ويبث لها مشاعر الحب الحانية عبر الهاتف.
لم يكُن هذا كافيًا كي نتعاطف مع البطلة؛ إذ استحضرت الكاتبة مشهدًا قاسيًا آخر صورت فيه أدهم، الرجل الغليظ غير المثقف، غير القادر على العدل بين ابنته وابنه الوحيدين.
أظن الآن وضحت الصورة، نحن أمام رجل اعتاد إهانة زوجته، اعتاد تجاهُل مشاعرها، لم يراعِ أمانة بيته، أساء معاملة أولاده؛ لذا سنجد أنفسنا في حالة تلبُّس بالتعاطف مع فريدة التي قتلته في لحظة حاولت فيها الدفاع عن نفسها والانتقام لكرامة مهدرة منذ الطفولة.
قضية قديمة حديثة متجددة، لن تنتهي ما دامت السماوات والأرض، الرجل الظالم، والمرأة المغلوبة على أمرها، قضية أرادات الكاتبة أن تدلي فيها بدلوها، مستعينة بثقافة علمية نفسية هائلة، متكئة على نظرية أن ما يُخَط في نفس الطفل صغيرًا سيظل معه عند الكبر، نظرية تقول إن مَن اعتاد الإهانة صغيرًا سيتقبلها كبيرًا، لكنها أرادت أن تقول ليس الأمر مطلقًا، بل من الممكن أن نغيِّر ما ترسَّب في النفس؛ عن طريق الكف عن جَلد الذات وتحميل أنفسنا أخطاء الآخرين.
لم تكتفِ الكاتبة بمناقشة هذه القضية المحورية، بل ناقشت على هامشها قضية أزمة منتصف العمر التي تضرب النساء والرجال على حد سواء، فراحت تقص علينا بعض الحكايات الجانبية، مثل: حكاية نهال وسليم، ونرمين وشريف ورزان وجود، الكاتبة حاولت معالجة قضية النجاح في الحياة الزوجية من وجوه عدة.
ليست المرأة دائمًا مظلومة؛ إذ إنها تبدو أحيانًا مقصرة في حق زوجها؛ كما كانت نهال مع سليم، وربما تكون مندفعة لا تتحسب لخطوتها مهما كانت المغامرة خطيرة مثلما حدث مع نرمين وشريف، ثم حطت لنا حكاية قد تكون جاءت من أجل إحداث التوازن في الرواية، فربما كان من الأفضل أن تتروى الفتاة في ارتباطها وتهتم بمستقبلها العلمي والمهني، ثم ستأتي مرحلة الحب والزواج طواعيةً من غير افتعال.
لغة الكاتبة التي تتسم بالرومانسية الحالمة ستجعلك منجذبًا للعمل، متشوقًا لمعرفة النهايات المختلفة لأبطاله.
المراوحة بين الراوي المشارك (فريدة) والراوي العليم؛ أعطى حيوية للنص، التنقل في تقنيات السرد بين الوصف، والتحليل النفسي والجسدي للشخصيات، واستخدام تقنيات مختلفة، مثل: الحلم الذي كان يطارد فريدة ويبث فيها الرعب كلما رأت في منامها أدهم يحاول قتلها، وتقنية مثل: الرسائل التي تركتها البطلة لابنها، والتي أرسلتها رزان لفريدة. وتقنية المهاتفة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كل هذه التقنيات جعلت النص فيه ديناميكية محببة.
اللغة الفلسفية التي تجيدها الكاتبة ساعدتها في تزيين النص بالحكمة، استمِع إليها وهي تقول: «نحن لا نشيب مع الزمن، نحن نشيب حين نتوقف عن الحلم وعن الرغبة في التغيير». وتقول: «حين تترسخ داخلك قناعة بأنك غير مهم وغير جدير بالحب والاحترام؛ تتوقف مشاعرك عن النمو ويتناقص إحساسك بنفسك وتقديرك لها».
هذا نموذج صغير من اللغة التي ترتقي إلى سماء الحكمة، وهي تنتشر في الرواية بصورة كبيرة، وددت هنا لو أطلعتكم على نهاية الرواية وكيف أكملت الكاتبة حبكتها الروائية المتعاطفة مع فريدة الحسيني، ولكن أترك ذلك لكم، وأعدكم بمفاجأة تسر القارئين.
وربما كان من الجدير الإشارة هنا إلى بعض الأخطاء اللغوية التي عكرت صفو الرواية، مثل: (ص ١٥٤) السطر الثاني: «عميقًا»، وصوابها: عميق. و(ص ١٠١): «حدقتيها»، وصوابها: حدقتاها.
وربما كان هناك التباس في تاريخ النطق بالحكم، أرجو مراجعته.
في النهاية نحن أمام رواية اجتماعية مهمومة بعدة مشكلات حرصت الكاتبة على مناقشتها؛ تحريكًا للماء الراكد في هذا المجتمع.