هل يمكن التطبيع مع الإلحاد والربوبية؟.. هيثم طلعت يرد

  • أحمد حمدي
  • الأربعاء 03 أغسطس 2022, 9:51 مساءً
  • 461
هيثم طلعت

هيثم طلعت

قال الدكتور هيثم طلعت، الباحث في ملف الإلحاد، إن هناك فتاة مغربية تدعى "م. س." الناجي، تعلن عن ردتها عن الإسلام، وترسل برسالة لملك المغرب مطالبةً بالتطبيع مع الإلحاد.

وأوضح في منشور عبر حسابه الرسمي على ـ فيسبوك ـ أنه سيرد عليها من ثلاثة محاوره:  الربوبية والإلحاد، وحقوق الإنسان والمساواة من منظور ربوبي!، ثم بطرح سؤال: هل يمكن التطبيع مع الإلحاد والربوبية، أم أنَّ هذا محض وهم وتشغيب ولفت أنظار؟

(1) الربوبية والإلحاد

الربوبية تعني إثبات الخالق وإنكار النبوات، وهذا مذهب أهل الجاهلية {قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمَـٰنُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ} ﴿١٥﴾ سورة يس، {قَالُوا بَلَىٰ قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّـهُ مِن شَيْءٍ} ﴿٩﴾ سورة الملك، فهؤلاء يثبتون الخالق وينكرون النبوات، ومن نَظَر في حال الربوبية سيجد أنهم يعتنقون نفس التأصيلات الإلحادية ولا فرق.

وتابع: فالرب عندهم وجوده كعدمه، الرب عندهم يطعمهم ويرزقهم ولا يحاسبهم، فالربوبية معطلة لصفات الرب بالضرورة، فهم لا يثبتون ربًّا حيًّا قيومًا، له إرادة وتدبير وتقدير، خَلَقَ خلقه بالحق والحكمة، وإنما هم ينسبون لإلههم أنه خلقهم هملاً وأنهم إليه لا يرجعون.... تعالى الله عن إفكهم، فالربوبية في نهاية المطاف يحملون نفس تأصيلات الملاحدة ولا فرق.

وأردف "طلعت" ولذلك يُسمِّي ريتشارد داوكينز مذهب الربوبية بـ: "الإلحاد المبالغ فيه sexed-up atheism".  god delusion, p.19 إذن فالربوبية في الواقع يصنعون وثنًا ينسبون له ما يشاءون وما يريدون من صفات ويتخذونه إلها {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّـهُ عَلَىٰ عِلْمٍ} ﴿٢٣﴾ سورة الجاثية

فهذا مذهب إلحادي وثني جاهلي قديم بلا مراء!

والسؤال هنا: هل عند الربوبي حجة واحدة على كفره بخالقه وهل يملك برهانا على ما اتخذ من وثن؟  {إِنْ عِندَكُم مِّن سُلْطَانٍ بِهَـٰذَا ۚ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّـهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} ﴿٦٨﴾ سورة يونس، فهم صنعوا هذا الوثن واعتبروه إلها لهم حتى يمضوا في أهواء عقولهم كيفما شاءوا من غير شرعٍ يُلزم أو دينٍ يَقودُ؛ إذن فالربوبية هي: إلحاد وثني جاهلي.

(2) حقوق الإنسان والمساواة من منظور ربوبي!

عندما صنع الربوبي هذا الوثن ونَسَبَ له ما شاء من صفات بهوى عقله واتخذه ربا، هو هنا قام بتسميم كل معنى أخلاقي! فالربوبية هي أفيون القيم الأخلاقية والمساواة!لأن الربوبية بصناعتها لهذا الوثن وبالتالي نفيها للعقاب والحساب والتكليف الإلهي هي بهذا قدَّمت عزاءًا ضخمًا لكل المجرمين والقتلة والزناة بأنه لا بعث ولا حساب!  وداخل هذا التخدير المُتعمد للقيم تصبح كل فاحشة مستباحة.

ولذلك فلاسفة ما بعد ديكارت عندما أرادوا التأسيس لإثبات الأخلاق والمساواة، قالوا: لا يمكن إثبات الاخلاق والمساواة إلا بثلاثة أركان، ولو اختل ركن واحد منها لانهار معنى الأخلاق تمامًا.

