د. خالد فوزي حمزة يكتب: معنى كون الإبل خلقت من الشياطين

  • أحمد عبد الله
  • الإثنين 07 فبراير 2022, 06:05 صباحا
  • 1474

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه..

أما بعد..

فقد ورد الحديث الصحيح عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (صَلُّوا فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ وَلَا تُصَلُّوا فِي أَعْطَانِ الْإِبِلَ فَإِنَّهَا خُلِقَتْ من الشياطين)[ أخرجه الإمام أحمد والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه].

فما معنى خلق الإبل من الشياطين؟؟ وهي من الأنعام كسائر النعم؟!


وممن تكلم فيه من العلماء الإمام ابن قتيبة؛ فقد قال في تأويل مختلف الحديث، وذكر ما أورده بعضهم منكراً: (قالوا رويتم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة في أعطان الإبل لأنها خلقت من الشياطين ونهيه عن الصلاة في أعطان الإبل لا ينكر وهو جائز في التعبد، فلما وصلتم ذلك بأنها خلقت من الشياطين علمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أن الإبل خلقت من الإبل كما أن البقر خلقت من البقر والخيل من الخيل والأسد من الأسد والذباب من الذباب. قال أبو محمد: ونحن نقول إن النبي صلى الله عليه وسلم وغير النبي يعلم أن البعير تلده الناقة وأنه لا يجوز أن تكون شيطانة تلد جملا ولا أن ناقة تلد شيطانا، وإنما أعلمنا أنها في أصل الخلقة خلقت من جنس خلقت منه الشياطين، ويدلك على ذلك قوله في حديث آخر إنها "خلقت من أعنان الشياطين) [هذا الأثر لم أقف عليه] ، يريد من جوانبها ونواحيها كما يقال بلغ فلان أعنان السماء أي نواحيها وجوانبها ولو كانت من نسلها لقال فإنها خلقت من نسلها أو بطونها أو أصلابها وما يشبه هذا ولم تزل العرب تنسب جنسا من الإبل إلى الحوش فتقول ناقة حوشية وإبل حوشية وهي أنفر الإبل وأصعبها، ويزعمون أن للجن نعما ببلاد الحوش وأنها ضربت في نعم الناس فنتجت هذه الحوشية قال رؤبة: (... جرت رحانا من بلاد الحوش...). وقد يجوز على هذا المذهب أن تكون في الأصل من نتاج نعم الجن لا من الجن أنفسها، ولذلك قال من أعنان الشياطين أي من نواحيها، وهذا شيء لا ينكره إلا من أنكر الجن أنفسها والشياطين، ولم يؤمن إلا بما رأته عينه وأدركته حواسه، وهو من عقد قوم من الزنادقة والفلاسفة يقال لهم الدهرية وليس من عقد المسلمين. اهـ من تأويل مختلف الحديث (1/132، 133).


وقال الخطابي: (فإنها من الشياطين يريد أنها لما فيها من النفور والشرود ربما أفسدت على المصلي صلاته والعرب تسمي كل مارد شيطانا كأنه يقول إن المصلي إذا صلى بحضرتها كان مغرراً بصلاته لما لا يومن من نفارها وخبطها المصلي)اهـ. من معالم السنن (1/148).


وقال أبو عبيد: (في حديثه عليه السلام أنه سئل عن الإبل فقال: أعنان الشياطين لا تقبل إلا مولية ولا تدبر إلا مولية ولا يأتي نفعها إلا من جانبها الأشأم [هذا في غريب الحديث لأبي عبيد ابن سلام (3/157)؛ لكن هذا الأثر لم أقف عليه]. وهذا الأثر معناه كما قال ابن الأثير في النهاية في غريب الأثر (5/510): (أي من شأنها إذا أقبلت على صاحبها أن يتعقب إقبالها الإدبار وإذا أدبرت أن يكون إدبارها ذهابا وفناء مستأصلا. وقد ولى الشيء وتولى إذا ذهب هاربا ومدبرا وتولى عنه إذا أعرض)اهـ.


وقال الزمخشري في الفائق: (سئل صلى الله عليه وسلم عن الإبل فقال أعنان الشياطين لا تقبل إلا مولية ولا تدبر إلا مولية ولا يأتي نفعها إلا من جانبها الأشأم الأعنان: النواحي جمع عنن وعن يقال أخذنا كل عن وسن وفن أخذ من عن كما أخذ العرض من عرض. وفي الحديث أنهم كرهوا الصلاة في أعطان الإبل لأنها خلقت من أعنان الشياطين قال الجاحظ: يزعم بعض الناس أن الإبل فيها عرق من سفاد الجن وذهبوا إلى هذا الحديث [كما في الحيوان للجاحظ، (1/152)]؛ وغلطوا؛ ولعل المراد والله ورسوله أعلم أن الإبل لكثيرةٌ آفاتُها وأن من شأنها أنها إذا أقبلت أن يعتقب إقبالها الإدبار، وإذا أدبرت أن يكون إدبارها ذهابا وفناء مستأصلا، ولا يأتي نفعها يعني منفعة الركوب والحلب إلا من جانبها الذي ديدن العرب أن يتشاءموا به وهو جانب الشمال)اهـ [الفائق في غريب الحديث (3/31)].


