حسام خطاب يكتب: الاقتران المميت

  • جداريات Jedariiat
  • الأربعاء 06 يوليو 2022, 9:15 مساءً
  • 668

إلى أين تأخذنا طريقة التفكير تلك؟

في عام 2018م أطلق "برادلي والدروب" النار ثماني مرات على زوجته وصديقها "عشيقها"، ليخرَّ صديقها من فوره قتيلًا، في حين تنجو الزوجة المحظوظة.

أدين الرجل بتهمة القتل "لعشيق زوجته" ومحاولة القتل "لزوجته". كان من المتوقع أن يدافع "والدروب" عن نفسه نافيًا التهمة؛ لكنه لم يكذب الخبر وأقر بالجريمة، وبناءً عليه، كان المتوقع أن يصدر حكم الإعدام بحقه..

لكنَّ الأمور لم تجرِ على شكلها المعتاد، إذ طلب فريق الدفاع "مساعدة علمية" للتدخل في تلك القضية، تلبست الغرابة والاستفهام على طلبهم ذلك، لكن يبدو أن هؤلاء كانوا على دراية بأمور خفية.

تبين أن "والدروب" لديه عامل بيولوجي غير طبيعي "abnormal factor" أو بالأحرى "متغير وراثي غير طبيعي" لجين يعرف بجين"Monoamine Oxidase A"، وهو جين ينتج إنزيمًا مسؤولًا عن عمليات أكسدة النواقل العصبية الرئيسية، كالدوبامين، والسيروتونين، والأدرينالين. وأي خلل في ذلك الجين يؤثر من دون شك على العوامل النفسية والعصبية، وإلى هنا ينتهي دور العلم في توصيف ذلك الخلل الوراثي. لكن كما هي عادة الإعلام والصحافة، تم التقاط ذلك الخلل الجيني البسيط، (والذي بالمناسبة قد يكون موجودًا فيك وأنت لا تعرف)، ليطرح على العامة باسم "جين المحارب" لأنه مرتبط بسلوك غير اجتماعي يؤدي إلى السلوك المتهور.

شهد طبيب شرعي أن تركيبة "والدروب" الجينية بالإضافة للإساءة التي تعرض لها وهو طفل صغير قد تركاه فريسة لذلك السلوك المتهور، وعليه ارتأى فريق المحلفين أن يوصف ذلك القتل، بالقتل "غير المتعمد" بدلا من القتل المتعمد!

لقد سلب كل هؤلاء إرادة القاتل على القتل، ونزعوا عنه كامل المسؤولية، ليقدموا مشهد براءته بكل وقاحة وسهولة! وليس غريبًا أن نرى في العاجل القريب دراساتٍ تغني على نفس المنوال، بحيث تكون هناك دراسة تبحث عن "جين السارق" وأخرى تبحث عن "جين الاغتصاب" والسلسلة تطول!

وفي يونيو عام 2022 شرع طالب في طعن زميلته بالجامعة، وذبحها أمام حدودها وأسوارها، ليكشف لنا بعد ذلك أحد أساتذة الطب النفسي بجامعة عين شمس أن المتهم مصاب بمرض نفسي نادر تصل نسبته إلى 0.2% يسمى ب"الهوس الشغفي"، والذي تصل أعراضه بالفعل إلى القتل والتدمير!!

قد يبدو لك ذلك التوصيف غريبا بادي الأمر، إلا أن ذلك الطبيب قد أكد صحة كلامه مستشهدًا بما حدث قبل ذلك في سبعينيات القرن الماضي مع "مجنون سعاد حسني"، وفي التسعينيات مع "مجنون مادونا"، حيث كانت الضحيتان على مشارف الذبح إلا أنه قد تم احتواء الجاني.

وهنا نسأل السؤال التالي، هل من الأليق أن يخرس العلم أو من يتحدثون لنا دوما باسمه؟ أم أنه لا بد من أن نحشر الطب والجينات والسيكوباتية وعلم الأعصاب والنفس في تفسير جرائم العصر؛ لنقترب أكثر وأكثر من نفسية المجرم التي ستخلق لنا بدورها قدر من التعاطف مع الجاني وسلبًا لا شعوريا لإرادته ثم نكتفي بالترحم على الضحية؟!

وبغض النظر عن ملابسات القضية، والتي يرجع الحكم فيها للهيئات القضائية، فإننا نتساءل إلى أين تأخذنا طريقة التفكير تلك؟!

إن كان ثمة علم وطب نفسي، فلماذا لا يبوح صوته بالمعالجة بدلا من التبرير؟ ولماذا لا تستبدل  التفهمات والمعاذير النفسية بالإرشادات والمحاذير المجتمعية قبل وقوع الجريمة لا بعد الإثخان على الجريح؟!

تعليقات