باحث: التحريف في آيات الله من صور الإلحاد

  • د. شيماء عمارة
  • الخميس 16 ديسمبر 2021, 4:00 مساءً
  • 538
القرآن الكريم

القرآن الكريم

قال الباحث الشرعي النميري بن محمد الصبار، أن أبرز أنواع الإلحاد، ما كان في آيات الله عز وجل، وآيات الله عز وجل هي الدالة على عظمته ووحدانيته، وأول جزء فيها ما يتعلق بالخلق والتكوين، فنرى في قوله تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ ﴾ [الأنبياء: 32]، وقوله جل وعلا: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ ﴾ [الروم: 20]، وقوله: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21]، وقوله: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ ﴾ [الروم: 22]، وقوله: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [الروم: 24]، وقوله: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ [فصلت: 37].

 ويكون الإلحاد فيها أن ينسب خلقها إلى غير الله استقلالًا أو مشاركةً أو إعانةً؛ كأن يقول: إنما خلقها الولي الفلاني، أو النبي الفلاني، أو شارك الله في خلقها النبي الفلاني، أو الولي الفلاني، أو أعان الله فيه، وكل ذلك نفاه الله عز وجل عن نفسه؛ حيث قال تعالى: ﴿ قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ ﴾ [سبأ: 22].

 

وأضاف الباحث في مقال له، من الإلحاد في آيات الله أيضًا أن ينسب لها الألوهية والتصرف في الكون، كما مر معنا سابقًا في اعتقاد أهل الجاهلية الأولى في الدهر، وكما هو اعتقاد الكفار سابقًا؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ [فصلت: 37].

 

واستكمل أن هناك قسم ثاني من الآيات يظهر فيه أصحاب الإلحاد أفكارهم ويسقطون عليه سموم عقولهم، وهو ما جاءت به الرسل من الوحي كالقرآن العظيم، وهو آية كما قال تعالى: ﴿ تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [البقرة: 252]، وقال تعالى: ﴿ وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ ﴾ [العنكبوت: 50، 51]، فجعله آياتٍ.

 ويكون الإلحاد فيها له ثلاث صور، إذ تكون الصورة الأولى في التكذيب بهذه الآيات؛ كما قال تعالى: ﴿ أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ ﴾ [الأنعام: 157]. والصدف هو: الإعراض.

 وقال تعالى: ﴿ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [يونس: 95]، وقال تعالى: ﴿ كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ ﴾ [الأنفال: 54].

 وضرب الصبار من الأمثلة على هذه الصورة من الإلحاد في قديم الزمان وحديثه: مثالين اثنين، فكان الأول: التكذيب باليوم الآخر، وعدم الإيمان به وما فيه من البعث والقيامة؛ كما قال تعالى في أمر الكافرين: ﴿ وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ﴾ [الجاثية: 24]؛ أي: ما هنالك إلا هذه الدار، يموت قوم، ويعيش آخرون، وما هناك معاد ولا قيامة.

 

وأما الثاني، في التكذيب بنبوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وعدم الإيمان بأنه رسول من عند الله جل وعلا؛ كما قال تعالى في حق الكافرين: ﴿ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ ﴾ [النحل: 103].

 فقد كان المشركون في الجاهلية يعتقدون أن محمدًا صلى الله عليه وسلم لم يكن رسولًا يوحى إليه من عند الله عز وجل، وإنما كان يتلقى هذا الوحي من عند رجل أعجمي، فرد الله عليهم بأن الوحي الذي جاء به ونزل عليه عربي مبين، واضح لا عجمة فيه أبدًا، وفيه قمة البلاغة والفصاحة، فكيف يكون هذا من أعجمي اللسان؟!

 

وتابع الصبار، أن الصورة الثانية، جاءت في التحريف والتغيير والتبديل؛ إما بتغيير اللفظ، أو صرف المعنى عن مراده الصحيح الذي أراد الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا فِعل اليهود ومَن اتَّبع سننهم مِن الفِرَق الضالة.

أما اليهود فقد قال الله فيهم: ﴿ أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 75]، وقال تعالى: ﴿ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ﴾ [النساء: 46]، وقال تعالى: ﴿ فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِه ﴾ [المائدة: 13]، وقال تعالى: ﴿ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ﴾ [المائدة: 41].

 

فمن تحريف اليهود في آيات الله جل وعلا: أنهم يجعلون الحلال فيها حرامًا، والحرام فيها حلالًا، والحق فيها باطلًا، والباطل فيها حقًّا؛ حتى إنهم اخترعوا كتابًا من عند أنفسهم، فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: (إن بني إسرائيل لما طال عليهم الأمد فقست قلوبهم، اخترعوا كتابًا من عند أنفسهم استهوته قلوبُهم، واستحلَّتْه ألسنتهم، وكان الحق يحول بينهم وبين كثير من شهواتهم، حتى نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون...)؛ إسناده صحيح؛ أخرجه الطبري والبيهقي.

 

وكما قال تعالى في حقهم: ﴿ وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ * فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ﴾ [البقرة: 58، 59].

 

وأوضح الباحث أن من تحريفات الفرق في كتاب الله عز وجل: تفسيرهم (اليقين) في قوله تعالى: ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ [الحجر: 99]، بأنه هو العلم والمعرفة، فإذا حصل ذلك سقطت العبادة، وصار العبد غير مكلفٍ لا بصلاة أو صيام أو غير ذلك من التكاليف الشرعية، وربما قال بعضهم: اعمل حتى يحصل لك حال، فإذا حصل لك حال سقطت عنك العبادة! وإنما المقصود بـ(اليقين) في الآية أنه هو (الموت) بإجماع علماء المسلمين.

تعليقات