أفلا تبصرون.. هل رأيت نمل الباندا من قبل؟!
- الأحد 24 نوفمبر 2024
الدكتور مصطفى عطية
شارك الدكتور مصطفى عطية، وهو روائي ومسرحي، أستاذ النقد الأدبي والإسلاميات
والحضارة، ببحث حمل عنوان "الإلحاد الجديد في العالم الإسلامي: المظاهر والمسببات
والسياقات"، في الندوة الدولية للإلحاد في العالم الإسلامي، التي نظمتها الهيئة
العالمية للعلماء والباحثين، بالمملكة المغربية، يوم الأحد 17 يوليو 2022.
وقال ـ عبر حسابه الرسمي على فيس بوك ـ إن البحث توقف عند ظاهرة الإلحاد التي تم رصدها عند
كثير من شباب العرب وشيبها في العقود الأخيرة، والتي لم تكن نتاج بحث وطول نقد وتفكير، وإنما كانت انجرارًا
مع التيّار أو ضياعًا مؤكّدًا لمن لا أساس علمي له أمام الشبهات الملقاة عليه، فالإلحاد
المتصاعد لدى كثير من شباب العرب اليوم بعيد كلّ البعد عن دعاوى العقل والبحث، لأنه
لم ينبع منهما بكل بساطة، وإنما كان مرآة لتقليد الغرب وانكسارًا أمام الشبهات.
وكشف تفاصيل البحث قائلا: فكرة البحث
تتلخص في السؤال التالي: ما أبعاد الموجة الجديدة للإلحاد في العالم العربي، وما الفلسفات
المستندة عليها، وعلاقتها بالواقع المعيش في بلادنا؟
وفي ضوء ذلك، يأتي
هدف البحث متمثلاً في: الكشف عن الجذور الفكرية لموجة الإلحاد الجديد، ممارساتها، وشعاراتها،
ومن أجل ذلك عدة أسئلة أبرزها:
-ما الفلسفات والسياقات التي أنشأت موجة الإلحاد الجديدة في
العالم الإسلامي؟
- ما أبرز الشعارات والممارسات التي يرفعها الملحدون العرب؟
-ما الرؤى الاستشرافية المقترحة لعلاج ظاهرة الإلحاد المتصاعدة
عربيا؟
وتكمن خطورة الملحدين
الجدد في إنتاجهم الفكري الذي أصبح منهجاً دراسياً في بعض المدارس والجامعات. فهذا
ستيفن وينبرج، الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء، يقول بوضوح: ينبغي أن يفيق العالم
من كابوس الديانات، وعلينا كعلماء فعل أي شيء لتخفيف قبضة الدين، وهذا سيكون عطاؤنا
الأكبر للحضارة!
إن موجة الإلحاد
الجديد لها أبعاد سياسية أهمها الترويج للإسلاموفوبيا، فيذكر زعيم الملاحدة الجدد
"ريتشارد دوكنز": إن أحداث 11 سبتمبر 2001 حوّلته من ملحد مسالم إلى ملحد
أصولي ضد الإسلام! ويكاد الملحدون العرب يتفقون على شرعية الوجود الصهيوني في فلسطين،
ولا بأس لديهم من تقسيم المسجد الأقصى، أو هدمه، فهو مجرد بناء ديني، والدين عندهم
خرافة.
وشعار الملحدين العرب يصوغونه في عبارة: “سنخلق عالمنا بأيدينا، انتهى عصر تكميم
الأفواه، لن يستطيع أحد أن يقف أمام عالمنا الجديد، وسنكتسب كل يوم أعضاء جدد في دنيانا
البعيدة عن أيديكم..” وتتكرر كثيرا في صفحات
الملحدين العرب على مواقع التواصل الاجتماعي.
ويظن البعض أن الإلحاد عقلاني، وقادر على الحجاج المنطقي، وأن براهينه، وأدلته
علمية، ومنهجيته صارمة، في حين أن الإيمان مجموعة من المسلمات واليقينات القلبية ينقصها
الدليل وتعوزها الحجة، ويغيب عنها برهان العقل وأنواره، لكن الإلحاد لا عقل له، ومسلك
غير علمي، ويعتريه العوار المنهجي، فهو كاليد الواهية الصغيرة التي تظن أن في مقدورها
حجب الشمس الساطعة عن الأرض الفسيحة.
