باحث بملف الإلحاد: الفرائض في الإسلام أبرز الأدلة على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم
- الجمعة 22 نوفمبر 2024
بين
ليلة المولد وليلة المبعث
في مثل هذه الأيام من كل عام يكثر
الجدل المكرور عن مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف أو عدم مشروعية ذلك،
ولأن هذا الحديث مكرورٌ= فلن نعرض له في هذه الوقفة العجلى، وإنما نعرض لأمر آخر
له تعلق بالمولد الشريف، ألا وهو مقارنة بعض الناس بين أفضلية وخيرية ليلة المولد
الشريف وأفضلية وخيرية ليلة القدر، أو بينهما وبين ليلة الإسراء، وخرج بعضهم بما
محصَّله أن ليلة الإسراء أفضل في حقِّ النبي صلى الله عليه وسلم بينما ليلة المولد
أفضل في حق الأمة من جهة أنه لولا مولده ما كانت ليلة القدر، وأن كل خيرٍ حصل لها- أي للأمة- إنما تسببت به ليلة
المولد الشريف.
وبعيداً عن أن الكلام حول أفضلية
ليلة ما على غيرها= ينبغي أن يكون استناده إلى النصوص لا إلى مجرد النظر
والاستحسان العقلي، إلا أن مقصودنا هنا التنبيه إلى أن الخير الذي جاءنا من جهة
نبينا - صلوات ربي وسلامه عليه- إنما هو مرتبط بليلة المبعث المباركة لا بليلة
المولد الشريف.
فالحق أنه إذا كانت ليلة شريفة
وجديرة بالاحتفال وكان الاحتفال بمثل ذلك سائغاً في نفس الأمر= فلتكن هذه الليلة
هي ليلة بعثته صلى الله عليه وسلم وتشريفه بالرسالة المباركة.
نعم، هذه بالفعل هي الليلة التي ليس
ما قبلها كما ما بعدها، في حقه صلوات ربي عليه وفي حق أمته، بل قبل هذه الليلة من
عمره - صلوات ربي عليه- لم يكن حصل له من الشرف العظيم الذي لن يطاوله فيه أحد ولن
يبلغه معه إنسان من البشر.
وكل مقامات التشريف والتعظيم التي
وصل إليها- صلوات ربي عليه- ولم يلحقه فيها أحد= إنما كان بلوغه إياها بليلة
المبعث لا بليلة المولد، وكل خير أُعطاه -صلى الله عليه وسلم- إنما جاءه بليلة
المبعث لا بليلة المولد ، وكذلك كل الخير الحاصل للأمة الإسلامية من جهته صلوات
الله عليه= كان سببه ليلة المبعث، والتي ساق الله لنا فيها الهداية والإيمان
والقرآن والإسلام والشريعة والنِّحلة على يدي نبيه الكريم صلوات ربي عليه.
ولا جرم أن الله تعالى وتقدس قد صان
نبيه -صلى الله عليه وسلم- قبل البعثة عن الكفر والفسوق والفواحش، وجعله مباركاً
مطهراً ، لكن المنازل العليا التي وصل إليها صلى الله عليه وسلم، فأصبح سيد ولد
آدم يوم القيامة وأول شافع ومشفَّع وصاحب لواء الحمد والمهروع إليه لطلب شفاعته في
الفصل بين الخلائق يوم القيامة، وخليل الله وخير مَن طلعت عليه الشمس وغربت، وأتقى
الناس لله وأخشاهم له وأعرفهم به وأعظمهم منزلة عنده وأقربهم منه مكانة وأحبهم
إليه وأرضاهم إليه... كل أولئك إنما حصل بليلة المبعث المباركة حيث اجتبى الله
نبيه واصطفاه بإنزال القرآن الكريم وتحميله برسالته للعالمين بشيراً ونذيراً، ولم
يكن ذلك كله قد وقع بنفس ليلة المولد الشريف ولا كانت هي المتسببة فيه تسبباً
مباشراً كما كانت ليلة المبعث هي المتسببة في ذلك الخير العميم له صلوات ربي عليه ولنا
أيضاً.
فبعد ليلة المولد الشريف وقبل ليلة
المبعث المبارك= لم يكن من أطاع أمره صلوات الله عليه قد صار طائعاً لله تعالى
بذلك، ولم يكن من عصى أمره قد صار عاصياً لله تعالى، ولم يكن ردُّ كلامه ورفضه
والاعتراض عليه= يوجب كفر فاعله وحِل دمه، ولم يكن لزاماً على أهل الأرض جمعياً
إنسهم وجنهم، عربهم وعجمهم، أحمرهم وأسودهم، حرهم وعبدهم أن يتبع النبي صلى الله
عليه وسلم ويلزم طريقته.
وقبل ليلة المبعث المباركة لم يكن
الناس يدرون ما الكتاب ولا الإيمان ولا الإسلام ولا الكفران، ولا الطاعات ولا
المعاصي ولا الحلال ولا الحرام، وكل الفرقان الذي حصل لهم في هذه الأمور والهداية
إلى الدين الحق إنما حصل لهم بعد ليلة المبعث المباركة لا بعد ليلة المولد الشريف.
وبالجملة فانتقال الناس من ضلال
الكفر والشرك إلى هداية الإسلام والتوحيد والإيمان لم يقع بنفس المولد الشريف، فإن
النبي صلوات ربي وسلامه عليه مكث بين أظهر الناس أربعين عاماً ولم تحصل لهم
الهداية ولم يدخلوا في دين الله تعالى= إلا بعد ليلة المبعث المباركة، تلك الليلة
العظيمة التي تغير بعدها شأن نبينا صلى الله عليه وسلم وتغير شأن البشر على وجه
الأرض فصار منهم المؤمن والكافر والبر والفاجر والسعيد والشقي.
إن ليلة الاسراء والمعراج التي حظي
فيها النبي صلى الله عليه وسلم بما حظي به من درجات الفضل والتكريم والتعظيم الذي
لم يحصل لغيره، وليلة القدر التي حصل للأمة فيها من الأجر والمثوبة ما لم يقع
لغيرها؛ هاتان الليلتان المباركتان ما كانتا لتكونان لولا ليلة المبعث المباركة،
فهي سببهما وسبيل حصولهما.
وعوداً على بدء فلو كانت ليلة يسوغ ويشرع الاحتفال لما حصل فيها من التسبب في الخيرات والنعماء والفضائل بعدها، والتي لم تكن لتحصل لولا ما كان في تلك الليلة=
فهي ليلة المبعث المباركة لا محالة وليس ليلة أخرى.