رئيس مجلس الإدارة

أ.د حسـام عقـل

هيثم طلعت يكتب: الإلحاد يُسمم الملحدين

  • أحمد عبد الله
  • الإثنين 11 أكتوبر 2021, 08:16 صباحا
  • 2017
د. هيثم طلعت

د. هيثم طلعت


 

الصراعات الكبرى التي شهدها القرن العشرين، والأيديولوجيات التي دارت رحى الحرب بينها في ذلك القرن كانت كلها حصرية بالنزعة الإلحادية والرؤية المادية للوجود!

فمِن الفاشية Fascism في إيطاليا إلى الستالينية Stalinism في الاتحاد السوفيتي إلى الماوية Maoism في الصين إلى النازية Nazism في ألمانيا، لا يستطيع المؤرخ إلا أن يرصد أيديولوجيات مادية صارمة، جعلت من فناء العالم قضية قابلة للتحقق في أية لحظة!

 

بل إن الحربان العالميّتان الأولى والثانية كانتا حروب علمانية –علمانية، تحكمهما تصورات إلحادية للأجناس البشرية وخرافات السعي نحو النقاء العرقي، والبقاء للأصلح Survival for the Fittest ، وإبادة الأجناس الأدنى Natural Selection، فكانت النتيجة إبادة قرابة 5% من سكان العالم في حروب مجنونة بلا معنى أرجعت كلاً من المنتصر والمهزوم ثلث قرن إلى الوراء، وقام الفلاسفة بوضع مبولة في وسط باريس بدلاً من تمثال الجندي المجهول كنايةً عن نهاية الحضارة.

وخلفت تلك المعارك الإلحادية ترسانات من الأسلحة النووية تكفي لإزالة الجنس البشري كله مراتٍ عديدة. -1-

 

لكننا في هذا المقال نود أن نُركز على الصراع الإلحادي-الإلحادي، وخير مثال نسوقه في هذا الإطار هو جوزيف ستالين Joseph Stalin ؛ وجوزيف ستالين هو القائد الثاني للاتحاد السوفيتي، وُلد في مدينة غوري لأب أسكافي وأم فلاحة، وحين بلغ ستالين الخامسة عشرة من عمره طالع كتب المادية الجدلية والفلسفة الإلحادية فترك معتقده الديني وألحد، وبدأ يتأثر بالفكر الماركسي الشيوعي وفي مرحلة لاحقة انضم للينين، وفي عام 1929 أصبح جوزيف ستالين الحاكم الفعلي للاتحاد السوفيتي! -2-

 

كان للإلحاد الأثر الأكبر على تصرفات ستالين ورؤيته للوجود، فقد رأى ستالين البشر كجماعات وظيفية، تأكل لتنتج، ورأى أن الحركة الصراعية هي الصيغة التحليلية الوحيدة للوجود الإنساني –رؤية إلحادية داروينية-.
وقام ستالين بتطبيق رؤيته تلك على الملحدين رفاقه، وبالفعل قتل ستالين مجموعة من أكبر القيادات الإلحادية على الإطلاق في الاتحاد السوفيتي.
حيث قام الملحد ستالين باغتيال الملحد ليون تروتسكي
Leon Trotsky ثالث أكبر منظر للفكر الماركسي على الإطلاق ومؤسس وقائد الجيش الأحمر السوفيتي، حيث أرسل ستالين العميل رامون ماركادير Ramón Mercader والذي اغتال تروتسكي في منفاه بالمكسيك، ومنح ستالين رامون نجمة لينين مكافأةً!
وفي مرحلة لاحقة قام ستالين بالقبض على عائلة ليون تروتسكي وأعدمهم جميعًا! -3-

أيضًا أمر الملحد جوزيف ستالين بإعدام الملحد أليسكي ريكوف
Alexei Rykov ، وأليسكي ريكوف هذا من أكبر أعمدة الاتحاد السوفيتي وكان رئيسًا للإتحاد السوفيتي في الفترة من 1924-1929، وقرر ستالين إعدامه بعد محاكمة صورية في عام 1938. -4-