فالإلحاد المعاصر، كرر مقولات الملحدين
السابقين، ولم يأت بجديد، لكن الملمح الأبرز فيه هو أن العلم والتقدم التكنولوجي والمعلوماتي
خلق نرجسية للإنسان وغرورا كبيرا؛ فظن أنه “إله” في الكون، وأنه يستطيع أن يستغني عن
“الله“، لذا انتقل ذلك الإلحاد من إنكار وجود الله إلى نفي أي دور لله في الوجود، وهو
ما نقل الإلحاد من الوثنية القديمة إلى النرجسية المعاصرة، المغترة بالعلم، والمتضخمة
في ذاتها، والظانة أنها بالعلم قادرة على فعل أي شيء ما دام الخالق منعزلا عن الوجود
ومفوضا صلاحياته للإنسان.
ومن هنا فإن مناقشة ذلك الإلحاد وحجاجه
لا تكون إلا بكسر غرور ذلك الإنسان المتعالي بما أوتي من العلم، وإقناعه بالحقيقة التي
لا يريد أن يستوعبها وهي “وما أوتيتم من العلم إلا قليلا”، وأن خبرة الإنسان تؤكد أن
اتساع معرفته جعلته يشعر بمقدار جهله بنفسه وبالكون، فالمعرفة لم تكن زيادة العلم بقدر
ادارك الإنسان عظم المجهول.
وهنا يأتي نموذج العالم البريطاني “ريتشارد دوكينز” أحد كبار المفكرين الإلحاديين
في العالم، وصاحب الأفكار الأكثر شيوعا وسط الشباب خاصة كتابه “وهم الإله”، فلم يستطع
الكتاب وحججه الواهية أن تطمس الإيمان، فمنذ الستينيات من القرن الماضي وكثير من العلماء
الملحدين ينتظرون انتهاء الدين وموت الإله، إلا أن المشاهد أن الأصوليات انبعثت من
جديد في جميع الأديان، تعلن أن الإله موجود ويريد أن تكون لكلمته السطوة على حياة الناس.
لذا كانت الثقافة الغربية في “خواء قلبي” فموت الإله عند المفكر الألماني نيتشه
هوى به إلى قلق وجودي انتهي بجنون طويل. الإلحاد وهشاشة العقلانية الإلحاد في الرؤية
الغربية يعرض عما ليس تحت سيطرة الحواس، فالملحد كل سؤال لا تجيب عليه العين والحواس
لا معنى له، كما أن الملحد لا يعرف الحقائق المتعالية المتجاوزة، والإلحاد بنى يقينه
على فرضيات شديدة الهشاشة ومنها: أن العلم قادر على الإجابة على التساؤلات، وقادر على
تقديم الحقائق، وأن كل شيء يجب أن يخضع لقوانين الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا، أما
الروحانيات فيرى الإلحاد أنها متغيرات في كيمياء المخ، كذلك يعتقد الملحد أن العلم
هو القادر على التحكم في الكون واستغلال الطبيعة وجلب المنفعة، وبالتالي فالمقدس ليس
له حضور، رغم أن حقيقة الإنسان تشير أنه لا يمكن أن يعيش إلا في عالم ذو معنى، فللغيب
جاذبية طاغية في حياة الإنسان.
ويصر دوكينز على تأكيد إلحاده والتدليل عليه بنموذج البيولوجيا للطيور في بريطانيا،
لكن العالم والمخلوقات ليسوا طيورا إنجليزية! ويعلن دوكينز أن الإيمان غير منطقي، لكن
هل الإلحاد منطقي؟! كما يعلن أن الإيمان بالله مستحيلا، وأن الإيمان نوع من المرض العقلي،
وآفة كونية، وثقة عمياء بلا دليل، وشيء طفولي، لكن الكلام السابق لدوكينز يخلو من أي
حجة منطقية أو دليل علمي، وإنما هو نثر عاطفي بليد لا يثير الوجدان، والغريب أن الإلحاد
مقتنع بصوابية أفكاره بدرجة تحولها إلى أصولية دينية. نرجسية الإلحاد نرجسية الإلحاد
تعلن تأليه الإنسان، فهي ذات وجهين، إنكار للإيمان، وإنكار للمؤسسة الدينية ودورها
في رعاية الإيمان.