رئيس مجلس الإدارة

أ.د حسـام عقـل

زكريا صبح يكتب: قراءة نقدية لرواية "أفاعي الرفاعي" للكاتب حسام الشحات

  • أحمد عبد الله
  • الخميس 04 أغسطس 2022, 6:06 مساءً
  • 1069
الناقد زكريا صبح

الناقد زكريا صبح

لن يغادرك فحيح الأفاعي، وعندما تنتهي من القراءة ستسمعها تُحدّثك.. 

رواية تعتمد الرمز من اللحظة الأولى إلى لحظة الختام، عالم قرية حكيم بالجيزة، التي أحالها الكاتب بحنكة القادر على صُنْع حياة موازية، أحالها إلى صنفين من السكان؛ البشر من ناحية، والأفاعي من ناحية أخرى، بميزان حساس اقتسم الصنفان الحياة في القرية، وكيف لا والجوار قائم منذ مئتَي عام، الأفاعي تعيش في أماكنها، تكتفي برزقها (الأفراخ والجرذان)، وارتضى البشر بذلك وتعايشوا مع الأفاعي، لكن في لحظة ما تمكن الطمع من الأفاعي وأرادت أن تتحصل على مزيد من الطعام، فأرسلت مندوبًا يتفاوض بشأن ذلك الأمر؛ فانقسم الناس بشأنها، منهم مَن رفض ومنهم مَن رحَّب، وبدأ بالتعاون معها بل والتواطؤ من أجل تمكينها، تطلعات الأفاعي توحشت، حتى إنها سيطرت على القرية وراحت تتلاعب بها. 

عالم الأفاعي والحيات عالم كبير، وأنواعها كثيرة، ولها طريقة لترويضها ونزع سمومها، ولها طريقة لصرفها نهائيًّا من أماكن معيشة البشر، والرفاعية طريقة صوفية مشهورة بترويض الأفاعي، كل ذلك رصده الكاتب في روايته الشائقة التي جعلت من الثعابين أبطالًا أوائل في الرواية. 

الحيات ليست كائنات سهلة أو بسيطة، للأفاعي أساليب وطُرُق في اقتناص ضحاياها؛ يظل الكاتب يلعب معنا لعبة ذكية عندما يجعلنا نصدق أن للثعابين مطالب ومفاوضات وأطماعًا وبيوتًا وقرى تعيش فيها. 


التجريد والرمزية 

-----

لا شك أن لكل عمل روائي هدفًا أو عدة أهداف، يبدو أن الكاتب هنا قرر أن يجسد التاريخ، ويحيله إلى أشخاص وحركات وأحاديث. 

عملية تجريد كبيرة؛ أن تحيل التاريخ إلى رموز، وكذلك فعل مع صانعي التاريخ، عبر رؤية ثقافية شاملة وقراءة متمهلة لتاريخ الوطن العربي أراد أن يضع يده على لب مشكلته، وجوهر مرضه، أراد أن يسلط الضوء على ضياع الأرض، واستعباد البشر. 

بحنكة كبيرة جعل من القرية الصغيرة في ضواحي الجيزة رمزًا للأمة العربية، وجعل من عمدتها رمزًا لزعماء العرب الذين جلبوا الخزي والعار، جعل من الأفاعي رمزًا لمَن يمتلكون الأسلحة الفتاكة، القادرة على إسكات الناس واستعبادهم بل والاستحواذ على بيوتهم. 

برشاقة الأديب اختار زيونية كي ترمز إلى الكيان المحتل لأراضينا العربية، انظروا معي إلى الوزن بين كلمتَي (صهيونية، وزيونية)، تكاد حروفهما أن تكون متساوية، كذلك ما فعلته زيونية مع عمدة القرية وأخيه، تمامًا كما فعلته صهيونية بالزعيم خالد الذكر، ومَن جاء بعده. 

وربما لو استفضنا في الحديث عن الرمزية في العمل؛ فإن ورقة نقدية صغيرة لن تكفي لذلك، بل نحتاج إلى دراسة قائمة برأسها لفك شفرة العمل. 

متعة لن تنتهي كلما استطعت استبدال الرمز بالحقيقي، إليك مثالًا آخر لهذه الرموز، الرفاعية مثلًا قد تكون رمزًا كبيرًا جاء ليحل محل التيار الديني المتغلغل في نفوس بني العرب. 

الصيدلية مثلًا قد تكون رمزًا لعلاج مشكلاتهم، الأب صالح قد يكون رمزًا للزعيم الذي أردته زيونية قتيلًا في إشارة إلى الهزيمة النكراء، والأخ الذي لم ينجُ من حبائلها، لكنه استدركها لهزيمة كبيرة أيضًا جعلتها تتنازل عن بعض ما سرقته من أسيادها، قد يكون هذا الأخ رمزًا لقائد الحرب والسلام.

كل ما جاء في الرواية سيحيلك حتمًا إلى واقعنا الحديث والمعاصر، الذي أراد الكاتب أن يبدأه منذ جاء الألباني محمد علي صانعًا الأفاعي على عينَيه، جاعلًا منها شريكًا في وطن ومالكًا له بعد أن كانت مجرد حماة لحدود القرية من الجرذان. 