وقد أعدم الملحد ستالين ما لا يُحصى من ملاحدة الاتحاد السوفيتي، حتى أعز رفاق عمره مثل نيكولاي بوخارين
Nicolai Ivanovitch Boukharine الأمين العام للجنة التنفيذية للكومنتيرن، ورئيس تحرير مجلة الملحدين السوفييت "برافادا" Pravda ، وحليف ستالين الأكبر، وقد أرسل بوخارين رسالة إلى ستالين قبل أيام من إعدامه يقول فيها لستالين: "كوبا! لماذا تريدني أن أموت؟"
?'Koba, why do you need me to die'
وكوبا هو اسم ستالين السري أثناء شبابهما!
وقد عُثر على هذه الرسالة في مكتب ستالين بعد وفاته! -5-
ولم تمض أيام حتى تم إعدام بوخارين على يد كوبا أو ستالين !
وبعدها تم نفي زوجة بوخارين إلى معسكرات الاعتقال! -6-

وإذا أردنا أن نسرد جرائم ستالين مع الملحدين رفاق حياته، ربما لا تسعنا الأوقات، فمِن إيغودا Aagoda إلى راكوفسكي Rakovsky إلى كريستينسكي Cristinesca إلى ميخائيل تومسكي Mikhail Tomski إلى ليف كامينيف Lev Kamenev صهر تروتسكي إلى جريجوري زينوفايف Grigory Zinoviev القائمة تطول جدًا برفاق العمر الملحدين الذين قتلهم الملحد ستالين حين أصبحت في يده القوة والسلطة!

وهذا الأخير جريجوري زينوفايف Grigory Zinoviev قال أن إعدام الملحدين رفاق ستالين جريمة؛ وفي اليوم التالي مباشرةً تم إعدامه بسبب هذا التصريح! -7-

وكان ستالين لا يكتفي بقتل الملحدين رفاق عمره، بل كان يقتل زوجاتهم وأولادهم وكل عوائلهم، وهو نفس ما حدث مع المارشال ميخائيل توخاجفسكي
Mikhail Tukhachevsky ، قائد الجيش الأحمر السوفيتي ومن أشهر رفاق ستالين، والذي جرى اعتقاله بإشراف رئيس الشرطة السرية نيكولاي يزوف Yezhov, ثم قاموا بتعذيبه حتى أن ورقة اعترافاته كانت ملطخة بالدماء، وحين وقف لاحقاً أمام المحكمة العسكرية المكونة من ضباط تحت إمرته في 11 يونيو 1937 قال : " أشعر كأني في حلم " I feel I'm dreaming. -8-
ولم يكتفوا بإعدامه، إذ أرسلوا شقيقاته وزوجته وابنته إلى الكولاج، وأعدموا أشقاءه .
المفارقة أنه بعد مدة قصيرة على إعدام توخاجفسكي تم إعدام خمسة من الضباط الكبار الذين كانوا قضاة محاكمته!
وفي فترة لاحقة، سأل ستالين قائد شرطته نيكولاي يزوف ماذا كانت آخر كلمات توخاجفسكي قبل أن يُعدم؟ فقال :" الثعبان –يقصد توخاجفسكي- كان يقول أنه خادم للدولة والرفيق ستالين، وكان يطلب الرأفة " -9-

هكذا كان ستالين مع رفاقه الملحدين!
هكذا يفعل الملحد حين يُطبق إلحاده!
وما كنّا لنُطلق لقب "الملحد" على ستالين لو لم يفعل ما فعل، فمِن خلال الإلحاد فحسب يمكنك قتل الجميع، وإبادة أقرب الناس
إليك، طبقًا لقانون البقاء للأصلح Survival for the Fittest ولا يجوز لملحد أن ينتقدك وإلا فهو لا يفهم الإلحاد!

لكن لماذا قتل ستالين هذا العدد من أعمدة الإلحاد؟
من عجيب ما يُقال هنا: أن الملحد ستالين لم يقتل هذا العدد من الملحدين إلا لأنهم كانوا يرغبون في التبشير بالإلحاد الشيوعي في كل العالم، ويرغبون في احتلال أكبر عدد من الدول الأوربية، وكان ستالين يرى أن هذه الخطوة قد تدمر الأمة السوفيتية الوليدة،فخاف ستالين أن يُطبق أحد هؤلاء الملاحدة رؤيته الإلحادية تلك واقعيًا، ولذا كان يبادر باستئصال شأفة أي ملحد يُظهر مثل هذه الدعاوى أولاً بأول.
وقد كان تروتسكي يصب جام غضبه على ستالين فالفرصة الإلحادية لن تتكرر كما يرى تروتسكي، والتبشير بالإلحاد الشيوعي لا يجوز لستالين أن يتوقف عنه-عبء الدعوة-، وكان هذا سبب الصدام الرئيس بين ستالين وكل الذين قتلهم، لقد كانت القضية صراع حفنة من الملحدين المجرمين، بعضهم يريد الاحتفاظ بالمكتسبات أولاً –ستالين-، والبعض الآخر يريد التعجيل بتدمير العالم-تروتسكي-"أقصد تبشير العالم بالإلحاد". أقول هذا الكلام حتى لا تأخذكم رأفة بالملحدين الذين قتلهم ستالين، فهؤلاء لو كانت السلطة في يد أحدهم ربما لم تكونوا اليوم لتجدوا أوربا على الخريطة من الأساس! فلم يكن هؤلاء الملاحدة يختلفون إلا في الزمن المناسب لتدمير العالم بالإلحاد، وجائت الحرب العالمية الثانية لتوقف طموحات ستالين التي أراد أن يعجل بها رفاقه الذين قتلهم! -10-

