د. خالد فوزي حمزة يكتب: حول آية "هو الذي خلقكم من نفس واحدة" وأثر إسرائيلي لا يصح

  • أحمد عبد الله
  • الخميس 16 ديسمبر 2021, 3:45 مساءً
  • 951

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه..

أما بعد..

فقد قال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (*) فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الأعراف: 189، 190].

لقد وردت قصة تبين أن المراد بالآيات الآنفة الذكر آدم وحواء وأنهما وقعا في شرك الألفاظ!!.

ومن هنا وقع الإشكال ...

فعن ابن عباس رضي الله عنهـما قال: كانت حواء تلد لآدم عليه السلام أولادا فيعبدهم لله ويسميه: عبدالله وعبيد الله ونحو ذلك فيصيبهم الموت فأتاها إبليس وآدم فقال: إنكما لو تسميانه بغير الذي تسميانه به لعاش قال: فولدت له رجلا فسماه عبد الحارث ففيه أنزل الله، يقول الله: {هو الذي خلقكم من نفس واحدة} إلى قوله: {جعلا له شركاء فيمآ ءاتاهما}... إلى آخر الآية.

وعن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لما ولدت حواء طاف بها إبليس وكان لا يعيش لها ولد فقال سميه عبد الحارث فعاش. وكان ذلك من وحي الشيطان وأمره. [رواه أحمد (5/11) والترمذي (5/250ح3077) والحاكم (2/545)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث عمر بن إبراهيم عن قتادة. ورواه بعضهم عن عبدالصمد ولم يرفعه عمر بن إبراهيم شيخ بصري؛ وقد حكم الحافظ الذهبي على هذا الحديث بالنكارة كما في ترجمة عمر في الميزان (3/179) فقال: وهو حديث منكر كما ترى.]

وهذا الأثر ورد بعدة ألفاظ وأسانيد كثيرة، فيها كلها مقال، إلى جانب أنه مأخوذ من أهل الكتاب.

قال ابن كثير في تفسير الآية مضعفاً حديث سمرة: (والغرض أن هذا الحديث معلول من ثلاثة أوجه:

أحدها: أن عمر بن إبراهيم هذا هو البصري، وقد وثقه ابن معين، ولكن قال أبو حاتم الرازي: لا يحتج به. ولكن رواه ابن مردويه من حديث المعتمر، عن أبيه، عن الحسن، عن سمرة مرفوعا فالله أعلم.

الثاني: أنه قد روي من قول سمرة نفسه، ليس مرفوعًا، كما قال ابن جرير: حدثنا ابن عبد الأعلى، حدثنا المعتمر، عن أبيه. وحدثنا ابن علية عن سليمان التيمي، عن أبي العلاء بن الشخير، عن سمرة بن جندب، قال: سمى آدم ابنه "عبد الحارث".

الثالث: أن الحسن نفسه فسر الآية بغير هذا، فلو كان هذا عنده عن سمرة مرفوعًا، لما عدل عنه.

قال ابن جرير: حدثنا ابن وَكِيع، حدثنا سهل بن يوسف، عن عمرو، عن الحسن: {جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا} قال: كان هذا في بعض أهل الملل، ولم يكن بآدم. حدثنا محمد بن عبد الأعلى، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر قال: قال الحسن: عنى بها ذرية آدم، ومن أشرك منهم بعده يعني: قوله {جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا}. وحدثنا بشر حدثنا يزيد، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: كان الحسن يقول: هم اليهود والنصارى، رزقهم الله أولادًا، فهوّدوا ونَصَّروا.

وهذه أسانيد صحيحة عن الحسن، رحمه الله، أنه فسر الآية بذلك، وهو من أحسن التفاسير وأولى ما حملت عليه الآية، ولو كان هذا الحديث عنده محفوظًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما عدل عنه هو ولا غيره، ولا سيما مع تقواه لله وَوَرَعه، فهذا يدلك على أنه موقوف على الصحابي، ويحتمل أنه تلقاه من بعض أهل الكتاب، من آمن منهم، مثل: كعب أو وهب بن مُنَبّه وغيرهما، كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى إلا أننا برئنا من عهدة المرفوع، والله أعلم. [تفسير ابن كثير ط. دار طيبة (3/527)؛ وآثار الحسن في تفسير الطبري (13/314)]

