زكريا صبح يكتب: قراءة نقدية للمجموعة القصصية "أريدها حياة" للكاتب محمد سمير رجب

  • زكريا صبح
  • الجمعة 15 يوليو 2022, 10:47 مساءً
  • 1172

هب أن أحدهم قال لك فى حديث عابر: أريدها حياة!

أليس من المنطق، أن تسأله: وما عساها تكون طبيعة هذه الحياة؟

هذا السؤال نفسه راح يعبث برأسى، لم يتركنى منذ رددت العنوان مع كاتبه (أريدها حياة ) 

كأن هذه الجملة تحولت الى سؤال بغير علامة استفهام ، 

كن على أهبة الاستعداد من اجل هذه الرحلة التى سيأخذنا الكاتب فيه معه كى نعرف طبيعة هذه الحياة ، وربما لا ابالغ لو قلت نموذج الحياة من وجهة نظره ، وربما سيكون طيلة الرحلة محرضا لنا كى نتبنى معه هذا النموذج ، 

تبدأ المجموعة بقصة الباب وكأنه يريد هيا بنا نلج الحياة ، وقصة الباب هى انتقال الى حياة واقعية جديدة تختلف فيها كل المظاهر والقيم عن حياة قديمة عاشها البطل قبل عشر سنوات فقط ، يالفعل الصيرورة فى الحياة ، انك لاتنزل النهر نفسه مرتين لان المياه سريعة الجريان ، منذ اللحظة الاولى يقر معنا الكاتب عبر بطله الذى سافر خارج البلاد ثم عاد ليجد كل شئ قد تغير 

المجموعة تنقسم الى ثلاثة اقسام ، القسم الثانى فيها ينتهى بقصة عنوانها (وينساب الطريق ) 

حياة وطريق لا يتوقف، بحث عن الذات لا يهدأ ، حلم بحياة خاصة لبطل المجموعة الذى يكاد يكون واحدا ، ذكر اسمه فى قصة الباب ولم يأت على ذكر اسمه مرة اخرى ، البطل فى معظم القصص قارئ نهم حتى انه يقرأ فوق سلم يصعده باحثا عن كتبه التى لا تطالها يده فلا يصبر  حتى ينزل ، 

البطل مثقف ثقافة عالية سنلمحها فى كثرة استشهاده باقوال الحكماء والفلاسفة والشعراء والادباء ، 

البطل لديه حلم بحياة خط ملامحها فى عقله ووضع لها مواصفات فى ذهنه ، 

١ - البطل يرى ان الاب ركن رئيس فى هذه الحياة ،وحبذا لو كان الاب مثقفا ترك مكتبة هائلة ، البطل يحدوه الامل ويلح عليه الخيال لو بقى الاب حتى يقرأ قصص ابنه ، اذن لكانت الحياة حياة ،جاء هذا المعنى فى قصة الشاب الذى فقد والده مرتين ، ولاشك ان الفقد الاول كان بالموت الذى نعرفه والفراق الذى نخبره ، اما الموت الثانى فكان لحظة الافاقة من الحلم بوجود الاب وحديثه مع ابنه 

لو ظل الاب على قيد الحياة اذن لكانت الحياة حياة ، 

٢ - الحياة حلوة وتستحق ان نعيشها ونبذل لها وفيها ومن اجلها الروح ، بانتظار المكافئة ، وهل من مكافئة افضل من اثر مكتوب  حتى لو كان اثرا وحيدا جاء فى العام ١٠١ من عمر جورج داوسون الذى تعلم القراءة والكتابة متاخرا ثم انجز حلمه ( الحياة جيدة جدا ، لا يرتشف الكثيرون منها كما فعلت لكنى اوكد لك انها حلوة جدا ، مرارتها الوحيدة فى انها لابد وان تنتهى يوما ما )قصة خطاب الى اليزا 

٣- لا تكون الحياة حياة بغير رفيقة درب يركن لها الانسان تجعل منه طاقة خالصة تحيله الى نشاط وقوة دافعة تجعله ينتهى من رواية كبيرة قوامها ٦٥ الف كلمة فى رحلة صغيرة فى مدينة بريمن ، فعل ذلك لانه تقابل مع رفيقة نفذت فيه ونفذ فيها ( استطعنا ان ننفذ عبر بعضنا البعض فقط حين توفر لنا الظرف الطبيعى جدا ) 

وحين ينتفى ويزول هذا الظرف ويفترق الحبيبان الرفيقان لن تكون الحياة حياة حتى ان البطل لن يستطيع كتابة رواية اخرى بغير رفيقته ( وماذا عن روايتى الجديدة كيف اكتبها دون بريمن وقبل ذلك دونك ) ؟

يتسائل البطل الذى يرسم معالم الحياة التى يرنو اليها 

٤- 

بمناسبة الرفيقة فانك بعد قراءة المجموعة ستلاحظ الاتى

أ - الكاتب مهموم بالمرأة ايما اهتمام  والدليل على ذلك ان قصة واحدة لم تخلو من المرآة فى المحموعة ، 

ب - يصور المرآة صورة رومانسية حالمة ، فهى المتطلعة والثائرة الباحثة عن الحب والحرية كما فى قصة كورنيش العجائب ، حتى لو تحولت الى فراشات وتزوجت من ذكور النحل ، المهم الا تفقد هويتها ، وهويتها الحرية والحب 

ج - المرآة مثقفة مطلعة باحثة عن جديد الكتب والروايات ولا تكف عن القراءة حتى تغفو عيناها ويسقط الكتاب من بين يديها 

