لأن الخيال كَنز الكاتب الحقيقي، ولأن الخيال الخصب لم يعُد يجد عملًا؛ حيث أصبح الأدباء مشغولين بلقمة العيش أو حليب الأطفال، أو مصروفات العيال، ولأني كنت مصابًا بالخمول والكسل أراد الخيال أن يمزح معي..
فبينما كنت أتابع مباراة لمنتخبنا القومي متحمسًا له بجنون، لائمًا على المتكاسلين الذين لا يُبدون جدية كافية للفوز بالمباراة، بينما كنت على هذه الحال، عبث الخيال برأسي عندما قال: لماذا لا يكون هناك منتخب من الأدباء لتمثيل مصر في المسابقات المختلفة؟
ألقى الخيال سؤاله في وسط رأسي وجلس إلى جواري يتابع المباراة، وأنا ارتسمت على شفتَيَّ ابتسامة ساخرة عندما تخيلت نفسي أرتدي زيًّا أدبيًّا رياضيًّا، وضحكت بصوت عالٍ عندما رسم الخيال صورة للمنتخب وهو يتسلم راتبه الشهري جزاء ما قدَّم، ثم ملت على الخيال الجالس إلى جواري وسألته: وهل هذا ممكن؟
رد عليَّ سريعًا: ولِم لا؟
ليس كثيرًا على دولتك أن تختار فريقًا لكل فرع من فروع الأدب؛ هذا فريق الرواية، وهذا فريق القصة القصيرة، وذاك فريق المسرح، وذلك فريق الشعر، إلى آخره.
وعلى غرار المنتخب الذي تشاهده الآن متراجعًا أمام غريمه الإفريقي، يكون لكل فرع فريق مُكوَّن من عدد يقارب عدد أفراد الفريق القومي لكرة القدم أو اليد أو السلة أو الطائرة.
قلت للخيال: يا لها من فكرة، ونستقدم مدربًا أجنبيًّا لكل فرع، وننشئ أندية خاصة لهم، ونجعل لهم حصصًا تدريبية، وتُصرَف لنا المكافآت !
قال الخيال: وتصبحون نجوم الشاشات، وتستكتبكم الصحف والمجلات، ونرى صوركم تتصدر الأغلفة، وتركبون الطائرات لإقامة المعسكرات في دول الريادة الأدبية، وتكون لديكم أندية للنشء يشرف عليها قدامى القوم منكم.
ضحكت حتى كدت أموت ضحكًا، وقلت له: وهل سيكون لنا مشافٍ تليق بنا، نستشفي بها ونستجم حتى تعود لنا لياقتنا؟
قال: نعم، وتسافرون للخارج إذا اقتضت الضرورة.
هنا طفرت عينايَ بالدموع وأنا أتحسس آلام ظهري، وأعدل وضع نظارتي التي انكسرت ذراعها ولم أستطِع استبدالها بأخرى، دمعت عينايَ وأنا أشاهد منتخبنا القومي الذي تلقَّى هزيمة قاسية يعِدونه باستقدام خبير أجنبي، وخبير تحكيم أجنبي، ومدربين للياقة والإحماءات وغيرها، قلت للخيال: ليتك ما تخيلت شيئًا!