رئيس مجلس الإدارة

أ.د حسـام عقـل

هبة البازر تكتب: تجديد الخطاب الإصلاحيّ النسائيّ

  • جداريات Jedariiat
  • الأربعاء 03 أغسطس 2022, 9:58 مساءً
  • 801

من آخر صيحات وسائل الطّعن في الشريعة الإسلامية هي تلك الدعوات إلى ضرورة تجديد الخطاب الديني وإعادة قراءة التراث الإسلامي، وما تفرّع عنه من مطالبات في قراءة نسائيّة أو نسويّة خاصة، ومحاولات التأويل النسويّ للنصوص ما هي إلا جزء من منظومة كاملة دينيّة وقانونيّة ومجتمعيّة يريد التيار النسوي ابتلاعها ليعيد صياغتها صياغة نسائية كيفما يريد، وكردّ فعل لهذا خرج تيار مضادٌّ يحاول الحفاظ على كيان المرأة المسلمة، وتصدّر الساحة نتيجة لذلك عدد من الخطابات النسائيّة الإسلامية، منها من ضل الطريق وتحوَّل للنسوية المتأسلمة، ومنها ما بقي ضمن حدود الإسلام خلال مدافعته للتيار النسوي، وذلك الخطاب الإصلاحي الأخير وإن كان وجوده لازماً، ودوره فاعلاً في إبقاء المرأة المسلمة تحت مظلّة الإسلام، إلا أنّه وكحال بعض المشاريع الإصلاحية مازال يحمل في طيّاته شيئاً من الشَّطط أو بعض الشذوذ في الأفكار، ومازال يعاني من الضعف والقصور عن القيام بنهضة حقيقيّة تنهض بالفتاة والمرأة المسلمة، وإن كانت النهضة تحتاج لجهود كبيرة مؤسساتيّة وتنظيميّة، لكن لا يمكن تجاهل تأثير الخطاب الإصلاحي النسائيّ التي تتصدره النساء والموجّه للنساء لقربه وتأثيره في شريحة كبيرة منهن، ولأنه لَبِنَةٌ أساسيّة يرتكز عليها التغيير، وأي شذوذ فيه سيولد شرخاً عميقاً وكبيراً في المنظومة الإصلاحيّة بأكملها.

 

وبتتبع لعدد من تلك الخطابات النسائيّة، يظهر النقص لديهم في التوصيف الدقيق لمشكلات المرأة، وفي إيجاد إجابات شافية وافية عن كثير من الأسئلة المثارة حول قضاياها، بل بعض الإجابات تفتح أبواباً أخرى من التساؤلات إما لتعارضها مع الشريعة الإسلامية أو مع الواقع أو لتعاليها في بعض الأحيان، وأودّ أن أنوّه هنا إلى أنّ الحل الأمثل للتخلص من تأثيرات الفكر النسوي هو بالعودة للثوابت الإسلاميّة الكبرى وبتعزيز اليقين بدين الله وبالتأصيل المعرفي المنهجيّ بالإضافة إلى إعادة تعريف كثير من المفاهيم الخاطئة، ومن المؤسف أن الخطابات النسائيّة المتصدرة لم تكن قادرة حتى على القيام بأدنى دور لها وهو الدلالة إلى ذلك الطريق، طريق العلم الشرعي والتحصّن المعرفي.

 

ولذلك سأحاول طرح أبرز نقاط الضعف في الخطاب النسائي الذي أصبح بحاجة للتجديد ليكون قادراً على مواجهة ما تتعرّض له المسلمة المعاصرة من تشتّت وشبهات، لعلّها تكون إضاءة يسيرة تساهم في التغيير.

