رئيس مجلس الإدارة

أ.د حسـام عقـل

حوار.. ياسمين مجدي: جئت الدنيا كي أكتب.. والمرأة العربية تحتاج لدعم مؤسسي حقيقي

  • زكريا صبح
  • الإثنين 25 يوليو 2022, 03:37 صباحا
  • 825
ياسمين مجدى

ياسمين مجدى

 

«جئت الدنيا كي أكتب، هذه مهمة لي في الحياة، الكتابة هي المكان الحقيقي الذي أجد نفسي عنده»، بهذه الكلمات لخصت الكاتبة ياسمين مجدي، مشوار حياتها، في حوارها مع "جدرايات" والتي كشفت فيه عن أهم المحطات في تاريخها، وأبرز أعمالها، ورؤيتها للمشهد الثقافي.

وإلى نص الحور...

 

حديثنا عن أحدث روايتك الأحدث (سيرة الكائنات)؟


لكل إنسان أكثر من حكاية، ويصعب أن نعرفها جميعًا؛ لذلك جاءت رواية (سيرة الكائنات) لتُقدِّم أكثر من قصة حياة لامرأة واحدة، امرأة في هذا العالم المعاصر مهددة بأعداء افتراضيين وحب وهمي، وأشخاص تستعير أصواتهم أحيانًا، وهم ينتحلون شخصيتها أحيانًا أخرى.

 تحاول البطلة أن تجعل من هذا العالم المتشابك عالمًا أخضر يجتمع شمل كل الغرباء فيه وتجد ذاتها.



في ظل سيطرة المادي على المعنوي في هذه المرحلة من الحياة، ماذا يُمثِّل الأدب بالنسبة لكِ؟

الأدب هو السؤال الدائم كي نفهم رحلة الحياة؛ لذلك كل كتابة هي سؤال جديد. بالنسبة لي أريد أن أفهم مسيرة الإنسان، الصلة بغيره من البشر، علاقته بذاته واتساق واقعه مع أحلامه ورغباته.

 ما أفعله أني أفكك العالم إلى حكايات وأراقبها وهي تنمو، تصرفات الإنسان تتكشف حينها للكاتب؛ كما لو أنها أرض جديدة لم يعرفها أحد من قبله، أرض اسمها الإنسان.

 

 لكل امرأة طموحات وأهداف، فهل تراهنين على الأدب في تحقيق أحلامكِ؟


أظن أنني جئت الدنيا كي أكتب، هذه مهمة لي في الحياة، الكتابة هي المكان الحقيقي الذي أجد نفسي عنده، حيث مساحة الحرية واسعة على الورق، في الكتابة يمكنني قول ما أرغب به، ولا مكان لقوله في الحياة اليومية. أما بالنسبة لتحقيق الأحلام عبر الأدب فالأمر نسبي، ربما كلمة محبة من قارئ تكون هي السعادة أو مقالة نقدية تفكك الرواية وتُقدِّر الجهد المبذول للمؤلف.

وأنا أؤمن أن الكاتب الحقيقي لا بد سيحقق أحلامه للوصول حتى ولو طال الوقت.

 فبعض الكتاب تحققوا وعرفوا بعد وفاتهم، لا أظن أن كافكا مثلًا وهو يكتب (المسخ) عن إنسان يتحول إلى حشرة، كان يصدق أنه عظيم أو متحقق، ومع ذلك أصبح كافكا اسمًا مهمًّا في الأدب العالمي المعاصر؛ لذلك نحن نصنع الأحلام ونتركها لرحلة حياة تخوضها حتى تضيء.


هل تفاخر المرأة بحسها الأدبي المرهف بين نساء يفاخرن بكل ما هو نفعي وله مردود مادي؟


أظن المرأة ذات الحس الأدبي لا تقتحم العالم بسهولة، فهي مثل كل كاتب؛ مهتمة بمراقبة الآخرين والمواقف واللحظات والتعبيرات والوجوه، مهتمة أن ترجع خطوة للخلف؛ كي يبدو العالم أوضح والصورة كاملة.

ربما المبدعون لا يملكون ما يفتخرون به من وجهة نظر العامة، فالحكايات لا ثمن نقدي لها، ومع ذلك يبدي الناس اهتمامهم بالكاتب.

أذكر في كثير من المواقف وفي مقابلات شخصية أو معامل تحاليل أو هيئات مختلفة، وجدت اهتمامًا من الناس بوظيفة الكاتبة المدونة بجوار اسمي، فيبدءون حوارًا معي، ويسألوني عما أكتب، وأسألهم عن الأسماء التي يقرءون لها. في تلك اللحظات أرى تقديرًا حقيقيًّا وإعجابًا لمجرد أنهم التقوا بكاتب.

 

 متى تشعر المرأة المعاصرة بالاغتراب؟

الاغتراب صفة وثيقة الصلة بالإبداع؛ لذلك يصنع المبدعون عوالمهم التي ينتمون لها بخلاف العالم الواقعي، فيكتب الأدباء كي يجدوا العالم الذي يصدقونه، والذي يحلمون به. يصنعون العوالم الورقية بمقاسات يرضونها بكثير من الحب أو الأمل أو الحرية.


