باحث بملف الإلحاد: الفرائض في الإسلام أبرز الأدلة على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم
- الجمعة 22 نوفمبر 2024
تعزيز الرابطة مع الله
كنت أتحدث مع صديقة لي منذ فترة تبثني همومها وتشكو كثرة مشاعرها السلبية هذه الفترة، وأنها تعاني من فتور في علاقتها مع الله وتناشدني أن أساعدها في أن تعود إلى ذلك الشعور الجميل للرابطة مع الله التي كانت تشعر بها.
قالت: كيف لنا أن نحافظ على هذه الرابطة؟ كيف لنا أن نحافظ على علاقتنا مع الله عز وجل وأن نشعر به في كل وقت؟ ألا يحدث لك مثل ذلك الفتور؟
قلت لها: طبعاً، لا أحد على هذا الكوكب لم يمر بذلك الفتور، فنحن بشرٌ، وهذا حال الإنسان، إننا دومًا في حالة متذبذبة بين الكمال والانحطاط، بين حالة تجلٍّ وحالة شعور بلا شيء، ونحاول دائما أن نجاهد أنفسنا.
طمأنينة المناجاة .. ابحث عن مفتاح قلبك
ثمة بعض الأمور التي نستطيع فعلها لحل مثل تلك المشكلة، فلكل إنسان مفتاحه، رغم أننا مختلفون جدًّا من حيث القدرة على التواصل مع الله عز وجل، وشعورُنا بالقرب أو البعد يتبع عدة عوامل.
أفضل السبل أمامنا تنطلق من العودة إلى القرآن الكريم، دستور حياتنا لنتعرف إلى حلّ تلك الحالة، فلو نظرت إلى الطريقة القرآنية في معالجة هذا الأمر، سترى أن الله عز وجل استخدم -مع بعض الناس- أسلوب الترغيب، فأولئك الذين يشدهم هذا الامر ويحدِث فرقًا في حياتهم يختلفون بفكرهم وطريقة استيعابهم للأمور عن صنف آخر من الناس، فمثلًا سيتغير أحدهم بمجرد سردٍ عن ما أعدّ الله في الجنة من نعيم.
تخيل ذلك الشخص الذي لم يجد من الدنيا ما يسره كثيرا، ولكنه صابر على كل حال، وتأتي كلمات الله عز وجل، فكيف تأتيه؟ عندما يبشره الله عز وجل بأن للمؤمنين في الجنة قصورًا وبيوتًا، وأشجارًا وحقولًا ومزارع وأنهارًا من عسل…الخ، بل كل ما تطيب الأنفس به، فهذا ولا شك، دافع للصبر لدى بعض الناس، بل لعله إكسير الصبر بالنسبة لهم، وهذا ما يبقيهم على ما هم عليه.
في أحوال أخرى نرى أناسًا آخرين، يرتبطون بعلاقتهم مع الله بما يسمعون من خطاب الترهيب، فبعضهم يخشى العذاب أكثر من رغبته في الثواب، حيث إن فكرة الخوف من الحساب تسيطر على أفكاره وأحواله، لقد ذكر الله جل وعلا أصناف العذاب في الآخرة، وبيّن أبدية العذاب للكفار، وشدته على مختلف الأصناف، وكيف أنهم سيبقون في ذلك المكان الموحش المقفر السيئ الذي لا يشتهي ولا يتمنى أي إنسان أن يكون فيه، وهذا رادع أو مقوّم أساسي لبعض الناس في علاقته مع الله.
في المقابل يستطيع بعض الناس أن يشعر بتلك الصلة مع الخالق عبر مناجاته مباشرة دون حجاب، وهو ما حدّثنا الباري عنه حين قال {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِم} [آل عمران: 191]، فأولئك يشعرون بحلاوة التحدث مع الله وبثه همومهم والتحدث معه بما في صدورهم.
فقه الإيمان بالله
ثمة باب آخر مميز -اكتشفته حديثا عن طريق القراءة- وهو باب مهم جدا- ورأيت أن كثيرًا من الدعاة يشجع عليه، وهو باب دراسة الدين نفسه، والتعرف على أبواب معينة في الدين نفسه، بهدف فهم حقيقة الإسلام والإيمان، كما في أركان الإيمان، فإن معظمنا يعرفها ويرددها حفظًا بسهولة، ولكن هل فكرنا في دراستها وتبيُّن معانيها مثلًا؟ ما معنى الإيمان بالله؟ ما معنى ذلك؟ وهل يندرج تحت مسمّى الإيمان بالله البحث عن معاني أسماء الله الحسنى الواردة في الأحاديث.
عن تجربة شخصية، فإنني حينما بدأت بدراسة هذه الأسماء، انتابني شعور عظيم من الهيبة والإجلال والإيمان، مما لا أستطيع وصف الشعور الذي شعرت به.
حين تدرس هذه الأسماء بشكل حقيقي، فإن لكل اسم منها شعور مختلف وطريقة تعاطٍ مختلفة مع الواقع، ونظرة مختلفة لما وراء هذا الاسم، وقد كان وقع بعض الأسماء التي مررت بها كبيرًا فترك أثرا بالغًا في نفسي وتصرفاتي بل كلما استحضرته، كاسم الله “المتجبر” و”المقدر”، كما ينتابني شعور إجلال بإحاطة الله وقدرته على كل شيء حين أقرأ قوله تعالى: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال: 39] فهذه الأسماء تزيد اليقين في قلبي بأن الله معي وسوف يصدّ عني.