وهذه الأركان الثلاثة هي: الأول: إثبات وجود الخالق القيوم، الثاني: إثبات البعث بعد الموت للحساب والعقاب، الثالث: إثبات حرية الإرادة، ولو اختل ركن واحد من هذه الأركان الثلاثة ستنتهي الحجة الأخلاقية للأبد... لن يكون هناك معنىً للمساواة.

فلابد من التسليم بالبعث والحساب والتكليف، حتى نقرر وجود قيم أخلاقية ملزِمة للجميع، أما غير ذلك فلا معنى للأخلاق ولا مانع عقلي من ارتكاب كل جريمة فلا حساب ولا عقاب!

ولو كانت الربوبية صحيحة فليس هناك مانع عقلي من إبادة الجنس البشري بأكمله، فلا عقاب ولا تكليف ولا دين.

وشدد هيثم طلعت على أن مشكلة المؤمنين بالربوبية أنهم يحوزون ديانتين متناقضتين في نفس الوقت:  فهو ينكرون قيومية الله وتكليفه لعباده وحسابه لهم، وفي نفس الوقت يؤمنون بالقيم الأخلاقية وهذا تناقض مدهش، فكيف تؤمنين بالقيم الأخلاقية والمساواة وفي نفس الوقت أنتِ ربوبية هاتان ديانتان متناقضتان تمامًا!

وأكمل: فالمساواة بين البشر هي مسألة دينية بحتة، فإذا لم يكن هناك تكليف وإلزام ديني وكانت هي دنيا فحسب، فالناس بجلاء وبلا أمل غير متساوين، وتأسيسًا على الدين وعلى التكليف الإلهي فقط يستطيع الضعفاء المطالبة بالمساواة، فالربوبي يعيش تناقضًا عجيبًا، ولذلك يستحيل أن يكون الإنسان ربوبيًا كاملا حتى ولو تمنى ذلك من كل قلبه، والربوبي مثل كل إنسان يشعر بالتكليف الإلهي بداخله، فهو مكلف ويعلم أنه مكلف وهو يؤمن بفطرته بوجود القيم الأخلاقية الكلية والتي عليها الإجماع الفطري الإنساني، فكيف له بعد ذلك أن يسلم بالربوبية؟

سيعيش تناقضًا مدهشًا، ولن يستطيع أن يدافع عن أية قيمة أخلاقية من خلال الربوبية، إذن فالخلاصة: يستحيل التأسيس للقيم الأخلاقية أو المساواة من خلال الربوبية.

(3) هل يمكن التطبيع مع الإلحاد والربوبية أم أنَّ هذا محض وهم وتشغيب ولفت أنظار؟

لا أدري إن كانت هذه الفتاة الربوبية قرأت في تاريخ الربوبية في القرن العشرين أم لا؟ وأظنها ما قرأت!

الربوبية أدَّت لقيام أكبر حرب دموية في تاريخ الجنس البشري، وهي الحرب العالمية الثانية فهتلر كان ربوبيا

Alan Bullock; Hitler: a Study in Tyranny; 1991; p216 وقادة الجيش النازي كانوا ربوبية، مثل هاينغيك هيملر Heinrich Himmler   فالفكر الربوبي أزاح الستار عن إجرام بشري مروع {كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ ﴿٦﴾ أَن رَّآهُ اسْتَغْنَىٰ ﴿٧﴾} سورة العلق فالفكرة الربوبية فكرة خطرة، والفكر المادي في المجمل فكر خطر، وكل تمرد على الله العلي القدير الحكيم هو تدمير للإنسان قبل أن يكون تدميرًا لشيء آخر!

واختتم هيثم طلعت: تناولت هذه الفتاة الربوبية موضوع الإرث في الإسلام، وهي ربما لا تعرف أن الإرث بحسب  موقع الجيل الوارث، فمَن تحمل النفقات أكثر كان له نصيب أكبر من الميراث كحال جيل الأبناء.

أما في حال جيل الآباء حين تتساوى النفقات تقريبا، فهنا نجد أن الرجل يرث مثل المرأة {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ} ﴿١١﴾ سورة النساء.

وقد يزيد نصيب المرأة عن الرجل في الميراث، وهناك 34 حالة ترث فيها المرأة أكثر من الرجل أو تُلغيه من حسبة الإرث، فالحكمة الإلهية في كل تشريع إسلامي هي حكمة بالغة لمن تدبرها بعقل وإنصاف.

 

تعليقات