أفلا تبصرون.. هل رأيت نمل الباندا من قبل؟!
- الأحد 24 نوفمبر 2024
كتاب هناك إله لـ أنتوني فلو
قدمت الدكتورة
شيرين حامد فهمي، ملخصا عن كتاب "هناك إله" لـ أنتوني فلو، وذلك عبر
منصة خطوة للدراسات والتوثيق.
وأوضحت أن
"فلو" أرجع في كتابه “هناك إله”، أسباب إلحاده – منذ الصغر
– إلى التنشئة المسيحية الصارمة في داخل البيت، مما ولًد لديه نفوراً عاماً من الدين،
الأمر الذي أثار لديه الأسئلة المعتادة التي طالما يطرحها الملحدون، وهي: لماذا يوجد
الشر في العالم؟ وأين الدليل التجريبي على وجود الإله؟
"أحد الأسباب المبكرة
الأولى لتحولي إلى الإلحاد كان مشكلة وجود الشرور في العالم”، هكذا انطلق “فلو” مبرراً
ومُقدماً سبباً رئيسياً وراء إلحاده في سنٍ مبكرة، حيث لم يكن قد جاوزً الخامسة عشر
من عمره حينما بدأ يرفض فكرة الإله.
رأى “فلو” الشرور – حينذاك – متمثلةً
في أجواء الحرب العالمية الأولى، والتمييز ضد اليهود؛ الأمر الذي أثار لديه الشك في
وجود إله محبٍ ذي قدرةٍ مطلقةٍ وخيرٍ مطلق، كان سؤاله المُلح دائماً: كيف يمكن تفسير
وجود الشر والألم والمعاناة في العالم مع وجود إلهٍ قادر؟
وهناك أسباب أخرى أضافت لديه مزيداً من الشكوك والحيرة؛ منها عدم قناعته بالإيمان
الصارم لوالده، حيث وصفه قائلاً: “هو الإيمان الذي لم أشعر بأي ارتباط عاطفي قوي تجاهه”،
ومنها تأثره بكتابات الفيلسوف “لودفيج ويتينجستاين
Ludwig Wittingstei” ” الذي يعتبر من أشهر ملاحدة القرن العشرين.
وقد أصبحت فرضية الإلحاد نقطة انطلاق منهجية في كتابات فلو، وقد برر تلك الفرضية
بعدم توفر الدلائل والأسباب الوجيهة للاعتقاد بوجود إله، فقام بنفي وتكذيب الحُجة الغائية
والكونية والأخلاقية (أن هناك غاية إلهية لخلق هذا الكون)، مفترضاً استحالة الوصول
إلى نتيجة صحيحةٍ عبر خبرةٍ دينيةٍ خاصة.
وانطلاقاً من تلك التساؤلات التي لم يجد لها إجابات مقنعة – في ظل التنشئة الدينية الصارمة التي أحاطت به منذ الصغر – ظل “فلو” قرابة خمسين عاماً مناصباً العداء لعقيدة الإيمان بالله، إلا أنه مع تقدم العلم في المجالات الطبيعية، وخاصة البيولوجية، بدأ التشكك في الإلحاد يتسلل إلى نفسه.
فالاكتشاف العلمي للحامض النووي بتعقيداته الخارقة كان سبباً رئيسياً وراء مراجعته
لقناعاته الإلحادية، وبداية اعتقاده بضرورة وجود روح غير مادية عالمة بكل شيء، وبعقل
خارق الذكاء والتصميم لا يصل إليه أي عقل بشري، مهما بلغت عبقريته.
لقد كانت اكتشافات الحامض النووي سبباً وراء إعلان إيمانه بجود إله، في ندوةٍ
بجامعة “نيويورك New York” عام 2004. تطرق
في تلك الندوة إلى التعقيد الشديد – غير القابل للتصديق – المصاحب للخطوات اللازمة
لخلق الحياة؛ كيف تعمل العناصر المختلفة معاً؛ وكيف تتفاعل بدقةٍ متناهية؛ مما يستدعي
ذكاءً خارقاً. لقد كان إعلان “فلو” متسقاً مع المبدأ الذي تبناه منذ بداية مسيرته الفلسفية؛
وهو مبدأ اتباع الحُجة حيث تقوده.
