باحث بملف الإلحاد: الفرائض في الإسلام أبرز الأدلة على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم
- الجمعة 22 نوفمبر 2024
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه..
أما بعد..
فقد قال تعالى:
{كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
لَكَارِهُونَ} [الأنفال: 5].
وهذه الآية نزلت
في شأن يوم بدر، فإن (رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما خرج من المدينة طالبا لعير
أبي سفيان، التي بلغه خبرها أنها صادرة من الشام، فيها أموال جزيلة لقريش فاستنهض رسول
الله صلى الله عليه وسلم المسلمين من خَف منهم، فخرج في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا وطلب
نحو الساحل من على طريق بدر، وعلم أبو سفيان بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم في
طلبه، فبعث ضَمْضَم بن عمرو نذيرا إلى مكة، فنهضوا في قريب من ألف مُقَنَّع، ما بين
التسعمائة إلى الألف، وتيامن أبو سفيان بالعير إلى سيف البحر فنجا، وجاء النفير فوردوا
ماء بدر، وجمع الله المسلمين والكافرين على غير ميعاد، لما يريد الله تعالى من إعلاء
كلمة المسلمين ونصرهم على عدوهم، والتفرقة بين الحق والباطل...
والغرض: أنَّ رسول
الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه خروج النفير، أوحى الله إليه يَعدهُ إحدى الطائفتين:
إما العير وإما النَّفير، ورغب كثير من المسلمين إلى العير؛ لأنه كسب بلا قتال، كما
قال تعالى: {وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ
اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ} [تفسير
ابن كثير (4/14)؛ تفسير الطبري (11/32)].
فقال الله تعالى:
{كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
لَكَارِهُونَ} [الأنفال: 5].
وقد اختلف العلماء
في معنى قوله: (كما) في أول الآية، فقيل هي قسم، وقيل بل هي أصلها على محض (التشبيه)،
وإن اختلفوا في متعلقها، وقيل بل على (التعليل).
-. أما القول إنها قسم؛ فقد قاله أبو عبيد،
فيما حكاه القرطبي عنه، قال: (قال أبو عبيدة: هو قسم، أي والذي أخرجك، فالكاف بمعنى
الواو، و"ما" بمعنى الذي) [تفسير القرطبي (7/368)].
-. وأما القول أنها على محض (التشبيه)، فهو
قول جمهور المفسرين، ثم اختلفوا في المعنى على أقوال:
قال الماوردي: فيه
قولان:
أحدهما: كما أخرجك
ربك من مكة إلى المدينة بالحق مع كراهة فريق من المؤمنين كذلك ينجز وعدك في نصرك على
أعدائك بالحق.
والثاني: كما أخرجك
ربك من بيتك مِن المدينة إلى بدر بالحق كذلك جعل لك غنيمة بدر بالحق [تفسير الماوردي؛
النكت والعيون (2/295)].
وجعل بعضهم متعلقه
بما تقدم عليه من آيات، أو قدروا محذوفه:
قال القرطبي: وقال
سعيد بن مسعدة: المعنى أولئك هم المؤمنون حقا كما أخرجك ربك من بيتك بالحق. قال وقال
بعض العلماء: {كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ} فاتقوا الله وأصلحوا
ذات بينكم. وقال عكرمة: المعنى أطيعوا الله ورسوله كما أخرجك.
وقيل: {كَما أَخْرَجَكَ}
متعلق بقوله: {لَهُمْ دَرَجاتٌ} المعنى: لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم. أي هذا
الوعد للمؤمنين حق في الآخرة كما أخرجك ربك من بيتك بالحق الواجب له، فأنجزك وعدك.
وأظفرك بعدوك وأوفى لك، لأنه قال عز وجل: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ
أَنَّها لَكُمْ}". فكما أنجز هذا الوعد في الدنيا كذا ينجزكم ما وعدكم به في الآخرة.
وهذا قول حسن ذكره النحاس واختاره.
وقيل: الكاف في
{كَما} كاف التشبيه، ومخرجه على سبيل، المجازاة، كقول القائل لعبده: كما وجهتك إلى
أعدائي فاستضعفوك وسألت مددا فأمددتك وقويتك وأزحت علتك، فخذهم الآن فعاقبهم بكذا.
