حقائق الإيمان وأوهام الإلحاد.. ندوة في كلية أصول الدين بالقاهرة (سجل الآن)
- السبت 23 نوفمبر 2024
قال يوسف عامر، رئيس لجنة الشؤون الدينية والأوقاف في مجلس الشيوخ نائب رئيس جامعة الأزهر السابق لشؤون التعليم والطلاب، إن الشباب هُمُ العنصرُ الأساسيُّ للقوةِ والنشاطِ والتّوقُّدِ والإنتاج في المجتمعِ ووقُودُه الذي يُكسبه الطاقةَ والحيويةَ.
وأضاف عامر - في كلمته بمؤتمر "الشباب في عيون التراث ضوابط التنشئة وآفاق الانطلاق" الذي تنظمه كلية الدراسات الإنسانية والعربية بنين القاهرة جامعة الأزهر اليوم الأربعاء - أن تُراثُنا الإسلاميُّ العظيمُ أولى اهتماما بالغٍا لقضيةِ الشباب، سواءٌ في نصوصِ الوحيَينِ الشريفين – الكتاب والسنة - أو في تراثنِا الفقهيِّ والتربوي، وقد أشار الله تعالى إلى مَيْزَةِ هذه المرحلةِ العُمْرية بقوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ } [الروم: 54].
وأوضح أن مرحلةَ الشبابِ هي أهمُّ مراحلِ حياةِ الإنسان، فهذه القُوّةُ المذكورةُ في الآيةِ الكريمةِ هي التي تَبْنيِ البلادَ وتحمي العبادَ، وتصنعُ الحضارةَ، وترسُمُ للأجيالِ القادمةِ طريقَ المداومةِ على الإنجازِ والبناءِ والتعميرِ بقوةٍ وحِكمةٍ.
وأشار عامر إلى أن اعتناء المصطفى صلى اللهُ عليه وسلمَ بالشبابِ كان كبيرًا، فكان يحاورُهُم، ويُعلّمُهُم، ويوجِّهُهُم، وكان يُوْصِي الأمةَ بهم خيرًا، كما أَكّدَ المصطفى صلى اللهُ عليه وسلمَ على فضلِ الشابِّ الصالحِ الذي نشأَ في عبادةِ اللهِ بدخولِهِ في السبعةِ الذين يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ تبارك وتعالى.
وقال إن آياتُ سورةِ الكهفِ جاءت لتحكيَ قصةً عجيبةً، وكرامةً عظيمةً أعطاها اللهُ لشبابٍ سخَّروا طاقتَهُم طلبًا لمرضاةِ الحقِّ سبحانه، فأثنىَ اللهُ تعالى عليهِم ثناءً عظيمًا، وجعلَ قِصَّتَهُم قرآنًا يُتلَى إلى يوم القيامة، {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف: 13] والفتيةُ هُمُ الشبابُ.
وأضاف عامر أنّ اللهَ تعالى جعلَ مِن شَرَفِ أهلِ الجنةِ ونعيمِهِم أنهم يكُونون في سِنِّ الشبابِ فلا يَهْرَمون، وفي هذا يقولُ الحبيبُ المصطفى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يَنْعَمُ لَا يَبْأَسُ، لَا تَبْلَى ثِيَابُهُ، وَلَا يَفْنَى شَبَابُهُ».
ولفت إلى أن ما يدل على الشرفِ العظيمِ لهذه المرحلةِ العُمْريةِ وخطورةِ شأنِها، وضرورةِ الاعتناءِ بها، أنها مما يُسأُلُ عنها العبدُ يومَ القيامةِ سؤالًا خاصًا.
وقال عامر إن الحضارةُ لا تُبنىَ إلا بسواعدَ قويةٍ وعقولٍ وقَّادةٍ وهِمَمٍ سبَّاقَة، في مُخْتَلَفِ ميادينِ المعرفةِ والأعمالِ، مما جعلَ الشريعةَ الإسلاميةَ تُعنَى كلَّ العنايةِ بإعدادِ هذا الشابِّ سلوكيًّا وعِلميًّا؛ لتحقيقِ هذا الهدف العظيم، ابتداءً من غرسِ العقيدةِ الصحيحةِ، وهي أوّلُ أركانِ بناءِ الإنسانِ المسلمِ وتنشئتِهِ على قُوَّةِ الارتباطِ بربهِ ومولاه، وانتهاءً بكل مسالكِ التنشئةِ التربويةِ، والنصوصُ الشرعيةُ في بيان وسائلِ هذه التنشئةِ والتأهيلِ للشبابِ كثيرةٌ أيضا.
وأضاف أنه في ظِلِّ مُتغيراتِ هذا الواقعِ المتسارعِ، وتطورِ وسائلِ الاتصالِ المتعددةِ، صارت الثقافاتُ الوافدةُ على الشبابِ أكثرَ تأثيرًا وتغييرًا، مما يُعَدُّ ناقوسَ خطرٍ يُهدّدُ هُوِيَّتَنا وثقافتَنا النابعةَ من تعاليمِ دينِنا الحنيفِ الذي جاءَ به خيرُ الخَلقِ صلى اللهُ عليه وسلمَ، مشيرا إلى أنه يجبُ علينا أنْ نعملَ بشكلٍ جادٍّ على استخراجِ سُبُلِ الوقايةِ والمعالجةِ لكُلِّ ما تسللَ إلى شبابِنا من مفاهيمَ وسلوكياتٍ هدَّامةٍ، بالطرقِ والأدواتِ المناسبةِ والمواكِبَةِ لهذه التياراتِ الفكريةِ الجارفةِ.