وبالإضافة إلى
اكتشافات الحامض النووي، التي دفعت “فلو” نحو اكتشاف المقدس، كان هناك أيضاً الاكتشافات
العلمية الحديثة عن ماهية العقل البشري، والتي فسرت العقل في شكلٍ معاكس لما كان يفترضه
أو يتوهمه الإلحاديون.
فقد تم اكتشاف أن العقل ليس نتاجاً فقط لتفاعل أيونات الصوديوم والكالسيوم،
وبأن الإنسان ليس مُجبراً على تفكير معين أو سلوك معين، وهو ما أفضى إلى تشكك “فلو”
في قانون الحتمية الذي طالما احتفى به الإلحاديون. فقد لاحظ “فلو” – كما أورد [1]في
كتابه – أن الاختيارات الإرادية للإنسان لا يمكن اقتصارها على الأسباب المحددة فيزيائياً؛
وهو أمرٌ راجعٌ للاختلاف الجوهري بين أسباب الأفعال البشرية وأسباب الأفعال غير البشرية.
بدأ يميز بين التحرك الاختياري للبشر moving (التي هي خاصية
البشر) وبين حركة الكيانات التي لا تمتلك الإدراك والقصد والاختيار
motion. لقد أفضت جميع تلك الملاحظات إلى تشكك “فلو” في فرضية الحتمية
الفيزيائية الحاكمة للكون؛ ومن ثم إعادة نظره في فرضية الإلحاد بشكلٍ عام؛ وساعده في
ذلك “ريتشارد سوينبرن Richard Swinburne ” الذي تناول بلغة
علمية حديثة الأدلة التي تثبت وجود الله.
أما بالنسبة لفرضية الملحدين الكبرى – والتي تتلخص في انبثاق الحياة بالصدفة – فقد قام فلو بدحضها علمياً ومنطقياً وفلسفياً؛ إذ لم يجد الإلحاديون دليلاً واحداً يقدمونه لإثبات تلك الفرضية؛ وهو الذي دعم من شكوك “فلو” في الفكر الإلحادي، كما أشار في كتابه. لقد اكتشف “فلو” بأن “انبثاق الحياة من المادة” ليس له أية دلائل علمية أو فلسفية، ومن ثم يفتقد إلى العقلانية والحُجة. فتساءل مستنكراً: “ما الذي ينبغي أن يحدث أو يجب أن يحدث لكي نعتبره على أقل تقدير سبباً للتفكير في وجود عقل خارق”؟(ص105).
في رحلة اكتشافه للمقدس، أثارته ثلاثة أسئلة: من أين جاءت قوانين الطبيعة؟ كيف
جاءت الحياة من اللاحياة؟ كيف جاء الكون إلى الوجود؟ وعبر رحلة عقل – وليس رحلة إيمان
– بدأ في اكتشاف الألوهية، كما يؤكد في كتابه. اكتشف أن قوانين الكون المُعقدة تبين
وتفسر ما أسماه العلماء “عقل الإله”. فقوانين الاطراد والتماثل في الطبيعة لابد لها
من كاتبٍ حكيم؛ إذ كيف جاءت تلك القوانين كحزمةٍ واحدة؟ وهو ما قاده إلى حُجة التصميم
Argument from Design التي تقول إن التصميم الواضح في الطبيعة يدل
على وجود مصمم للكون.
وبعد رحلة عقلٍ طويلة، اعترف الفيلسوف الإنجليزي بعدم علمية ومنطقية إلحاده.
فأقر بأن إلحاده، منذ سنٍ مبكرة، لم يكن مبنياً على أسس علمية، إنما كان مبنياً على
“عناد صغار السن”.
وفي نهاية كتابه، أبدى “فلو” تقديره “للروح المتفوقة للانهائية التي تُظهر نفسها
في أدق التفاصيل التي نستطيع إدراكها بعقول واهية ضعيفة”، فكتب قائلاً: “هذه القناعة العاطفية العميقة بوجود
القوة المنطقية المتفوقة التي تتبدى في الكون الذي لا يمكن الإحاطة به هو الذي شكل
فكري عن الإله” (ص121).
وهكذا نجد كيف كانت الاكتشافات العلمية معولاً رئيسياً في هدم منظومة الإلحاد عند انتوني فلو، وكيف أنها وفرت متسعاً لإعادة التفكير في تلك المنظومة؛ فجعلت واحداً من أبرز ملاحدة العصر الحديث يعلن ويجاهر بكفره بتلك المنظومة.