«تفسير القُرآن العَظِيم».. حكاية كتاب الفقيه ابن كثير الدمشقيّ

  • أحمد حماد
  • الثلاثاء 29 مارس 2022, 9:57 مساءً
  • 330
تفسير القُرآن العَظِيم

تفسير القُرآن العَظِيم

نشر مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، اليوم، ضمن مشروعه التثقيفيّ "حكاية كتاب"، ملخصا حول كتاب «تفسير القُرآن العَظِيم» للحافظ المفسِّر والفقيه المؤرِّخ ابن كثير الدمشقيّ رحمه الله، في ذكرى وفاته، التي توافق 26 شعبان.


مؤلف الكتاب في سُطور

هو عماد الدِّين أبو الفداء إسماعيل بن عُمَر بن كثِير القُرَشي البُصرَوي الدمشقي الشافعي، وولد سنة 700 هـ وقيل 701هـ بقرية  مجيدل جنوب شرق سوريا (درعا حاليًّا)، ونَشَأ في بيت علم، فقد كان أبوه هو شهاب الدين أبو حفص عمر بن كثير خطيبَ القرية.

تُوفي والده وهو في الثالثة من عمره، فتولَّاه شقيقُه الأكبرُ الفقيه العالم كمال الدين عبد الوهاب، وكانت لرعاية أخيه له أثر في نشأته، حتى أتمَّ حفظ القرآن الكريم وهو ابن أحد عشر عامًا، وَتَعَلَّمَ القرَاءَات والتَّفسِير، يقول ابن كثير في ذلك: (وَقَدْ كَانَ لَنَا شَقِيقًا، وَبِنَا رَفِيقَا شَفُوقَا .. فَاشْتَغَلْتُ عَلَى يَدَيْهِ فِي الْعِلْمِ فَيَسَّرَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ مَا يَسَّرَ، وَسَهَّلَ مِنْهُ مَا تَعَسَّرَ). [البداية والنهاية لابن كثير: 14/37]

انتقل مع أخيه إلى دمشق حيث كانت مركزًا للعلوم في العالم الإسلامي آنذاك، وقضى بها كل حياته، ونزل بجوار المدرسة النورية؛ فتعلم على يد مشايخها وعلمائها، وتتلمذ على أبي القاسم ابن عساكر، والآمدي، وابن قاضي شهبة، وبرهان الدين الفزاري، والحافظ أبو الحجاج المزي، وقرأ عليه وألَّف بين يديه، فأُعجب به وزوَّجه ابنته (زينب)، وغير هؤلاء كثير من المشايخ.

كان الإمام ابن كثير رحمه الله حسن الخُلُق، واسع الصدر، نابغًا في علوم وفنون عديدة، جادًّا في طَلَبِ العِلم والتحصيل.

ألَّف الإمام ابن كثير عديدًا من المؤلفات أبرزها: «البداية والنهاية»، و«التكميل في الجرح والتعديل ومعرفة الثقاة والضعفاء والمجاهيل»، و«الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث» وهو اختصار لمقدمة الإمام ابن صلاح، و«السيرة النبوية لابن كثير»، و«جامع السنن والمسانيد»، و«كتاب طبقات الشافعية».

وقام بالإشراف على عديد من المدارس العلمية، منها: دار الحديث الأشرفية، والمدرسة الصالحية، والمدرسة النجيبية، والمدرسة التنكزية، والمدرسة النورية الكبرى، وعَمِل بالفتوى حتى وصفه شيخه الذهبي بـ«الإمام المفتي».

كُفَّ بصر الإمام في آخر حياته، وأسلم رُوحه إلى بارئها في يوم الخميس السادس والعشرين من شهر شعبان سنة 774 هـ، الموافق 1373م، عن عمر ناهز 74 عامًا قضاها ابن كثير بين طلب العلم والتدريس والإفتاء والتأليف، ودُفِن بمقبرة الصوفية في دمشق، رحمه الله تعالى وأدامَ في العالمين ذِكرَه.



بين يدي الكتاب

يُعَدُّ تفسير ابن كثير من أعظم كتب التفسير التي شَهِدت قبولًا وانتشارًا واسعين، ونالت استحسان العامة والخاصة من العلماء، حتى أصبحت مرجعًا رئيسًا لعلم تفسير القرآن الكريم.