 

ضياع المرجعيّة والتأثر بالنسوية

وهما نقطتان مؤثرتان ومتأثرتان ببعضهما، فضياع وتشوّش المرجعية التي نستقي منها أفكارنا ورُؤانا والتي بها نُعرِّف أنفسنا كبشر وأهدافنا ودورنا في العالم، والتي هي مرجعيّة الوحي بالنسبة للمسلمين المنطلقة من مبدأ العبودية لله سبحانه والتسليم لأمره، يجعل من السهل التأثر بالأفكار الوافدة وبالثقافة الغالبة، ويكاد يكون من الصعب الآن ألا نجد فتاة متأثرة بالفكر التغريبيّ أو التيار النسوي ضمن درجات متفاوتة ومن قصد أو دون قصد، وهذا مما يؤثر بشكل كبير وواضح في الخطاب الدعوي النسائي كون المتصدرات أنفسهن ما زلن متأثرات بتلك الأفكار، فما زلنا نشهد تضخيماً لفكرة مظلوميّة المرأة، وتركيزاً على وجود إرادة مجتمعيّة قاهرة سعت وتسعى لتهميشها على كل الأصعدة، أو التمجيد بالأنثى والتمركز حولها..الخ.

 

 الفصل والتعميم

ويتمثل أولاً بفصل مشاكل المرأة عن مشاكل المجتمع لتظهر وكأنها الوحيدة التي تعاني، ولا يتم ثانياً الأخذ بعين الاعتبار اختلاف المجتمعات التي تعيش فيها النساء، واختلاف أحوالهن أيضاً وظروفهن، وكثيرًا ما تحصَر مشكلة المرأة ضمن مشاكل مجتمع معين، ثم تعمَّم على بقية النساء، ولا تراعى ما تتعرض له النساء في أماكن أخرى، فحال المرأة التي تعيش في مجتمع محافظ ملتزم لا يشبه بأيّ وجه من الوجوه حال المرأة المسلمة التي تعيش في مجتمع منفلت متهاون، ومشاكل المرأة التي تتنعّم باستقرار وأمان مختلفة عن مشاكل امرأة تعيش في بلد حرب أو تعاني من الفقر وضيق العيش، فلا بدّ من النظر في اختلاف الظروف والأحوال، وتقييم حال المرأة مع النظر في حال المجتمع ككلٍّ، لأنه يؤثر بلا شك على وضع الأفراد فيه.

الحرب على جبهة واحدة

من مهام المصلح أن يمعن النظر في القضايا ليضع يده على المسبّبات الحقيقية لأيّ قضية، حتى لا تضيع الجهود في التركيز على الإصلاح في جانب واحد، أو -بتوصيف أدق- على الحرب على جبهة واحدة، بينما لدينا جبهات أخرى مفتوحة تعصف بالنساء المسلمات من كل جانب، ومشكلة حصر مسببات مشاكل المرأة في جانب واحد ظاهرة ملحوظة، فغالباً ما تُوجَّه أنظار النساء إلى أن المشكلة هي الرجل الذي فرض عليهن أحكاماً خاصة بهن مجتمعيّاً أو دينيّاً، وهو خطاب ذو إشكال كبير لأنه لا يقضي على التعصّب النسائيّ ضد الرجال الذي بات واضحاً لدرجة وجود نساء لا يقبلن حقّاً من أيّ رجل، ويؤثر بالإضافة لذلك في نظرة المرأة لمشاكلها، فلا تضع احتمال أن تكون هي طرفاً في المشكلة فتحاسب نفسها وتصلح حالها، وإن كان هذا على صعيد المرأة نفسها، فعلى صعيد أوسع يتم تجاهل التفلّت الديني بين النساء والتعصب للأعراف والتقاليد، والغرق في الماديّات والملهيات، علاوة عن عدم توجيه الجهود لمجابهة مصاب عظيم وهو ظهور التيار النسوي بين المسلمات، وتزايد تأثّرهنّ بالتيار الإلحادي.