وقال أبو عبيد في غريب الحديث (3/157): فإن كانت الأعنان محفوظة؛ فإنه أراد أن الإبل من نواحي الشياطين أنها على أخلاقها وطبائعها، وهذا شبيه بالحديث الآخر أنها خلقت من الشياطين، وفي حديث ثالث: إن على ذروة كل بعير شيطانا. اهـ؛ والحديث الذي ذكره هو (على ذروة كل بعير شيطان فامتهنوهن بالركوب فإنما يحمل الله تعالى)، [رواه الحاكم عن أبي هريرة مرفوعاً، وصححه الألباني].

وأورد ابن رجب في شرح البخاري كلام ابن قتيبة ثم قال: (3/ 223): (ويجوز أن خلقت في أصلها من نار، كما خلقت الجن من نار، ثم توالدت كما توالدت الجن. والله تعالى أعلم).... ثم أورد كلام الخطابي وأبي عبيد وحديث: (إن على ذروة كل بعير شيطانا) ثم قال: مع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في السفر على بعيره النوافل، وهذا مما يستدل به من يقول: أن النهي عن الصلاة في الأعطان لا يمنع صحة الصلاة). اهـ.



وقال في عمدة القاري (6/478): (والأعطان جمع عطن وقد فسرناه والمَبارك جمع مَبرك وهو موضع بروك الجمل في أي موضع كان، والمُناخ بضم الميم وفي آخره خاء معجمة المكان الذي تناخ فيه الإبل. والمرابد هي بالدال المهملة الأماكن التي تحبس فيها الإبل وغيرها من البقر والغنم وقال ابن حزم كل عطن فهو مبرك وليس كل مبرك عطنا لأن العطن هو الموضع الذي تناخ فيه عند ورودها الماء فقط والمبرك أعم لأنه الموضع المتخذ له في كل حال فإذا كان كذلك تكره الصلاة في مبارك الإبل ومواضعها سواء كانت عطنا أو مناخا أو مباءة أو مرابد أو غير ذلك فدل هذا كله أن علة النهي فيه كونها خلقت من الشياطين ولا سيما فإنه علل ذلك بقوله فإنها خلقت من الشياطين وقد مر في رواية أبي داود فإنها من الشياطين وفي راوية ابن ماجه فإنها خلقت من الشياطين فهذا يدل على أن الإبل خلقت من الجن لأن الشياطين من الجن على الصحيح من الأقوال وعن هذا قال يحيى بن آدم جاء النهي من قبل أن الإبل يخاف وثوبها فتعطب من تلاقي حينئذ ألا ترى أنه يقول إنها جن ومن جن خلقت واستصوب هذا أيضا القاضي عياض). اهـ.


وقال المناوي في فيض القدير شرح الجامع الصغير (2/406): (قال ابن جرير معناه أنها خلقت من طباع الشياطين وأن البعير إذا نفر كان نفاره من شيطان يعدو خلفه فينفره ألا ترى إلى هيئتها وعينها إذا نفرت؟ انتهى، وقال الزمخشري عن الجاحظ زعم بعضهم أن الإبل فيها عرق من سفاد الجن بهذا الحديث وغلطوا وإنما ذلك لأن للشيطان فيها متسعا حيث سيقت أولا إلى إغراء المالكين على إخلالهم بشكر النعمة العظيمة فيها فلما زواها عنهم لكفرهم أغرتهم أيضا على إغفال ما لهم من حق جميل الصبر على الرزية بها وسولت لهم في الجانب الذي يستعملون فيه نعمتي الركوب والحلب أنه الآثام وهو بالحقيقة الأيمن. اهـ.


وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في شرح العمدة (4/ 454): (والشيطان اسم لكل عات متمرد من جميع الحيوانات والشياطين من ذرية إبليس تقارب شياطين الانس والدواب فمعاطنها مأوى الشياطين، أعني انها في أنفسها جن وشياطين لمشاركتها لها في العتو والتمرد والنفر وغير ذلك من الأخلاق، وأن ذرية إبليس مقترنة بها، وإذا كان كذلك فالمواضع التي هي مآلف الشياطين ومثواهم نهى الشارع عن الصلاة فيها لما في الصلاة فيها من المفسدة التي تعكس على المصلي مقصوده من العبادة، بل هي من أبلغ الأسباب المانعة من صحة العبادة وصلاحها، كما فضل الأماكن التي هي مألف الملائكة والصالحين مثل المساجد الثلاثة لما يرجى هناك من مزيد الرحمة والبركة وكمال العبادة. ولما يخاف هنالك من نقص الرحمة والبركة ونقص العبادة، ألا ترى إلى قوله {رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون}، [المؤمنون: 97] ألا ترى أن المسجد صين عن كل ما ينفر الملائكة من التماثيل والجنب وارتفاع الأصوات ونحو ذلك، فعلم أن مواضع العبادة يقصد أن تكون مما تنزل فيه الرحمة والسكينة والملائكة، وأن ما كان محلا لضد ذلك لم يجعل موضع صلاة.