امتاز الكتاب بعرض معاني الآيات في منهج عِلمي رَصين، وصورة مُبَسَّطة، تقرّب المعاني إلى أذهان المتلقين، مع سَوْقِ النصوص القرآنية والحديثية وآثار الصحابة والتابعين التي توضح معاني الآيات، الأمر الذي يدل على سعة علم مؤلفه، وإلمامه بالقرآن والسنة وعلومهما.

منهجه في التفسير


بين الإمام ابن كثير أحسن طرق التفسير -على حد وصفه-، والذي اعتمده منهجًا له في تفسيره، فقال: (فإن قال قائل: فما أحسن طرق التفسير؟ فالجواب: أن أصحّ الطُرُق في ذلك أن يُفسَّر القرآن بالقرآن؛ فما أُجمل في مكانٍ فإنه قد فسر في موضع آخر، وما اختُصِر مِن مكان فقد بُسِط في موضع آخر، فإن أعْيَاكَ ذلك فعليك بالسُّنَّة فإنها شارحة للقرآن وموضحة له .. ولهذا قال رسول الله ﷺ: «ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه»  يعني السنة .. وحينئذ إذا لم نجد التفسير في القرآن ولا في السنة رجعنا في ذلك إلى أقوال الصحابة؛ فإنهم أدرى بذلك لما شاهدوه من القرآن والأحوال التي اختصوا بها، ولما لهم من الفَهم التَّام والعِلم الصَّحيح والعمل الصالح).

ثم قال: (إذا لم تجد التفسير في القرآن ولا في السنة ولا وجدته عن الصحابة فقد رجع كثير من الأئمة في ذلك إلى أقوال التابعين).

ونستطيع أن نجمل منهج الإمام ابن كثير في تفسيره في النقاط التالية:

كان الإمام ابن كثير يورد الآية ويذكر تفسيرها بصورة مختصرة، معتمدًا في ذلك على ما تقتضيه أساليب اللغة ومعانيها.

ثم يسوق الآيات التي تعضِّدُ معنى تلك الآية وتتكامل معها، فكأنه جمع بين مَنهَجيّ التفسير الموضوعي والتفسير بالمأثور.

بعد ذلك يُورِد الأحاديث النبوية التي تُفسِّر معنى الآية، أو تُوضح أسباب النُّزول، ويرويها بسندها غالبًا، ويُعلق على تلك الروايات ويحكم عليها أحيانًا.

اهتمَّ بأقوال الصحابة في تفسير الآيات؛ فَهُم أقْرب من عاصر نزولها، وفَهْم معناها، ثم بعد ذلك يستأنِس بأقوال التابعين وفهمهم لمعاني الآيات.

كما اهتمَّ بتوضيح الأحكام الفقهية المتعلقة بآيات الأحكام، فنجده يذكر أقوال العلماء فيها ويسُوق أدلَّة كل منهم، ويُرجِّح منها ما قويت أدلَّته، وقد ساعده على ذلك تَمَكُّنه من علمي الحديث وأصول الفقه.

فيما أورد بعض الإسرائيليات في التفسير ونَبَّه عليها، وقد ذكر ذلك في مقدمة تفسيره، فقال: «تُذكر للاستشهاد لا للاعتضاد».

وذَيّل تفسيره بذكر نزول القرآن وجمعه وقراءاته وعرضاته، ثم ذكر القُرَّاء من أصحاب النبي ﷺ، وساق جملة من فضائل القرآن وأحكامه، وأتمَّ به تفسيره.

نقل عن سابقيه وأفاد منهم، وتناول بعض التفاسير بالنَّقدِ والتَّعليق، كتفسير ابن جرير الطبري، وابن أبي حاتم، وابن عطية.



اهتمام العلماء بالكتاب

اعتنى العلماء بتفسير ابن كثير، ونال حظًا وفيرًا من جهودهم، فتناولوه بالدراسة والبحث والاختصار، ومن أشهر المختصرات على تفسير ابن كثير: «عمدة التفسير عن الحافظ ابن كثير» للشيخ أحمد محمد شاكر، و«مختصر تفسير ابن كثير» للشيخ الصابوني، و«تيسير العلي القدير لاختصار تفسير ابن كثير» للشيخ الرفاعي.

وقال عنه الشيخ أحمد محمد شاكر: (وبعد؛ فإن تفسير الحافظ ابن كثير أحسن التفاسير التي رأينا، وأجودها وأدَقّها بعد تفسير إمام المفسرين أبي جعفر الطبري). [عمدة التفسير:5]

 

تعليقات