سيد درويش .. العلامة الفارقة في تاريخ الموسيقى العربية

  • معتز محسن
  • الثلاثاء 17 سبتمبر 2019, 4:01 مساءً
  • 1096
فنان الشعب سيد درويش

فنان الشعب سيد درويش

منذ أيام مرت الذكرى السادسة والتسعون على رحيل بحر الموسيقى العربية العلم الكبير سيد درويش ، الذي وافته المنية يوم 15 سبتمبر من العام 1923 يوم عودة سعد باشا زغلول من منفاه بجبل طارق منتظرًا مقدمه مع نسمات يود البحر السكندري مستقبلاً وقت لمس أقدامه أرض الثغر بتلك الكلمات :

مصر وطنا سعدها أملنا      كلنا جميعًا للوطن ضحية

نجمع هلالنا ويا صليبنا         في حبك أنت يا حرية

كلمات مضفرة بعبق الوطنية عقدها كحبات العقد النفيس رفيق دربه ، بديع خيري أرادا أن يزينا عنق سعد وقت مجيئه من المنفى لكن للقدر رأي آخر  برحيل سيد درويش في عمر الحادي والثلاثين من عمره لم يعلم المعظم بيوم وفاته لإنشغال الجمع بلقاء الزعيم وتكرر نفس المشهد يوم 25 يوليو من العام 1924 يوم وفاة المنفلوطي الذي تزامن مع محاولة اغتيال سعد باشا على يد شاب إيطالي وهو بالإسكندرية يحيي الناس بمحطة القطار.

لم يسير في جنازة موسيقار الشعب إلا سبعة رجال ، جسد هذا المشهد الحزين الذي فرض نفسه بشكل حتمي على التاريخ المصري الشاعر الكبير نجيب سرور الذي إقترب من موهبة درويش شعرًا ومسرحًا ونقدًا ، ولولا مجيئ سعد يوم 15 سبتمبر 1923 لسار جموع الشعب في جنازة من عبر عنهم كاسرًا تابوهات غنائية وضعت حاجزًا صلدًا بين الفن والناس لإنغراق وإنغماس الجميع لملهيات متعمدة فرضها المستعمر عبر كلمات لا تسمن ولا تغني من جوع هدفها التخدير والتعتيم كي لا يصحو الناس على حقيقة سلب الأرض.

مثلما أحيا مصطفى كامل الوطنية المصرية في العام 1892 عقب عشر سنوات من الموات المؤقت بعد فشل الثورة العرابية ، تزامن مع هذا التاريخ مولد سيد درويش يوم 17 مارس بحي كوم الدكة حسب تدابير الأقدار بتزامن مولد الوطنية المصرية على يد زعيمها الشاب مصطفى كامل مع مولد من أخرج الموسيقى من شرنقة الإسفاف محييًا تراثًا ظل يعاني التجاهل والتسفيه.

حول درويش الموسيقى من لغة مخاطبة الغرائز والرغبات الجامحة للبوهيمية المتناهية ومقارعة كاسات الخمر وأوقات السعي لإشباع لقى الحبيب عبر المخاطبة الحسية إلى ملاحم عظيمة تجسد ما نادى به مصطفى كامل وما ينادي به سعد زغلول حول توحيد الصف بين طوائف الشعب كي لا تتشرذم مصر البهية.

تجسدت تلك المعاني في الأوبرا والأغاني الوطنية مرددًا أعذب الكلمات جامعًا الشيالين ، الحطابين ، السقايين ، سائقي السوارس وبائعي القلل مع معاناة الموظفين مشعرًا جميعهم بأنهم جزء أصيل وصميم من نسيج هذا المجتمع مع توكيده بالحس الفني العظيم للوحدة الوطنية مازجًا الهلال مع الصليب بهارمونية الفنان الواعي.

نَظَّر شيخ الملحنين للأوبريت المصري ، محولاً مسألة الإقتباس كما كان يفعل سلامة حجازي من التراث الغربي إلى ملحمة الإستلهام والإستنباط من البيئة المصرية كما وجدنا في (الباروكة - العشرة الطيبة - شهرزاد) وحول كلمات مصطفى كامل (بلادي بلادي) الخطابية إلى معزوفة غنائية أطلقت صرخاتها مع ميلاد ثورة 1919 بعد نظم يونس القاضي لها كملحمة مغناة تعد نفسها مستقبلاً لتكون نشيد مصر الرسمي.

استحق سيد درويش لقب فنان الشعب عن جدارة لجعل أوتار عوده النبراس الحق والمتابع الواعي لكل ما يحدث في مصر واضعًا إياه في مصاف المؤرخ المحيي لتراث البلاد مواجهًا لعبة الإندثار من قِبل القوى الظلامية ما بين الداخل والخارج.


تعليقات