واقرؤوا إن شئتم قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُواۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ}، [الحج: 38] وكذا اقرؤوا قوله: {ما يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ} [النساء: 147] وتتبادر الأسئلة والخواطر عند النوازل، فيأتي اسم الله “الحليم” و”الصبور”، ألا يبعث ذلك كله الفخر والعزة والسعادة في قلوبكم، ألا يقرّ في القلب بعد ذلك أن الله صاحب الكمال المطلق وأنه يدبر الأمر على أكمل ما يكون.
أتذكر وصف أحد الدعاة -فك الله أسره- وهو يردّد كلمة معينة عندما يتحدث عن الله عز وجل فيقول: وقد قال لنا صاحب الشريعة، وقد فرض لنا صاحب الشريعة، وإن صاحب الشريعة لا يرضى بكذا، .. إلخ.
فاستشعرت معنى كلمة صاحب الشريعة، نعم إن الله صاحب الشريعة، فلا أحد يملك أن يقول لي ماذا وكيف ولماذا إلا صاحب الأمر كله، الله جل وعلا.
اجعل إيمانك رفيق وقتك
قررت خلال دراستي البسيطة لباب من أبواب العقيدة، أن أستحضر معاني الإيمان، وكنت قد اشتريت كتابًا كان قد أوصى به أحد الدعاة جزاهم الله خيرًا خصصه للحديث عن الملائكة وأحوالهم، في سلسلة جميع فيها أبواب الإيمان كالإيمان بالملائكة والقضاء والقدر والآخرة، وعندما قرأت الكتاب باستحضار إيماني المطلق بوجود الملائكة، واستحضار مواقف النبي صلى الله عليه وسلم معهم، مثل حينما رأى سيدنا جبريل مرتان على هيئته الأصلية بأجنحته الهائلة التي تغطي السماء والأرض معًا، ومثل قصة ملك الجبال الذي كان سيطبق الأخشبين على من في المكان بكلمة واحدة من النبي صلى الله عليه وسلم، كل هذا كان له أثر كبير في صدري.
عندما تفكّر أن هنالك مَلَكًا للمطر يفتح السماء ويغلقها بأمرٍ من الله عز وجل، وبأن هنالك ملائكة في كل سماء تصعد بالأخبار وتنزل بالأوامر، حينما تتوقّف لبرهة وتتذكر أن هناك ملَكَين في هذه اللحظة عن يمينك وشمالك، لا تدري هيئتهما ولا شكلهما إلا أنك موقن بوجودهما، كل واحد منهما لا يأكل ولا يشرب، وإنما يسجل كل ثانية تمر عليك!
حينما أفكر بالملائكة وكونها كائنات من نور لا تخالف لله أمرًا، أشعر بالهدوء، وشعوري بأنهم حولي أينما كنت أمر رائع ومهيب في حدّ ذاته، وينطلق هذا الشعور من الحالة التي ذكرها الله لنبيه صلى الله عليه وسلم وصحابته، حين قال لهم: {إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيَكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُنزَلِينَ * بَلَىٰ ۚ إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِين} [آل عمران: 124- 125] ولعلكم تخيّلتم هذا المشهد المهيب، وهنا أسأل: أليس الله بقادر على أن يمدنا بملائكة تعيننا على الحق متى ما قررنا الصدع به.
إن استحضار تفاصيل الإيمان والعيش معها تقوي الرابطة مع الله، فالإيمان بالله أمر متجدد، كلما بحثت فيه وغصت زادك من الدرر واليقين ما لا تقدّر حده، والله لم يترك لنا شيئا إلا وجعل فيه آية وعبرة موصلة إليه، فحينما تقرأ عن علامات الساعة وتعرف ما انتهى منها وما هو آت وما هو بين بين. حينما تدرك أين نحن الآن، ستشعر بأن ذلك يخفف عنك وطأة ما نمر به، وعندما تقرأ أحاديث الرسول عن آخر الزمان وتعرف أنه سيأتي يوم على الناس يجري فيه كذا وكذا، كل هذا يثبت فؤادك ويعزز صدق نبيك.
ازهد في الدنيا
إن من مقوِّيات الإيمان ومثبتات الرابطة بالله معرفة حقيقة الدنيا، وأنها مهما طالت فهي إلى زوال، قال تعالى: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيات لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [يونس:24]. وقال تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا} [الكهف :45].
إنّ هذه الحقيقةَ التي تشير إليها الآيات الكريمة تعكس أسباب قوة الإيمان بالله تبارك وتعالى. وتبيّن حقيقة الحياة الدنيا بكلّ متاعها وزينتها، وما تشتهيه النفس منها.
وإنَّ كلَّ ذلك بالنسبة لنعيم الآخرة شيءٌ قليلٌ وزائلٌ. هكذا فهم المسلمون القرآن والإيمان، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبصّرهم، ويذكّرهم بدورهم ورسالتِهم في الأرض، ومكانتِهم عند الله، فانطلقوا عاملين بالليل والنهار بكلِّ ما في وسعهم وما في طاقتهم دون فتور أو توانٍ أو ممل، ودون خـوفٍ من أحـدٍ إلا الله، ودونَ طمعٍ في مغنـم أو جـاه، إلا أداء هـذا الـدور وهذه الرسـالـة لتحقيق هذه الغـايـة في الدنيا، والفوز والنجاة في الآخرة.
ـ نقلا عن منصة السبيل