إذن عندما نحاول تحليل الصورة في إطارها الصحيح، فإننا نقول أن الذين قتلهم جوزيف ستالين كانوا أكثر إلحادًا منه، وكانوا أقرب للرؤية الصحيحة للإلحاد، حيث تعتمد رؤيتهم على التغذية الشمولية لكل دول العالم بالإلحاد "الصراعات الداخلية"، وبالأخص دول أوربا، وهذا يعني فتح كل الجبهات وإشعال الفتن في كل الدول وتغذية الصراعات وإبادة كل المعارضين بأسرع ما يمكن، وهذا هو لُب النظرية التروتسكية
Trotskyism التي قاومها جوزيف ستالين بكل قوة ورأى فيها الجنون بعينه، ورأى أن مجرد تطبيقها ينسف الاتحاد السوفيتي ويُسقط فلسفتهم الإلحادية للأبد. -11-

 

فطبقًا للفلسفة التروتسكية الإلحادية عليك أن تُشعل الصراعات في كل مكان -صراع من أجل البقاء بمنظوره المادي الدارويني- فما الماركسية كما يقول بليخانوف Plekhanov إلا تطبيق للداروينية في العلوم الاجتماعية، فالإلحاد صحيح ما كان الإنسان حيوانًا يعيش في صراع دائم، ولذا كان تروتسكي أقرب للإلحاد بكثير من ستالين!
فالإلحاد قد حفر بفلسفته المجنونة قبرًا يكفي لدفن العالم!
وقد كان ستالين أبعد عن جوهر الإلحاد، وأقرب للحلول الذكية التي تقتضي تأخير هذا الإجراء إلى حين يشتد ساعد الدولة، ولذا أتخيل أن ليون تروتسكي لو استطاع أن يصل للحكم بعد فلاديمير لينين وهذا الأمر كان متوقع بشدة، أتخيل أن العالم كله كان سيعيش شتاء نووي مخيف جراء حكم الملاحدة وتطبيقهم لفلسفة إشعال الصراعات في كل مكان في العالم!

وإذا تركنا جوزيف ستالين واتجهنا إلى ماو تسي تونج
Mao Zedong  -رئيس الصين الملحد- فقد تسبب إلحاده في حقده على الجميع، وخلال فترة حكمه للصين أباد ما لا يُحصى من البشر حتى تم تصنيفه كأكبر مجرم عبر كل التاريخ، فقد قتل من 40-70 مليون نسمة. -12-

 

ومن جملة مَن قام بتصفيتهم ماو تسي تونج أقرب المحيطين به من الملاحدة، فقد أخذ يقتل فيهم بلا هوادة، حتى اتهم النظام الملحد في الاتحاد السوفيتي حليفه القديم بمحاولة اغتياله. -13-

 

فالاتحاد السوفيتي الملحد في تلك الفترة لم يَسلم من جرائم ماو تسي تونج، وصُنف الاتحاد السوفيتي الملحد على أنه عدوٌ للشعب الصيني الملحد، ووقع خلاف شديد بين الملحدين السوفييت وحكومة الصين الملحدة، وكادت تحدث معركة نووية كبرى إلحادية إلحادية بين نيكيتا خروتشوف Nikita Khrushchev رئيس الاتحاد السوفيتي وماو تسي تونج، وقد قال ماو تسي تونج لخرتشوف مستهزئًا بالحرب مع الاتحاد السوفيتي: " لا يهم أن تفقد الصين 300 مليون في حرب نووية المهم أن يصمد الباقين للنصر." -14-

 

