د. لؤي الصمادي يكتب: الطفل ريان وحكمة الرحمن

  • أحمد عبد الله
  • الإثنين 07 فبراير 2022, 06:36 صباحا
  • 1051
الطفل المغربي ريان

الطفل المغربي ريان

كتب الله تعالى وقدّر أجل  الطفل ريان من قبل أن يولد، فما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.
نعم، لم يكن لينحرف عن تلك الحفرة ولا أن يتأخر عنها، فهذا أجلُه ومصيره، كما أن لكلّ إنسانٍ منّا أجلَه ومصيره.
وقد ماتَ أطفال كثيرون وسيموت أطفال، ولكن شاء الله تعالى بحكمته أن يؤخر موت هذا الطفل، فيحتبس ساعاتٍ في جوف بئر، ثم تصعد روحه إلى بارئها، لحكم عظيمة.
فمن حكم الله: اختبارُ عباده وابتلاؤهم، ليظهر من منهم يؤمن بقدر الله، وأنّ له الحكم وحده.
فكم طمِعنا وأمّلنا خروج الطفل سليمًا من البئر، ثمّ حزِنّا وأسِفنا على وفاتِه، لكنّا صبرنا ورضينا بقضاء الله وقدره، فليس رجاؤنا رجاءَ الذي ينتظر شيئًا هو حقٌّ واجبٌ له، بل رجاؤنا رجاءُ العبد، الذي إذا أُعطي رضيَ وشكَر، وإذا حُرمَ رضيَ وصبَر.
لا نعبدُ الله على نمَطٍ واحد، بأن نعبده إذا أعطانا ما نطلب، ثم إذا أصابتنا مصيبةٌ انقلبنا على وجوهنا ساخطين، بل نعبده على كلّ حال، ونحمده على كلّ حال، ونرضى بحكمه مطمئنّين كيفما حكم وقضى وقدّر.
نوقن ونقرّ أنّنا لله، وأنّنا إليه راجعون:
جميعنا لله: خلقًا وملكًا، فهو يقضي ما يشاء فينا بحكمته، وليس للمملوك الذي لا يعلم، أن يعقب على حكم الملك العليم الحكيم.
وجميعنا إليه راجعون: فإذا أخذ عبدًا له بمشيئته، فهذا مصير الجميع، ليس مصيرَ واحد فقط.
لا نشترط على ربّنا أن نعلم لماذا فعل؟ ولماذا قدّر؟ لأنّ يقيننا بأنّه المَلِك المتصرّف في حكمه بما شاء، وأنّه لا يفعل إلا عن علمٍ وحكمة، يملأ قلوبنا طمأنينةً إلى قضائه، وسكونًا إلى تقديره.
نتبع في هذا نبينا ورسولَنا محمدًا ﷺ، العبدَ العالم بربّه، المؤمن الراضيَ الصابر، فنقول: إنّ العينَ لتدمع، وإن القلب ليحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا على وفاتك يا (ريان) لمحزونون.
فنحزنُ حزنَ العبد الذي ليسَ له من أمره شيء، ونرضى رضا المؤمن الذي يعلم أن ربه عليم حكيم.
فلو لم يكن في حكمة الله تعالى، إلا اختبار الناس وامتحان إيمانهم ويقينهم لكفى بها حكمة؛ لأنّ هذه الدنيا خُلقت لأجل الابتلاء والاختبار، والاختبار يحصل تارةً بالإنعام وتارةً بالحرمان، فلو لم تحصل في الدنيا المواقف التي تمحّص وتكشف، لفَقَدت ما خُلقَت لأجله!
ومن حكم الله: رفعُ درجات المبتلَين إذا صبروا، وتعظيمُ أجورهم، وتعويضهم على صبرهم بما هو أعظم بكثيرٍ مما فاتهم من الدنيا، فإنّ الصابرين يوفّون أجرهم بغير حساب، حتى يغبَطهم يوم القيامة المعافَون.
ومن حكم الله: أن قلوب المسلمين اجتمعت حرصًا على استخراج طفل منهم، فظهرت وَحدة قلوبهم، وأُلفة نفوسهم، واجتماع همّهم وخاطرهم على فردٍ واحدٍ منهم.
ومن حكم الله: ظهور معاني الشفقة والرّحمة في نفوس المسلمين، فكم من قلبٍ قاسٍ يلين عند البلاء، ونفسٍ جافيةٍ غليظةٍ تتوجع للمصاب، ولولا ذلك لهلكت بقسوتها.
ومن حكم الله: أن نستيقظ لأطفال المسلمين، ونصحوَ لما يُصيبهم، ونخرج من مادّيتنا واشتغالنا المَقيت بجمع حطام الدّنيا والسباق المحموم فيها، إلى الاهتمام بأحوال هذه الفئة الضعيفة التي هي أمانةٌ في أعناقنا.
كم يسقط مِن أطفالنا مَن يسقُط، في بئر الفقر أو البرد أو التشريد، ونحن غافلون لاهون عن استخراجهم، مع ما تملكه دولنا ومؤسساتنا وتجّارنا من مقدّرات تُنفَق على الرّفاهيات أو على المحرّمات؟
وكم يقعُ من أطفالنا اللاجئين في الغرب في بئر الاختطاف والفصل عن آبائهم ليُفتنوا عن دينهم، {والفتنة أشدّ من القتل}، حتى بلغ عددهم في #السويد عشرين ألفًا، كلّ ذلك بسبب ويلات الحروب التي يشنّها عليهم الطغاة الظالمون، فيلجئونهم إلى ديار الكفرة المجرمين، ولا يجدون من يُخرجهم من هذا البئر العميق، بفتح نفق اللجوء لهم في بلاد المسلمين؛ وذلك خوفًا من أن ينافسوهم في رزقهم الذي لم يخلقوه هم، ولم يقدّروه هم، بل هو رزق الله في أرض الله؟
كم يسقط من أطفالنا في بئر التفاهة والضياع والإفساد، فيُتركون ليسقطوا في حفرةِ #التيكتوك ، أو حفرةِ #الأنيمي ، أو حفرةِ #الكيبوب ، أو غيرها من حفرٍ عميقةٍ، لا تنتهي إلا إلى قعر الانحلال والشـ.ـذوذ واللادينية، ثم لا يجدون قبل سقوطهم من يردِم تلك الحفر ويسدّها عنهم، ولا يجدون بعد سقوطهم من يفتح لعقولهم فوهةً من نور المسؤولية والهداية والرشاد؟
إنّ الهمّة التي أشعلت قلوبنا لاستخراج طفلنا من البئر لتخليصه من آلامه، جديرةٌ بأن تحرّكنا لنستخرج أطفالنا مما هم فيه من آبار.
ولله حِكَمٌ وحِكَم. فالحمد لله على كلّ حال، وله الحُكم في المبدأ والمآل.

تعليقات