ماذا لو خسرت كل ذرات ومواد هذا الكون شحناتها الكهربائية ؟!
- الأربعاء 20 نوفمبر 2024
مشهد من فيلم البحث عن السيد مرزوق
صدر مؤخرًا عن الهيئة العامة لقصور الثقافة ضمن سلسلة آفاق السينما كتاب (محظورات على الشاشة. التابو في سينما جيل الثمانينيات) للناقد السينمائي الشاب أحمد شوقي.
والكتاب تفوح منه روائح النوستالجيا أو الحنين لفترة الثمانينات تلك الفترة التي شهدت موجة عرفناها باسم (الواقعية الجديدة) التي حظيت بأكبر تناول نقدي في مسيرة الفن السابع منذ بدايته في مصر، وكتابات النقاد عن تلك الفترة يقوم بعضها على أساس منهجي والبعض الآخر على تحليل أيديولوجي يرصد الانتماءات الفكرية والتوجهات السياسية للمؤلفين ومخرجي الأفلام بالإضافة إلى عشرات المقالات الانطباعية.
والجديد الذي قدمه أحمد شوقي هو تناول أفلام الثمانينات من حيث اختراقها للطابوهات الثلاثة (الدين والجنس والسياسة) وقد قامت فكرة الكتاب منذ البداية وقبل تنقيحه والإضافة إليه على تناول الجنس كأحد أكثر العناصر تأثيراً على الأشكال الدرامية سواءً كانت مرئية أو مقروءة وهذا بالطبع من وجهة نظر الكاتب الذي يبدو أنه من أتباع المدرسة الفرويدية حيث يعتقد أن المحرك الرئيسي لنسبة ضخمة من كل تصرفات البشر هو الجنس.
وبتوجيه من الناقد الدكتور وليد سيف - كما ذكر الكاتب في المقدمة- تم توسيع النطاق الموضوعي للكتاب ليتحدث فيه عن السياسة والدين بجوار الطابو الجنسي وذلك من خلال استقراء وتحليل أفلام كل من داود عبد السيد الذي يحبه الكاتب ومحمد خان وعاطف الطيب وخيري بشارة ورأفت الميهي.
ومن بين الأفلام التي تحدث عنها في صفحات الكتاب هو فيلم " البحث عن السيد مرزوق" وهو أحد أهم وأقوى أفلام داود عبد السيد الذي قدم لنا حتى الآن عبر مسيرته الإخراجية ثمانية أفلام كلها علامات بالطبع.
ويرى الكاتب أن الفيلم يمتاز بأسلوب سردي غير معتاد على الإطلاق ومؤلفه وهو داود عبد السيد ذاته يستخدم فيه منطقًا هو أشبه بالحلم الذي يطرأ على حياة البطل (يوسف) أو الفنان نور الشريف؛ فيوسف يستيقظ في صبيحة جمعة دون أن يرن المنبه الخاص به ويعتقد أن اليوم هو يوم عمل فيرتدي ثيابه على عجل وينزل من بيته مسرعًا قاصدًا عمله ثم يتبين له أن اليوم هو عطلة ويظل طوال اليوم يتعرض لسلسلة من المواقف الغريبة التي تتحرك بمنطق الحلم وهو أن أردنا الدقة حلم ثقيل ومفزع فبطل هذا الفيلم هو مثقف ينتمي إلى الطبقة الوسطى وقد تغيب عن الحراك الاجتماعي الضخم الذي هيمن على حياة المجتمع المصري بعد مرحلة الانفتاح الاقتصادي وكان قصارى همه أن يمارس عمله اليومي الرتيب في انتظامٍ شديد وقد ساهم في غيابه عن الواقع أن له أرضًا يأكل من ريعها فلا تجعله من الأغنياء ولكنها بلا شك تحميه من الفقر.
وبترتيبٍ قدري يعود يوسف أو نور الشريف إلى الواقع فيجد خللاً هائلاً في منظومة القيم التي يعرفها ليشهد ما حدث أثناء غيابه عن الصورة، وبطل الفيلم على ذلك لم يكن سلبيًا بطبيعته وإنما يأتي غيابه وانزواءه بسبب خروجه في مظاهرات فاشلة أثناء شبابه فيصاب مرغمًا بالإحباط ويقرر الانخراط في دوامة العمل حتى ينسى.
في هذا اليوم الغريب يبدو للمشاهد أن البطل يعيش حلمًا طويلاً مواقفه وأحداثه تتحرك بغير ترتيبٍ واضح ولا نجد التدقيق المعهود بالأعمال الواقعية في بعض التفاصيل المنطقية مما يجعلنا كما يقول المؤلف ينتابنا الشك في أن ما يحدث هو محض حلم سوف يصحو منه البطل، ورغم ذلك فقد التزم المخرج بمنطقية وحدة الزمن فالأحداث تدور خلال أربعٍ وعشرين ساعة تبدأ من صباح الجمعة وتنتهي في صباح يوم السبت بصورة متماسكة ومرتبة تراعي التسلسل الزمني من الصباح إلى الليل وهو اختيار ذكي من المخرج ساعد كما يرى شوقي على تحريك حكاية قابلة للمتابعة أولاً وتحتفظ أيضاً بجاذبية الأحداث وهو ما لم يكن ليتحقق لو أغرق صاحب العمل في التجريب والتحرك بحرية عبر الزمن.
والسؤال الآن: من هو سيد مرزوق؟ إن سيد مرزوق هو رمز للثري صاحب النفوذ (سيد) والمحظوظ (مرزوق) الذي يتلاعب بأحلام ابن الطبقة الوسطى في الفيلم لا لشيء سوى اشباع رغبته في التسلية وكلمة سيد تعني السيادة فهو سيد يعمل الكل على ارضاء نزعاته وتحقيق رغبته حتى ضابط الشرطة (عمر) الذي قام بدوره الفنان شوقي شامخ والذي كان في كثير من مشاهد الفيلم يعنف يوسف ابن الطبقة الوسطى ويدلل سيد مرزوق ذلك الثري العابث الذي لا يقيم وزناً لأية قيمة والذي يحترف نسج الأساطير حول نفسه ويوحي للآخرين عبر هالة من العمق والغموض أنه فيلسوف يفهم كل شيء وهو في الحقيقة فارغ لدرجة تثير الشفقة.
ويرى أحمد شوقي أن داود عبد السيد لعب في هذا العمل على تقنية الرمز لكن من خلال فيلم يبدو واقعيًا بامتياز ولا يعلو فيه الرمز على الدراما مع حرفية عالية ضمنت للفيلم أن يتم عرضه كاملاً دون خدشٍ واحد من مقص الرقيب ذلك أن اكتشاف الرمز في أحداث الفيلم يحتاج إلى وعيٍ وتركيز وتصل أحداث الفيلم إلى العقدة الدرامية فيرتكب سيد مرزوق جريمة قتل عن طريق الخطأ وينتابه الخوف والهلع ويتم إلقاء التهمة على يوسف الذي يطارده الضابط عمر في الوقت الذي يثق فيه ثقة عمياء بسيد مرزوق ثم تنكشف الحقيقة في النهاية وينكشف للبطل أنه من المستحيل أن يعود إلى صومعته وكانت هذه هي قصة البحث عن السيد مرزوق.