رحلة مع رواية كوكب القردة

  • عبير عبد الله
  • الثلاثاء 17 سبتمبر 2019, 11:27 مساءً
  • 1213
صورة الكاتبة عبير عبدالله المصاحبة  لمقالها النقدي  لرواية كوكب القردة

صورة الكاتبة عبير عبدالله المصاحبة لمقالها النقدي لرواية كوكب القردة

   رحلة مع رواية  كوكب القردة  

ل . بيير بول  ترجمة : هشام ممدوح طه

بقلم : عبير عبدالله

المدينة الفاضلة والدويستوبيا وجهان لعملة واحدة

     العنوان عتبة  النص : العنوان  الأساسي  قبل الترجمة من  الفرنسية إلى  الإنجليزية ثم إلى  العربية   ( كوكب القرود )  لكن  المترجم  الأستاذ  هشام ممدوح  طه آثر  تغيير العنوان إلى ( كوكب القردة ) ، لأن التركيز الأساسي  في  أحداث  الرواية  يقع على القرود التى لا ذيل لها  ، وهي ما  يسميها  العالم  البريطاني  الشهير تشارلز داروين  القردة  العليا ؛ لأنها في رأيه  أعلى  في سلم الترقي حيث أنها أقرب في مشيتها  إلى الانتصاب  .

    كعادة روايات الخيال العلمي  تكون  الفكرة ،المغزى والمعالجة هم الأبطال الحقيقيون، في إطار فن  السرد الروائي،ومدى طزاجة ذلك وإدهاشه ،مع استناده على  مبادئ العلم وقيمه ونظرياته أو احتمال  حدوثه ، يأخذنا  الكاتب في رحلة  ممتعة  إلى  كوكب سورور في نظام  منكب الجوزاء  .

       تنقسم الرواية  إلى  38 فصل  معنونة بالأرقام فقط كي يترك العنان لمخيلة  المتلقي  للسباحة في تيارات شتى ، كثير منها يصلح ليكون فكرة  وعنوانًا .  

ثم  يرجعنا إلى  القصص القديمة  عندما كان البطل يكتب رسالة  هامة  ويضعها في زجاجة  ويلقي بها في البحر كي تصل  صدفة إلى  بطل آخر وتستمر دائرة  القصة  ، فيلمحا  شىء لامع  في الفضاء   ، يسعيان للوصول إليه .. يفتحان

 الرسالة التي بالزجاجة – لذا فهي قصة إطار أيضًا - وتأخذ الرواية منحى آخر  ...

   يتحول  الرواي إلى ضمير المتكلم علي لسان البطل ( أوليس ميرو ) كاتب رسالة الزجاجة  المشارك في التجربة ذاكرًا المغزى من هذه الرسالة  في الفصل الثاني  ص 8 )إنني أعهد بهذه المخطوطة إلى الفضاء، ليس بغرض إنقاذ نفسي ، ولكن  بهدف المساعدة ربما لتفادي وقوع هذه  الكارثة المروعة التي تهدد الجنس البشري، ليرحمنا الرب ! ) .

   فهل  حقق صاحب الرسالة رسالته ؟!...

  ** بعض التعبيرات تأتي  سوابق وإرهاصات لما سيأتي للتشويق ، لفت الانتباه  والإثارة  مثل: تعليق (  فيليس ) عدة  مرات بتعجب :( الجنس  البشري ؟ ! )لنكتشف ما وراءها في الأسطر الأخيرة من الرواية  .

ابتداءً من  الفصل  رقم ( 4 ) تبدأ أحداث الرواية الفعلية بنزول رواد السفينة الثلاثة على أرض كوكب سورور الذي يشبه الأرض حيث به  ماء وهواء، به غابات  وجبال ومحيطات لذا هو  مأهول .

    سكان  هذا الكوكب العجيب نوعان من المخلوقات  .

  البشر وهم كائنات غير عاقلة لا تتكلم ، لا تجيد غير أصوات الحيوانات بكل أشكالها ؛ عواء وصراخ ونشيج ، لهم وجوه خالية من أي تعبير ، فزعوا  أشد الفزع لما رأوا رجال سفينة الفضاء الثلاث يرتدون ملابس ، طعامهم من الحيوانات التي يصطادونها ويأكلونها  كما  هي نهشًا بأظافرهم وأسنانهم دون  ذبح أو  سلخ  أو طهو !.يكرهون القردة  أشد الكراهية .