هل هي رواية تاريخية؟

------

لن تكون مُبالِغًا إذا قلت إن هذه الرواية موضوعها التاريخ، إنها ترصد تحولات الوطن العربي الذي هو جزء من العالم الكبير، ترصد زعماءه، وحركاته السياسية، وتياراته المتباينة بين تيار مدني عريض أقر بحق الأفاعي في رزقها، وحاول التصدي لها عندما طغت وتجبرت، لكن كيف لمَن لم يفهم مكر الأفاعي أن يدس يده في أوكارها. 

تختطف الأفاعي الرامزة للقوة العسكرية كل مَن تُحدِّثه نفسه بالتصدي لها محاولًا ترويضها ونزع أسنانها بالترفاضة، ونزع سمومها، تختطف الرجل الذي انتخبته القرية وحاول بشجاعة أن يتصدى لها. 

ببراعة يرصد الحقب المهمة التي أثَّرت على المنطقة العربية؛ الاحتلال البريطاني خاصةً، وهزيمة يونيو النكراء، وحرب أكتوبر المجيدة، مرورًا بحقبة الستينيات المريرة، ووصولًا إلى اعتصام أقامته الجماهير التي انتخبت عمدة لقريتها.

* ولن تكون مُبالِغًا إذا قلت إنها رواية واقعية سحرية، تلك التي جعلت من الأفاعي سكانًا يقتسمون الحياة مع البشر وجعلت لهم كبيرًا يتفاوض باسمهم، وينافح عن مكتسباتهم. 

وقد تكون رواية فنتازية؛ إذا وضعنا في اعتبارنا أن الراوي المشارك الذي يسرد الأحداث، قد تحول بفعل معاشرة الأفاعي إلى أفعى، وهنا أحب أن أقول إن الكاتب ربما أراد إدانة العربي البسيط؛ إذ إنه أفعى من حيث لا يدري، لكنه يتصنع الإنسانية؛ إذ لو كان إنسانًا ما قتل والده ولا المرأة المتحضرة التي أحبته، لقد تحول إلى ثعبان مهما ادعى الإنسانية. 

---

لماذا كانت الرواية راصدة للواقع العربي وليس المصري فقط؟

ببساطة، أراد الكاتب أن يصور العالم العربي بكل صراعاته وأطماع العالم فيه، فها هي زيونينة تغتصب كنز العائلة، ثم تتنازل عن جزء منها تنازلًا إستراتيجيًّا لحين قدرتها على الانقضاض مرة أخرى. 

وها هو أبو فهد الخليجي يهبط أرض القرية المصرية يعيث فيها فسادًا بيعًا وشراءً، وبخاصة الصيدلية الرامزة إلى علاج الأمة، ولا تنسَ في أثناء القراءة أن تنتبه للحبشي ابن الحبشية التي كانت تعمل خادمة في بيوت أسيادها ليأتي اليوم الذي يتمكن فيه هذا الحبشي من احتجاز المياه عن القرية التي ترمز لمصر، ومصر التي ترمز إلى العالم العربي. 


‐ وضوح الرؤية جزء من المتعة

------

في مثل هذه الروايات التي تعتمد على الرمز وتقوم على التجريد وتستعين بالمعادلات الموضوعية، يكون وضوح الرؤية جزءًا أصيلًا من المتعة، تخيل أن عقل الكاتب كان مشتتًا، أو أنه لم يستطِع استكمال عناصر الرمز، أو أنه لم يترك المفاتيح بين وقت وآخر لفك الشفرة، أو أنه لا يملك قراءة واعية للمتغيرات الاجتماعية والسياسية في وطنه، أو أنه غير منتبه لما يُحاك لبلاده من مؤامرات.. لو حدث شيء من ذلك في هذه الرواية لسقطت سقوطًا مريعًا. 

* لولا وضوح الرؤية والتصوير بطائرة مُسيَّرة تعتلي أرض الصراع، طائرة ترصد الواقع دون تزييف أو تهويل، لولا نظرة الطائر التي ألمَّت بالوطن العربي وما يعتمل فيه، أقول لولا ذلك؛ ما أتممت قراءتها، واستمتعت بفك شفراتها. 


* والآن دعونا نسأل الكاتب أسئلة فنية: 

لماذا اعتمدت على الراوي المشارك وحده في سرد أحداث رواية بهذا الحجم؟ 

لماذا كان عادل فقط هو الذي يروي القصة بصوته الأوحد؟

لماذا كان السرد متداخلًا بهذا الشكل المعقد؟ ولماذا كان التنقل المفاجئ الذي أصابني بالارتباك؟ 


في نهاية هذه القراءة الموجزة، أود أن أشكر الكاتب الذي لخَّص الصراع المحتدم بين الأفاعي وغيرها، ولخَّص مرحلة صراع مفصلية، رصدها هنا لتكون الرواية شاهدة على عصر وقعت فيه أحداث جسام يوم قررت الأفاعي الانتقام لمقتل واحد منها. 

شكرًا للكاتب الذي وضع الحل مثاليّا؛ إذا أردت قتل أفعى فلا تتركها حتى تنتزع عينَيها، لا تضرب الذيل وتترك الرأس؛ لأن انتقام الأفاعي ليس له حد. 


تعليقات