 

لغة الطبطبة

وهي لغة تخاطب العاطفة لا العقل والفكر، ولعلنا نرى أنها أكثر ما يصبغ الخطابات النسائيّة، وإن كان ذلك أمراً متفهماً لأنه من طبيعة المرأة، ولكن يجب ألّا يخرج ذلك عن حدود العقل والمنطق، ولن تستطيع المرأة أن تسيطر على عاطفتها الغالبة إلّا إن كانت مدركة ومتقبلة لوجودها، ومتحلّية بالأناة قبل نشر أو توجيه أي خطاب، وأن تدرب نفسها للسيطرة على مشاعرها، ولكن ومن المؤسف أن هذا قليلاً ما يحدث والخطابات في غالبها متأثرة بالفورة العاطفية وموجهة لعاطفة الفتيات ولا تخاطب عقولهنّ، ولاي تم اعتماد المحاججة والإقناع، فلا عجب بعد ذلك أن يظهر الضعف في الخطاب وألّا تقبله كثير من الفتيات.

 

النّواح بدلاً عن التوعية

وهو فرع من النقطة السابقة، فلا يجب البقاء في حالة حداد على حال المرأة أبد الدهر، ما نحتاجه هو التغيير الحقيقي، والاهتمام بزيادة وعي المرأة المسلمة بواجباتها وحقوقها الشرعية، وبدورها كَأَمَة مسلمة في الإصلاح والمجتمع والأسرة، وعلى بناء شخصيّة قويّة ثابتة الركائز والأركان ومتيقنة من إيمانها بربها، تشعر بالاطمئنان والرضى مهما أَلَمَّ بها من النوازل.

 

التأثّر بالتجارب الشخصيّة والهوى

هناك فارق بين أن يغلّب الإنسان شرع الله ويكون لسان حاله وقلبه سمعنا وأطعنا، وبين أن يغلّب الهوى بأن يجد منافذ وتأويلات لكلّ حكم، فأن نجد عبارات مثل أقرّ أن التعدد مما أحل الله، ولكن يشترط لصحته رضى الزوجة الأولى أو يجب إلغاؤه لأن كثيرًا من الرجال لا يطبقونه بالشكل الصحيح، أو يجب تقبل خروج المرأة والاختلاط لأنه -كما يشار- أصبح واقعاً، وربما هو واقع المتصدّرة فقط، فهذا من الهوى، وبعضهنّ يقعن بفخ فقه الواقع، وتعميم فتاوى خاصة، ويحاولن بناءً على ذلك تقويض أو إلغاء بعض الأحكام الشرعيّة، وللمفارقة فإن محاولتهنّ لتغيير بعض الأحكام بناء على قواعد فقهية، هو ذاته ما يستنكرنه على مجموعة من العلماء في حقبةٍ ما، بدعوى أنهم تذرّعوا بالفقه ليُشددوا على المرأة، وإن كانت القواعد الفقهيّة “كالمشقة تجلب التيسير” و “ما حرم سداً للذريعة يباح للحاجة والمصلحة الراجحة” وغيرها معتبرة في الشرع لكن لا يبت بها إلّا عالم فقيه يشهد لعلمه وعدالته.

 

فجوة الأجيال وتحرير المصطلحات

هناك حلقة مفقودة بين الخطاب الدعوي القديم وبين الحديث، ومشكلة التقاعس عن مواكبة النوازل الحديثة والمشاكل المعاصرة التي تواجه الشباب المسلم ظاهرة لا تختص بخطابات المرأة فقط بل بأي نوع من الخطابات الدعوية، فالخطاب يجب أن يكون مناسباً لمتغيرات العصر وللغة الشباب ومتابعا للتطورات والصعوبات التي تتعرض لها الفتاة المسلمة اليوم.

 

ونحن نرى -بسبب التأثر الكبير بالثقافة الغربية- أنه قد وفد إلى المجتمعات المسلمة مصطلحات كثيرة لا نجد لها تعريفاً واحداً محدداً، ولا ينظَر في معانيها ومدلولاتها ذلك النظر الخبير، وكثيرٌ منها فاسد المعنى والتطبيق، فلا يصح استخدام مصطلحات مثل استقلال المرأة وتمكينها دون فهم جذور الكلمة وإسقاطاتها في الواقع التي جاءت منه، ولا بد من تحرير المصطلحات من الرواسب الفكريّة والثقافيّة والمجتمعيّة الفاسدة وإعادة تعريفها وصياغتها تجنّباً للّبس.