وأكد عامر أنه من الواجبِ الدينيِّ والوطنيِّ أن تعملَ كلُّ المؤسساتِ على توعيةِ الشبابِ بما يليقُ بهم من ضرورة ِالتمسكِ بالثوابتِ والمبادئِ الفكريةِ والأخلاقيةِ المميِّزةِ لهُوِيَّتِهِم وثقافتِهِم، في مظاهِرِهِم وأساليبَ حوارِهِم ونظرتِهِم للقيم، فإنّ من أخصِّ سِماتِ الحريةِ أنْ يُحافظَ الإنسانُ على مبادئِهِ وثوابتِهِ التي يراها طريقًا للنجاةِ في الدنيا والآخرة، بلا إكراهٍ للآخرينَ على ذلك.
وأوضح أن مرحلةَ الشبابِ تحتاجُ إلى أمورٍ مهمةٍ تُعِينُه على عبادةِ الخالقِ وَفْقَ مرادِهِ سبحانه وتعالى، وعمارةِ الكون، ومنها: التربيةُ الدينية، والتي تشملُ التربيةَ الأخلاقيةَ والسلوكيةَ، والتربيةَ البدنيةَ، والتعليمَ والتثقيفَ، والتوجيهَ والتدريبَ والتأهيلَ وتحمُّلَ المسؤولية؛ حتى يصلَ إلى ما يمكنُ أن نطلقَ عليه "نموذجٌ معرفيٌّ صحيحٌ يمشي على الأرض".
وأشار عامر إلى ما تقومُ به الدولةُ المصريةُ من جهودٍ رائدةٍ لتحقيقِ صناعةِ شبابٍ يواكبُ الجمهوريةَ الجديدة، ويقودُ المستقبلَ باقتدارٍ، وذلك من خلال التدريبِ والتأهيلِ في مختَلَفِ المجالاتِ وتكليفِهِم بمسؤولياتٍ قياديةٍ في مختلفِ الوزرارتِ والهيئاتِ والمؤسساتِ لهو نموذجٌ يُقتدَى به.
وأوصى في ختام كلمته بالحفاظُ على وجودِ "العالمُ القدوةُ"، خاصة وأنه بدونِ تعلُّقِ الشابِّ بنموذجٍ يتجسدُ أمامَهُ فإنه لا يمكنُهُ أنْ يحققَ النموذجَ الذي نطلبَهُ منه، مطالبا بالعملُ على زيادةِ إدراجِ قضايا الواقعِ ضِمنَ مقرراتِنا الدراسية؛ لكي يتمكنَ شبابُنا من القدرة على مواجهةِ مستجداتِ العصرِ ومعالجتِها.
وشدد عامرعلى الاهتمامُ بالشبابِ وتحصينِهِم من خلالِ تقريبِ العلومِ وأصولِها وتبسيطِها إلى أفهامِهِم؛ لتكونَ حائطَ صدٍّ ضِدَّ الأفكارِ المتطرفةِ من اليمن واليسار، والعنايةُ بمحتوياتٍ تتعلقُ بالمنطق والتفكير النقدي.
ودعا شبابَ الباحثينَ إلى عمل ببليوجرافيا لكُتبِ الأزهرِ المعتمدةِ والتعريفِ بها وبما امتازت به هذه المؤلفاتُ من خلال مناهجِها الرصينةِ في بناء قواعدَ الفهمِ الصحيحِ لتعاليمِ الدينِ والتي من شأنها الإسهامُ في بناء الوعيِ الرشيدِ لأبناء هذه الأمةِ مراعينَ منهجياتِ التّعلّمِ التي تميّزت بها هذه المناهجُ.
واقترح عامر استحداثَ مشروعاتٍ استراتيجيةٍ لبناءِ الشبابِ معرفيًّا وعلميًّا في مُختَلَفِ المجالاتِ، وتقومُ كُلُّ كليةٍ بمشروعٍ وهذا كُلُّهُ يُساعدُ الشبابَ على أن يكون نموذجًا معرفيًّا.
كما اقترح إعدادُ كُتَيِّبٍ يتناولُ بصورةٍ مختصرةٍ تعريفَ الطالبِ والشابِّ بأهم معالمِ هذه المرحلةِ العُمْرية الخطيرةِ وأهميتِها، وما يجبُ عليه أن يتحلىَّ به فكريًّا وسلوكيًّا ليكونَ نموذجًا صحيحًا للشابِّ الأزهري. على غرار تلك المطوياتِ التي قام على إصدارِها الدكتور أسامةُ الأزهري في مكتبِ رسالةِ الأزهرِ منذ سنواتٍ تحت عنوان: (أيها الأزهري)، ويمكنُ أنْ يُوزّعَ هذا الكتيبُ في أولِ كُلِّ عامٍ دراسيٍّ على كُلِّ الطلاب الجدد في الفرقة الأولى على مستوى الجامعة.