وسرد ابن كثير الآثار بهذا المعنى ثم قال: وهذه الآثار يظهر عليها -والله أعلم -أنها من آثار أهل الكتاب، وقد صح الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا حَدَّثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم"، ثم أخبارهم على ثلاثة أقسام: فمنها: ما علمنا صحته بما دل عليه الدليل من كتاب الله أو سنة رسوله. ومنها ما علمنا كذبه، بما دُلَّ على خلافه من الكتاب والسنة أيضًا. ومنها: ما هو مسكوت عنه، فهو المأذون في روايته، بقوله، عليه السلام: "حدثوا عن بني إسرائيل ولا حَرج" وهو الذي لا يصدَّق ولا يكذب، لقوله: "فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم". وهذا الأثر: هل هو من القسم الثاني أو الثالث؟ فيه نظر. فأما من حدث به من صحَابي أو تابعي، فإنه يراه من القسم الثالث.

وأما نحن فعلى مذهب الحسن البصري، رحمه الله، في هذا والله أعلم وأنه ليس المراد من هذا السياق آدم وحواء، وإنما المراد من ذلك المشركون من ذريته؛ ولهذا قال الله: {فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} ثم قال: {أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ}. [تفسير ابن كثير (3/528)]

وقال ابن كثير في تفسيره: "وقد تلقى هذا الأثر عن ابن عباس جماعة من أصحابه، كمجاهد، وسعيد بن جبير، وعكرمة. ومن الطبقة الثانية: قتادة، والسدي، وغير واحد من السلف وجماعة من الخلف، ومن المفسرين من المتأخرين جماعات لا يحصون كثرة، وكأنه -والله أعلم -أصله مأخوذ من أهل الكتاب، فإن ابن عباس رواه عن أُبي بن كعب كما رواه ابن أبي حاتم. [تفسير ابن كثير (3/528)]

وممن أبطل القصة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فقال: (وهذه القصة باطلة من وجوه:

الوجه الأول: أنه ليس في ذلك خبر صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا من الأخبار التي لا تتلقى إلا بالوحي، وقد قال ابن حزم عن هذه القصة: إنها رواية خرافة مكذوبة موضوعة.

الوجه الثاني: أنه لو كانت القصة في آدم وحواء لكان حالهما إما أن يتوبا من الشرك أو يموتا عليه، فإن قلنا ماتا عليه كان ذلك أعظم من قول الزنادقة:

إذا ما ذكرنا آدما وفعاله ... وتزويجه بنتيه بابنيه بالخنا

علمنا بأن الخلق من نسل فاجر ... وأن جميع الناس من عنصر الزنا

فمن جوز موت أحد من الأنبياء على الشرك فقد أعظم الفرية.

وإن كان تابا من الشرك فلا يليق بحكمة الله وعدله ورحمته أن يذكر خطأهما، ولا يذكر توبتهما منه، فيمتنع غاية الامتناع أن يذكر الله الخطيئة من آدم وحواء وقد تابا ولم يذكر توبتهما، والله تعالى إذا ذكر خطيئة بعض أنبيائه ورسله ذكر توبتهم منها.

الوجه الثالث: أن الأنبياء معصومون من الشرك باتفاق العلماء.

الوجه الرابع: أنه ثبت من حديث الشفاعة أن الناس يأتون إلى آدم يطلبون منه الشفاعة فيعتذر بأكله الشجرة وهو معصية، ولو وقع منه الشرك لكان اعتذاره به أعظم وأولى وأحرى.

الوجه الخامس: أن في هذه القصة أن الشيطان جاء إليهما وقال: أنا صاحبكما الذي أخرجتكما من الجنة. وهذا لا يقوله من يريد الإغواء، بل هذا وسيلة إلى رد كلامه، فيأتي بشيء يقرب من قبول قوله، فإذا قال: أنا صاحبكما الذي أخرجتكما من الجنة. سيعلمان علم اليقين أنه عذر لهما فلا يتقبلان منه صرفا ولا عدلا.