بل على الصعيد الشخصي الداخلي لم تسلم زوجة ماو تسي تونج في معركته مع الملحدين، فقد حبس ماو تسي تونج زوجته مع ثلاثة من قادة الملحدين في الحكومة الصينية تمهيدًا لإعدامهم فيما يعرف ب"عصابة الأربعة." Gang of Four إلا أن الموت عاجله! -15-

 

يرى النقاد أنه لا فرق جوهري في طرق الإبادة الشمولية والقتل المليوني بدواعٍ مادية إلحادية بين ماو تسي تونج والاتحاد السوفيتي وألمانيا النازية، فالجميع كانت تُحركهم رؤى إلحادية فجة تستبيح الآخر ولو كان مُلحدًا مثلهم. -16-

 

يقول ريتشارد فيكارت Richard Weikart : "لقد نجحت الداروينية أو تأويلاتها الطبيعية، في قلب ميزان الأخلاق رأساً على عقب، ووفرت الأساس العلمي لهتلر وأتباعه، لإقناع أنفسهم ومن تعاون معهم، بأن أبشع الجرائم العالمية، كانت بالحقيقة فضيلة أخلاقية مشكورة." -17-

 

فقد خلّف الإلحاد ورائه فكرة أن زوال الجنس البشري في أية معركة قادمة هي فكرة قائمة، ولم يعد حتى للملحدين مكان في العالم الإلحادي، فالإلحاد يُسمم الملحدين قبل أن يُسمم غيرهم. وهذا هو الإفراز المتوقع من الإلحاد المادي منزوع القيمة والمعنى.

 

 

--------------------

1- كتب القائد النمساوي المجري الجنرال فان هودزاندورف Van Hodzandorf -القائد الكبير في الحرب العالمية الأولى- بعد انتهاء الحرب كتب يقول: "الحرب قانون الطبيعة ... علينـا أن ننسى قليلاً ما تدعونـا إليه الأديـان."

James Joll, Europe Since 1870, peguin books 1990 p.164

أما فريدريك فوربرنارد Frederick Vorbernard وهو أحد جنرالات الحرب العالمية الأولى فقد كتب يقول: "الحرب حاجة أيديولوجية بقدر حاجة الأحياء في الطبيعة للصراع وتُعطي نتائج مُجدية من الناحية البيولوجية."

Man in process world .pub .co., New York 1961, p.76

2- Montefiore 2007, p. 77. Jughashvili's complicity is implied in the memoirs of Constantine Kandelaki, a Social-Democrat and colleague of Jughashvili in Batumi at the time.

3- The murder weapon was a hidden cut-down ice axe, not an ice pick Many history and reference books have confused the two
Robert Conquest, The Great Terror: A Reassessment, Oxford University Press, 1991, p. 418

4- http://www.archontology.org/nations/rus/rus_govt1/rykov.php

5- The Unknown Stalin, I.B. Tauris, 2006, chapter 14, p. 296

6- http://en.wikipedia.org/wiki/Nikolai_Bukharin

7- http://en.wikipedia.org/wiki/Grigory_Zinoviev
8-
Stalin: Court of the Red Tsar, page 225

9- The snake said he was dedicated to the Motherland and Comrade Stalin. He asked for clemency.
Stalin: Court of the Red Tsar, page 225

10- When carefully examined the point of conflict between the Stalin and Trotsky groups turns on the theoretical question of whether Theory can be built completely in one land, and that a backward one like Russia, without any help from revolution in other countries. The older view, still held by Trotsky, maintains that more than Russia must be won for the revolution it Socialism is to be a complete success. The newer view, now held by the vast majority of Russian Communists, is that they can do the whole job alone—if they have no foreign war in the meantime.
https://www.marxists.org/reference/archive/strong-anna-louise/1925/12/stalin_vs_trotsky.htm
11- http://en.wikipedia.org/wiki/Trotskyism

12- http://www.hawaii.edu/powerkills/NOTE2.HTM

Modern China: The Fall and Rise of a Great Power, 1850 to the Present. Ecco Press. p. 351.

13- Ion Mihai Pacepa (November 28, 2006). "The Kremlin's Killing Ways".

14- it would not matter if China lost 300 million people in a nuclear war: the other half of the population would survive to ensure victory."

Jasper Becker (2002). The Chinese. Oxford UP. p. 271

15- http://en.wikipedia.org/wiki/Gang_of_Four

16- Michael Lynch. Mao (Routledge Historical Biographies). Routledge, 2004. p. 230

17- Richard Weikart, from Darwin to Hitler, p.215

 

تعليقات