- القردة  : وهم المخلوقات العاقلة الوحيدة على ظهر كوكب سورور ؛ يرتدون الملابس بأريحية  وذكاء  ويتعاملون  بلياقة وتهذيب كبني البشر المتحضرين ، يركبون السيارات ، يصنعون  مراكب الفضاء ، يدرسون ويجرون التجارب العلمية و...

وهم ينقسمون  إلى  3 ثلاث عائلات متباينة ، وقد ألغيت الحواجز العنصرية بينهم بفضل  حملات الشمبانزي .

استخدام أسلوب  المفارقة  أو المعادل  الموضوعي

   فالقردة على كوكب سورور يجعلون من  البشر حيونات  تجارب  يجرون عليهم  أقسي وأبشع التجارب  مثلما  يفعل  الإنسان  على  الأرض مع  الحيوانات  الأخرى  خاصة  القردة  التي تتشابه  بدرجة  كبيرة  مع  جسم  الإنسان  وهذه  ذات المعلومة التي يسير عليها  القردة  مع  البشر الأغبياء .

     تتحرك الأحداث لتنهي صراعًا  على كوكب القردة ليبدأ آخر على كوكب الارض  في خاتمة  كابوسية  مفتوحة  عندما يولد لأوليس الإنسان  طفل  جميل من نوفا البشرية المتخلفة، ذكي ، سريع التعلم ، يتكلم ، مما عرض حياته  بل حياتهم جميعًا للخطر ؛ فلن يكفوا عن عمل اختبارات قاسية مؤلمة  مميتة ، أو على الاقل تفقدهم  آدميتهم وهم على قيد الحياة ، ولذلك تم تهريب ثلاثتهم عن طريق الشمبانزي العالمين  زيرا  وخطيبها في قمر صناعى ، ووضعا بدلا منهم  ثلاثة  من البشر رجل وامراة وطفل، واستغلا  ان  القردة  لا  تميز  بين إنسان وآخر .

  الرمز هنا  والإحالة   على سبب تأخر  الإنسان على  كوكب الأرض بسبب سيطرة  المتحذلقين  الأغبياء على التعليم ومناهجه، وأننا رغم تأخرنا عن ركب التقدم إلا أننا  نسير بطريقة القصور الذاتي أو الاستمرار عن  طريق التقليد والاستمرار فيه .، وربما وجود بعض الشمبانزي المفكرين على كوكب سورور، أو المفكرين من بني  الإنسان على  الأرض  بمثابة  مسامير تثبت  بناء الحضارة  حتى  لا يتهدم .

-         الفكرة المفتاح أن الهدف السامي الذي  بعث  الله  سبحانه  أوليس  من أجله هو أن  ينقذ  الجنس  البشري على  كوكب سورور  .

-          وأن أوليس يشكل خطرًا على الجنس  القردي .

الرواية  دائرية : تبدأ بمشهد (جن وفيليس) الحبيبين فى  مركبتهما  الفضائية العجيبة  ، وتنتهي بهما  ، ويخبئ الكاتب السر المدهش حتى السطور الأخيرة من الرواية ليفاجئئنا أنهما اثنان من الشمبانزي من كوكب القردة  ؛ فلا نستطيع منع أنفسنا من التصفيق ورفع القبعة  .

    الخاتمة  العجائبية  بعد رجوع  أوليس  إلى الأرض ومعه زوجته نوفا  من كوكب  سورور وطفلهما  يجدان أن  الحضارة الأرضية  صارت  للقردة  وأن حال البشر صار مثل حالهم على  كوكب  سورور .

- نلاحظ هنا أن عودة أوليس إلى الأرض بعد 700 سنة  إشارة إلى أن  الزمن نسبي  ، فربما يطول  عمر الإنسان لأسباب  ما في المستقبل ، ولربما  الحياة في الفضاء  فترة  تؤثر على  جسم  الإنسان  وقدرته  على استمرار  الحياة بإذن الله  ..... وربما  ما لا نعلمه !!.

رحلة روائية ممتعة  غاية في  التشويق   حيث القارئ  هنا  ليس مجرد متلق وإنما  فاعل   يفكر ويقبل آراء ويرفض أخري ، في جدال ونقاش دائم مع نفسه  كي  يصل إلى الحقيقة  التي  يصارع الجميع  للوصول إليها  وإن لم نصل إليها  كاملةً حتى  الآن .

تعليقات