ء- السارد فى حالة حوار دائم  مع المرآة  فهو فى حالة صراع دائم مع افكار مغلوطة ومشوهة وملفقة عن المرآة ( يجسد له احتياجه الشديد الاشياء بالف عدسة تكبير ، عدسة تجميل ، تترسخ فى اعماقه افكارا مغلوطة مشوهة ملفقة عن المرآة والانثى والجنس ) قصة القبلة 

(ان المرآة هى الجانب المشرق البض الاملس المصقول المحدد بالتاتوهات المعطر باسرار فيكتوريا والمحصن بمزيلات العرق والمبرفن بأغلى ماركات العطور الباربسية )

وهى ايضا (العرق والدم والبلغم والافرازات الكريهة )

ه- ربما لهذا السبب كانت المرآة هى( القلعة )  التى ينبغى التخطيط لاقتحامها (عشق المرآة يبدأ من فوق نزولا  الى ماهو تحت  ، الخطوة الاولى من المجرد واخرها الانغماس فى المادى واللبنى اللزج )

و - المرآة و(القيئ ) فى غمرة لقاء حميمي متخيل يقول البطل الذى يعانى من تشوهات نفسية وافكار مغلوطة عن المرآة : صراخ كئيب مكتوم  اسمعه بالكاد من وراء قرقعات النار المغتاظة ، نور اللهب او بالاحرى ظلامه كان اسطوريا لدرجة ان وجهى كله تشحم من الهباب الذى طل منها ، بقينا حتى خمدت نيران التفاحة ساعة كاملة حتى خمدت النار ) 

انه اذن الموقف المتردد بين الاقرار بنور الانثى حال كونها محلقة حالمة مثقفة قارئة ، ونارها حال السقوط فى براثن الجسد ونهم الشهوة التى لا تفارق الانسان ، ان جدل الروح والجسد فى المجموعة ، حضور طاغ للمرآة من السهل ان يرصده القارئ 

٤ - الحياة لا تكون حياة الا بمراجعة الافكار ، الرأس المشوشة لابد لها ان تقر ، تراجع افكارها من ان لاخر  لابد ان ترطم بكل شئ من اجل ان تكتمل استدارتها وتصيب الهدف ، ( انتعش رغم خسارته حين شعر انه رغم كونه خاسرا الا انه استطاع نفض الاوهام وعشش العنكبوت التى كانت تقبع فى رأسه ، الان يستطيع جسده ان يعيش حرا بعيدا عن جبرية الخضوع لرأس طاغ )

هكذا تكون الحياة حياة ، 

لاشك أن مجموعة أريدها حياة ستكون مثار تأويلات عديدة للأسباب الآتية:

١ - اللغة الفلسفية التى كتب بها الكاتب نصوصه ، وهنا لابد من الاشارة التى اكدت علبه سابقا وهى ان البطل فى هذه القصص يكاد يكون واحدا ، يتمتع بثقافة عالية ونوعية ، متاثر لمدى بعيد بقراءته الفلسفية والنقدية ،  

٢ - الرمزية التى قصد بها الكاتب صياغة نصوصه ، فليس سهلا ان يفتح لك النص ابوابه من القراءة الاولى 

٣ - التجريد الذى حاول دائما تصويره ، فليس الموقف مقصودا لذاته فى النصوص وانما هو نموذج لمواقف متشابهة ، ورصدا  لمعانى متقاربة ، 

٤ التكثيف ، ان قارئ هذه النصوص سيكتشف بلا عناء قدرة الكاتب على التكثيف وادارة النص فى حدوده  النموذجية ، لذا ليس سهلا اقتلاع كلمة من مكانها فضلا عن حذف جملة او فقرة كما نرى فى نصوص عديدة، 

الكاتب مهموم بقضايا انسانية اراد ان يقيم مع قارئه عبر قصصه وحكايته الرمزية  حوارا هادئا ، ربما استطاع القارئ ان يتزحزح عن ديجماطوقيته ، وتبنى مواقف جديدة حيال الحياة برمتها ، 

الكاتب راودته الافكار المجردة فراح يلبسها ثوب الحكاية والقصة لذا ليس مهما ان نعرف الاسماء ، وليس ضروريا ان نعرف الزمان والمكان الذى وقعت فيه الاحداث ، اذ من الممكن ان تكون قد وقعت فى خيال الكاتب فقط 

النتيجة التى ستخرج بها حتما اننا امام حكيم محب للفلسفة قد يكون يوما ما فيلسوفا كبيرا يمارس الابداع السردى ، او امام سارد موهوب يمارس محبته للفلسفة ، وفى كل الاحوال نحن امام ناقد نابه يعرف كيف يكتب نصه الابداعى من غير الوقوع فى جفاف النقد 

حدثتكم عن قسمين او جزءين الاول والثانى ، لانهما بالنسبة لى كانا مشغولين بالقصة القصيرة فى جمال سردها وعدم مباشرتها ، و بذل روح الكاتب من اجل تصوير مشاهدها ، متلاعبا بتقنيات كثيرة مثل الحلم والفلاش باك و الاستباق وتغيير   الضمائر ، .اما القسم الثالث فربما غلب عليه روح الناقد ، والمتفلسف ولذا سيبدوا مباشرا نوعا ما ، مشغول بارسال رسالة واضحة ، ولذا عنونت هذا القسم على خطى الفلاسفة السابقين بعنوان ( رسالة فى  القراءة والكتاب )

شكرا د محمد سمير رجب على هذه الوجبة الابداعية الدسمة 



تعليقات