هل تفضلين القول السائد بأن إنتاج عمل أدبي هو بمثابة ولادة مخلوق؟ أو أن إنتاج العمل الأدبي هو خلق من عدم أو إعادة خلق لما يظنه البعض ميتًا؟


أحب أن تأتي أعمالي من مكان سري، لا أجهز الكلمات أو أضع الخطط، إنما أجلس إلى الورقة البيضاء وأفتح أبوابي؛ كي تأتي الحكايات ويتحرك الناس. من أين يأتون؟ لا يمكن أن يكون ذلك هو إحياء لهم من عدم، فهم محملون بحياة غامرة، وربما أبطال الحكايات مروا بنا في الشوارع التي نسير فيها، في المواصلات، في كلام الناس وفضفضتهم، إنهم أحياء بالكامل في ذاكرة ما مخبأة داخلنا، وعندما يحين أن يخرجوا للنور من جديد يأتون من عمق الذاكرة. أنا أصدق في قوة العقل الباطن، وفي قدرته على فتح مخازن مليئة لا نعرف عنها شيئًا. وبالطبع مع بعض الجنون تصبح الحكايات بخير.

 

أيهما يسعدك أكثر: الجائزة المادية عن الرواية أم الانتهاء منها؟


مَن قال إن الانتهاء من كتابة رواية سعادة؟! الانتهاء من كتابة رواية يشبه اليتم، فلن تعود لزيارة الأشخاص أو سؤالها عن الأحداث الجديدة التي تمر بهم. عندما تفارق أبطالًا عشت في حياتهم لشهور طويلة ستحتاج للتكيف من جديد مع الفراغ، مع العيش دون خطة أو متابعة لأحداث جديدة تنمو. وعندما تكتب كلمة «تمت» تُحرِّر أبطالك من سطوتك، فتصبح لهم حياتهم بعيدًا عن أي تدخُّل منك. فقط بعض الراحة ستشعر بها بعد انتهائك من كتابة رواية؛ كأنك ترتاح بعد طول ركض.

 

أما بالنسبة للجوائز، فيعجبني أنها دعاية للكتاب وللمؤلف، وهو أمر يحتاج إليه الكاتب بشدة في الوطن العربي؛ لندرة العمل المؤسسي الثقافي الذي يدعم الإبداع. لكن يبقى أن الجوائز ليست حُكمًا قيمًا على العمل. فهناك أعمال وكتاب كبار لم يحصلوا على جوائز أبدًا.

 

 ما رأيكِ في مفهوم «النسوية»؟ أليس هذا المفهوم يُعَد مصادرة على جوانب بعينها تخوض المرأة حقول الإبداع فيها؟


النسوية ليست تهمة لنحاول إنكارها، وأنا أرى أن هناك بالفعل نصوصًا نسوية، وقد يكتبها رجل أو امرأة، مثلًا: كتابات إحسان عبد القدوس نموذجًا، وهي التي كتبها على لسان نساء أو دارت في عوالم أنثوية.

لكن هذا لا يعني أن كل ما تكتبه المرأة هو أدب نسوي، إنما تُقدِّم المرأة الكاتبة بعض التجارب النسوية بجوار تجارب أخرى تخرج فيها للعام والتاريخي، مثل: رضوى عاشور، أو سلوى بكر، وغيرهما كثيرات. والحكم على أيِّ تجربة أو كتابة هو الجودة والإضافة التي يقوم بها النص والمصداقية التي يتناول بها عالمه.

العوار الكبير أننا للأسف حينما نقول أدبًا نسويًّا، فهناك نية خفية للتقليل من قيمة الكتاب بذلك وكأنه كتابة ضعيفة أو غير جيدة، كأن المجتمع يمارس هيمنته وذكوريته على التصنيفات الأدبية، حتى إذا قلنا امرأة أو نسوية فمعناه كتابة ضعيفة.

المعيار الحقيقي أن تكتب النساء بصدق وبإتقان ما يصدقنه.

 

 أيهما تفضلين: ياسمين مجدي الروائية أم كاتبة الأطفال؟


الرواية أحد أعمدة حياتي، أحب تلك الحياة الواسعة، التي أشغل كل تفصيلة من تفاصيلها على مهل حتى تكتمل بناءً كبيرًا، وكل حركة وكل شخصية تصنع زاوية أعمق للعالم، والكلمة والسطر التالي تجعل الفكرة تتسع والمعاني تتجدد فتلدنا الحكاية مرة أخرى. أحب الرواية؛ لأنها رحلة طويلة في قطار، عندما أصل في النهاية أكون قد جربت حياة كاملة، ونحن نكتب كي نجرب حيوات لم نتذوقها من قبل، أنا روائية قبل كل شيء وبعد كل شيء.