وهذه العلة التي أومأ اليها الشارع هنا أومأ اليها في مواضع أخر فإنهم لما ناموا عن صلاة الفجر بعد القفول من غزوة خيبر واستيقظوا قال صلى الله عليه وسلم: (ليأخذ كل رجل منكم برأس راحلته فان هذا منزل حضرنا فيه الشيطان) مع أمره بصلاة الفائتة حين ينتبه لها وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا كفارة لها إلا ذلك).

فعلم أن الصلاة ببقعة يحضرها الشيطان أمر محذور في الشرع، واعتبر هذا المعنى في قطع الصلاة بمرور المار فقال لما سئل عن الفرق بين الكلب الأسود والأبيض والأحمر: (الكلب الأسود شيطان)، وقال: (إن عفريتا من الجن تفلت علي البارحة ليقطع علي الصلاة فأمكنني الله منه فذعته)، الحديث وفي رواية: (مر علي الشيطان فتناولته فأخذته فخنقته)، ونحن نقول بجميع هذه السنن ونعلل بما علل به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه يعلم ما لا نعلم وأمره يتبع علمه بأبي هو وأمي). اهـ، [وانظر أيضاً: «مجموع الفتاوى» (19/41)، (21/320)]


وقال الشيخ ابن عثيمين كما في الشرح الممتع على زاد المستقنع (2/247): "وقال بعضُ أهل العلم: إنما نُهي عن الصلاة في مبارك الإبل أو أعطانها؛ لأنها خُلقت من الشياطين، كما جاء ذلك في الحديث الذي رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح، فإذا كانت مخلوقة من الشياطين، فلا يبعد أن تصحبها الشياطين، وتكون هذه الأماكن مأوى للإبل ومعها الشياطين، وتكون الحكمة في النهي عن الصلاة فيها كالحكمة في النهي عن الصلاة في الحمَّام، وهذا الذي اختاره شيخُ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو أقرب ما يُقال في الحكمة، ومع ذلك فالحكمة الأصيلة هي التعبُّد لله بذلك. اهـ

وقال أيضاً في الشرح الممتع (2/142): "لأنها خُلقت من الشَّياطين"، وليس معناه: مادتها من الشَّياطين، بل لأن فيها خُلُقاً كبيراً من أخلاق الشَّياطين، وإذا كان في المخلوق خُلُقٌ كبير من شيء معين نُسب إليه، ولهذا قال تعالى: {خُلِقَ الإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} [الأنبياء: 37] مع أنه خُلق من تُراب، لكن لما كانت طبيعتُه العَجلة صار كأنه ناشئٌ منها، كأنها عنصر وجوده. اهـ.

وقال في الشرح الممتع (1/451، 452): (وقيل: إنها خُلِقت من الشَّياطين كما ورد بذلك الحديث. وليس المعنى أنَّ أصل مادَّتها ذلك، ولكن المعنى أنها خُلِقت من الشَّيطنة، وهذا كقوله تعالى: {خُلِقَ الإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} [الأنبياء: 37]، وليس المعنى أن مادة الخَلْق من عجل، لكن هذه طبيعته، كما قال تعالى: {وَكَانَ الإِنْسَانُ عَجُولاً} [الإِسراء: 11]. وكذا ورد وإِن كان ضعيفاً: «أن على ذروة كُلِّ بعير شيطاناً»، فيكون مأوى الإِبل مأوى للشياطين، فهذا يشبه النهي عن الصلاة في الحمَّام؛ لأن الحمَّام مأوى الشياطين.

فإن قيل: إِن النبي صلى الله عليه وسلم أباح شرب أبوال الإِبل للضَّرورة، والضَّرورات تُبيح المحظورات؟. فالجواب من وجوه:

الأول: أن الله لم يجعل شفاء هذه الأُمَّة فيما حَرَّم عليها.


الثاني: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يأمرهم بِغَسْل الأواني بعد الانتهاء من استعمالها، إِذ لا ضرورة لبقاء النَّجاسة فيها.

الثالث: القاعدة العامة: «لا ضرورة في دواء». ووجه ذلك: أن الإِنسان قد يُشفَى بدونه، وقد لا يُشفَى به. اهـ.

وإنما يمنع التداوي بالحرام؛ للحديث الوارد مرفوعاً (من تداوى بحرام لم يجعل الله له فيه شفاء)، رواه أبو نعيم، وما رواه الدولابي مرفوعاً: (إن الله خلق الداء و الدواء، فتداووا، ولا تتداووا بحرام)، وصححهما الألباني، وورد بلفظ: (إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرَّم عليكم)، لكن موقوفاً على عبد الله بن مسعود علقه البخاري بصيغة الجزم. فلا يحل التداوي بالحرام.

وهذا الذي قالوه في معنى الحديث (فَإِنَّهَا خُلِقَتْ من الشياطين) أن معناه أن فيها خُلُقاً كبيراً من أخلاق الشَّياطين هو المعتمد الراجح ، والله تعالى أعلم. وصل الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم


كتبه:

أ. د. خالد فوزي عبد الحميد حمزة
الأستاذ الدكتور بجامعتي العلا ومينيسوتا

تعليقات