وكما كسوتك وأجريت عليك الرزق فاعمل كذا وكذا. وكما أحسنت إليك فاشكرني عليه. فقال:
{كما أخرجك ربك من بيتك بالحق} وغشاكم النعاس أمنة منه- يعني به إياه ومن معه- وأنزل
من السماء ماء ليطهركم به، وأنزل عليكم من السماء ملائكة مردفين، فاضربوا فوق الأعناق
وأضربوا منهم كل بنان. كأنه يقول: قد أزحت عللكم، وأمددتكم بالملائكة فاضربوا منهم
هذه المواضع، وهو المقتل، لتبلغوا مراد الله في إحقاق الحق وإبطال الباطل. والله أعلم
[تفسير القرطبي (7/368)].
قال ابن كثير: (قال
الإمام أبو جعفر الطبري: اختلف المفسرون في السبب الجالب لهذه "الكاف" في
قوله: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ} فقال بعضهم: شُبِّه به في الصلاح للمؤمنين، اتقاؤهم
ربهم، وإصلاحهم ذات بينهم، وطاعتهم الله ورسوله. ثم روى عن عكرمة نحو هذا.
ومعنى هذا أن الله
تعالى يقول: كما أنكم لما اختلفتم في المغانم وتشاححتم فيها فانتزعها الله منكم، وجعلها
إلى قسمه وقسم رسوله صلى الله عليه وسلم فقسمها على العدل والتسوية، فكان هذا هو المصلحة
التامة لكم.
وكذلك لما كرهتم
الخروج إلى الأعداء من قتال ذات الشوكة -وهم النفير، النفير الذين خرجوا لنصر دينهم،
وإحراز عيرهم -فكان عاقبة، كراهتكم للقتال -بأن قدَّره لكم، وجَمَع به بينكم وبين عدوكم
على غير ميعاد -رَشَدَا وهدى، ونصرا وفتحا، كما قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ
وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى
أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}
[البقرة: 216]
قال ابن جرير: وقال
آخرون: معنى ذلك: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ} على كره من
فريق من المؤمنين، كذلك هم كارهون للقتال، فهم يجادلونك فيه بعد ما تبين لهم، ثم روى
نحوه عن مجاهد أنه قال: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ} قال: كذلك يجادلونك في الحق.
وقال السُّدِّي:
أنزل الله في خروجه إلى بدر ومجادلتهم إياه فقال: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ
بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ} لطلب المشركين {يُجَادِلُونَكَ
فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ}.
وقال بعضهم: يسألونك
عن الأنفال مجادلة، كما جادلوك يوم بدر فقالوا: أخرجتنا للعِير، ولم تعلمنا قتالا فنستعد
له [تفسير ابن كثير (4/14)؛ تفسير الطبري (11/32)].
-. واختار أبو حيان أن الكاف ليست لمحض التشبيه
بل فيها معنى التعليل، وأورد في تفسيره مناماً له في ذلك، مما يشعر بحيرة العلماء في
تفسيرها، قال: (وقبل تسطير هذه الأقوال هنا وقعت على جملة منها فلم يلق لخاطري منها
شيء فرأيت في النوم أنني أمشي في رصيف ومعي رجل أباحثه في قوله {كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ
مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ} فقلت له ما مرّ بي شيء مشكل مثل هذا ولعل ثم محذوفا يصح
به المعنى وما وقفت فيه لأحد من المفسرين على شيء طائل.
ثم قلت له ظهر لي
الساعة تخريجه وإن ذلك المحذوف هو: (نصرك) واستحسنت أنا وذلك الرجل هذا التخريج ثم
انتبهت من النوم وأنا أذكره، والتقدير فكأنه قيل {كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ
بِالْحَقِّ} أي بسبب إظهار دين اللّه وإعزاز شريعته وقد كرهوا خروجك تهيبا للقتال وخوفا
من الموت إذ كان أمر النبي صلى الله عليه وسلم لخروجهم بغتة ولم يكونوا مستعدين للخروج
وجادلوك في الحق بعد وضوحه نصرك اللّه وأمدّك بملائكته ودلّ على هذا المحذوف الكلام
الذي بعده وهو قوله تعالى {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ} الآيات،
ويظهر أن الكاف في هذا التخريج المنامي ليست لمحض التشبيه بل فيها معنى التعليل، وقد
نص النحويون على أنها قد تحدث فيها معنى التعليل وخرجوا عليه قوله تعالى: {وَاذْكُرُوهُ
كَما هَداكُمْ} [البحر المحيط (5/275)]. أي: واذكروه لهدايتكم، فتكون الآية {كَما أَخْرَجَكَ
رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ} أي أخرجك لأجل إعلاء لدين الله وشريعته، رحم الله
أبا حيان وجميع علمائنا.
وصدق رحمه الله،
والله أعلم وصل الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
أ. د. خالد فوزي
عبد الحميد حمزة
الأستاذ الدكتور
بجامعتي العلا ومينيسوتا