 

تجاهل الرجل

النساء شقائق الرجال والحياة بينهما تعاونيّة وتكامليّة، وكما يُلزم الرجل بمحاولة فهم المرأة وجب العكس أيضاً على المرأة، وتجاهل الاهتمام بمعرفة فوارق واختلافات الرجل عن المرأة، أدى إلى خلق نوع من أنواع الخطابات المُقزِّمة من حاجات الزوج الجسديّة والنفسيّة، وإلى تشكّل حالة من الاستهزاء بين الفتيات من طبائع جبل الله الرجال عليها، وإلى تهاون واضح في التعامل مع بعض المحرمات والأمور المشكلة كالاختلاط والخضوع في القول والتزيّن وفتنة النساء للرجال، فكيف لا نتجنّب الفتنة وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخطرها، فقال: (ما تركت بعدي في الناس فتنة أضرّ على الرجال من النساء). [متفق عليه]

 الاستسلام للشبهات

يجب ألا يقبل المرء التسليم ببعض الشبهات قبل تفكيكها وفهمها وفهم الإجابات التي تبيّن تفاصيلها وسياقاتها، فلا يقبل مثلاً أبداً أن تستسلم الدَّاعيَة لدعوى ذكوريّة الفقه، وإلى أن علماء كثر تحيّزن بفتاواهم ضد النساء، ويجب ألا يكون هناك تجاهل لمثل هكذا ادعاءات تحتاج ممن ادعاها إلى الحجة والبرهان عليها، وعلى من تلقّاها بالتمحيص والتدقيق لا التسليم بها تعاطفاً مع المرأة، فإن ذكرنا مثلاً شبهة غياب المرأة عن الساحة بسبب آراء فقهية لفترة من الزمن، يجب أن ندقق هذه الشبهة جيداً، فهل كان هذا هو السبب فقط؟ أم أن الأمر له نسبةٌ وتناسب، فبروز دورٍ للمسلمات في عصر مضى كان مقترناً ببروز واضحٍ للرجل المسلم في ذلك الوقت لانتشار العلم والأمان، وغياب المرأة المسلمة في فترة زمنيّة ما كانت مقترنة أيضاً بغياب الرجل المسلم بسبب الاستعمار وانتشار الجهل، وهل المشكلة في الفقه أم أن الأمر مرتبط بجهل مجتمعي بحقوق المرأة في الإسلام، أو ربما كان قراراً من نفسها إن لم تر في خروجها ما يحفظها ويحميها في مجتمعات تأثرت بالفكر التغريبي وفرضت على المرأة الاختلاط حتى في دروس العلم الشرعي فأَنِفت الخروج واختارت القرار في المنزل.

 

المرأة تطلب الحق

تعريف المرأة بحقوقها وتوعيتها بها لا يأتي من ضمن الانطلاقة الشهيرة “ماذا يجب أن أُحَصِّل” بل من باب ردّ الشبهات التي تحيط بحقوق المرأة في الإسلام، وهذا يوجب علينا ألا نغفل عن أنّ المرأة وإن كانت مختلفة عن الرجل إلّا أنها بشرٌ لا تخرج عن حدود البشريّة، وتقتضي فطرتها التي أودعها الله بها البحث عن الخالق والإيمان به والتّسليم له، فهي تطلب الحق وتحتاج إلى من ينير لها الطريق الذي يقربها إلى الله ومن الجنة، فمن تطلب الحق والدار الآخرة لا تهتم كثيراً بماذا سَيُقدَّم لها من حقوق نتيجة تديّنها، بل تهتم بكيفية تحقق التديّن الذي به نجاتها من النار، وبتعلّم ما يساعدها لتكون امرأة مؤمنة وزَوجة صالحة وابنة بارّة ومربية واعية.


نقلا عن منصة السبيل

 

تعليقات