الوجه السادس: أن في قوله في هذه القصة: لأجعلن له قرني إيل. إما أن يصدقا أن ذلك ممكن في حقه وهذ شرك في الربوبية لأنه لا خالق إلا الله أو لا يصدقا فلا يمكن أن يقبلا قوله وهما يعلمان أن ذلك غير ممكن في حقه.

الوجه السابع: قوله تعالى: {فتعالى الله عما يشركون} بضمير الجمع ولو كان آدم وحواء لقال: عما يشركان.

فهذه الوجوه تدل على أن هذه القصة باطلة من أساسها، وأنه لا يجوز أن يعتقد في آدم وحواء أن يقع منهما شرك بأي حال من الأحوال، والأنبياء منزهون عن الشرك مبرؤون منه باتفاق أهل العلم، وعلى هذا يكون تفسير الآية كما أسلفنا أنها عائدة إلى بني آدم الذين أشركوا شركا حقيقيا فإن منهم مشركا ومنهم موحدا. اهـ. [القول المفيد شرح كتاب التوحيد (3/67) ، وانظر: حل إشكالات في تفسير آيات مشكلات لزقيل (1/4)]

وفي مباحثة طريفة للصفدي مع شيخ الإسلام ابن تيمية أوردها في كتابه الوافي حول هذه الآية، تؤكد استشكال العلماء حول معناها:

قال: (وسألته في ذلك المجلس عن تفسير قوله تعالى {هو الذي خلقكم من نفس واحدةٍ وجعل منها زوجها} إلى قوله تعالى {عما يشركون}؟

فأجاب بما قاله المفسرون في ذلك وهو آدم وحواء وأن حواء لما أثقلت بالحمل أتاها إبليس في صورة رجل وقال: أخاف من هذا الذي في بطنك أن يخرد من دبرك أو يشق بطنك وما يدريك لعله يكون بهيمة أو كلباً، فلم تزل في همّ حتى أتاها ثانياً وقال: سألت الله تعالى أن يجعله بشراً سويّاً وإن كان كذلك سميه عبد الحارث. وكان اسم إبليس في الملائكة الحارث، فذلك قوله تعالى {فلما آتاهما صالحاً جعلا له شركاء فيما آتاهما}، وهذا مروي عن ابن عباس.

فقلت له: هذا فاسدٌ من وجوه:

لأنه تعالى قال في الآية الثانية: {فتعالى الله عما يشركون}، فهذا يدل على أن القصة في حق جماعة.

الثاني: أنه ليس لإبليس في الكلام ذكر.

الثالث: أن الله تعالى علم آدم الأسماء كلها فلا بد وأنه كان يعلم أن إبليس الحارث.

الرابع: أنه تعالى قال: {أيشركون ما لا يخلق شيئاً وهو يخلقون}، وهذا يدل على أن المراد به الأصنام لأن "ما" لما لا يعقل ولو كان إبليس لقال "من" التي هي لمن يعقل.

فقال رحمه الله تعالى: فقد ذهب بعض المفسرين إلى أن المراد بهذا قصيّ لأنه سمى أولاده الأربعة عبد مناف وعبد العزى وعبد قصي وعبد الدار. والضمير في {يشركون} له ولأولاده من أعقابه الذين يسمون أولادهم بهذه الأسماء وأمثالها.

فقلت له: وهذا أيضاً فاسد لأنه تعالى قال: {خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وخلق منها زوجها}, وليس كذلك إلا آدم لأن الله تعالى خلق حواء من ضلعه.

فقال رحمه الله تعالى: المراد بهذا أن زوجه من جنسه عربية قرشية، فما رأيت التطويل معه. [الوافي بالوفيات (2/377)]

فالخلاصة أن التفسير الصحيح لهذه الآية هو ما ذكره الحسن البصري أنه ليس المراد من هذا السياق آدم وحواء، وإنما المراد من ذلك المشركون من ذريته، والذي قال عنه ابن كثير: وهو من أحسن التفاسير وأولى ما حملت عليه الآية.

والله أعلم وصل الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


كتبه: 

أ. د. خالد فوزي عبد الحميد حمزة

 المدرس سابقاً بدار الحديث  والمتعاون مع كلية الحرم بالحرم المكي، وجامعة أم القرى سابقاً والأستاذ بجامعتي العلا ومينيسوتا.

تعليقات