أما الكتابة للطفل فهي تعيدني لطفولتي، لتلك الكتب الملونة التي أحضرتها لي أمي وأنا صغيرة، وغيرها من الحكايات العالمية وزيارات معرض الكتاب لأختار كتبًا جديدة. أيضًا الكتابة المعاصرة للطفل تطورت وأصبحت مليئة بالخيال تسمح لك أن تترك كل حساباتك الأرضية، وتصنع بيتًا على سحابة؛ حيث تقول ما لا يمكن قوله في مكان آخر.


كيف تقيم ياسمين مجدي تجربتها البحثية الفريدة والوحيدة في كتابها (كواليس حكايا إسرائيلية)؟


بالإضافة إلى ذلك الكتاب كنت مؤلفًا مشاركًا في عدد من الكتب والدراسات البحثية، ما حركني لكتابة هذا الكتاب هو الفضول والرغبة في الكشف عن مجتمع بعيد كل البعد عن إدراكنا، رغم أنه جغرافيا في قلب المنطقة، خاصةً أنني عندما أعددت الكتاب عرفت كيف يتابعونا بشدة ويقرءون الكتب العربية، ويُعلِّقون على أحداث وشخصيات عامة عربية، ويطالعون الصحف المصرية والمؤسسات الثقافية. إنه جهل شديد أن نكون نحن في المقابل مغيبين ولا نعرف هذا الآخر الذي نواجهه.

كتبت في هذا الكتاب عن الخلافات والانقسامات السياسية والدينية الموجودة هناك، وقدَّمت مظاهر اجتماعية وممارسات دينية وحياتية، وحتى الجرائم ونظام السجون. في النهاية بدا هذا الكتاب واحدًا من حكاياتي، وجزءًا في مشروعي المليء بالحكايات.



بصفتكِ أديبة وصانعة وعي ثقافي، كيف تنظرين لوضع المرأة العربية وما توقعاتكِ لها؟


لا أظن أنها بخير، على مدار سنوات تم الترسيخ لتنحية المرأة في درجة تالية؛ لذلك أغلب ما تفعله المرأة هو التخلي عن ذاتها؛ كي تصبح ذلك الكائن الأفضل.

أفكر أحيانًا أن قوانين الحروب تمنع قتل النساء والأطفال في الحروب، ليس لأنهم ضعفاء، بل لأنهم الامتداد الحقيقي للحياة، وكل صلة وعلاقة إنسانية عائلية هي صلة للرحم؛ أي صلة لرحم تلك المرأة الذي يمتد عبره الحياة والحب والناس.

المرأة العربية تحتاج لدعم مؤسسي حقيقي، يسند العثرات الاجتماعية التي تواجهها، ويدعم الأعباء التي تحملها؛ كي تصبح امرأة عاملة وفي الوقت نفسه سيدة عائلة ناجحة.


نبذة عن ياسمين مجدي

يذكر أن ياسمين مجدي، ولدت في عام 1987، وتخرجت عام 2008 في كلية الإعلام قسم صحافة.

بدأت نشر أعمالها الأدبية في أثناء دراستها الجامعية للصحافة، فأصدرت روايتها الأولى (امرأة في آخر عمر الأرض) عن (الدار للنشر والتوزيع)، القاهرة، 2006، وفي أثناء دراستها أيضًا بدأت ممارسة الصحافة والكتابة والترجمة في عدد من المؤسسات الصحفية. حصدت عددًا من جوائز الرواية في مطلع مشوارها الأدبي، مثل: جائزة نادي القصة في الرواية عام 2007، وجائزة المسابقة الأدبية الهيئة العامة المصرية لقصور الثقافة في الرواية، عام 2007- 2008.

حصلت على أول جائزة عربية لها عام 2009، وهي جائزة (دبي الثقافية للإبداع)، المركز الأول، عن روايتها (معبر أزرق برائحة الينسون)، وصدرت الرواية عن (دار الصدى) مانحة الجائزة.

أسهمت ياسمين إسهامًا أدبيًّا فاعلًا عندما كانت عضوًا في لجنة الإعلام باتحاد كتاب مصر في الفترة بين 2010 و2014، وكانت عضوًا في هيئة تحرير (نشرة اتحاد كتاب مصر) الشهرية.

اتجهت للمشاركة في الدراسات البحثية الأدبية والتاريخية، فشاركت في موسوعة (القدس معرفة في سبيل التحرير)، الصادرة عن (مكتبة الشروق الدولية) بالقاهرة، 2010. وكانت كاتبًا مشاركًا أيضًا في كتاب (الحركة النسائية الفلسطينية)، الصادر عن (مكتبة جزيرة الورد) بالقاهرة، 2011.

أصدرت رواية (قوارب الشمع)، عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، 2012.

 وكانت رواية (قوارب الشمع) هي العدد الأول في سلسلة (كتابة) التي بدأت الهيئة العامة لقصور الثقافة في نشرها حينذاك، وتم ترشيح الرواية ضمن القائمة القصيرة لجائزة ساويرس فرع الرواية، عام 2014.

تعليقات