رئيس مجلس الإدارة

أ.د حسـام عقـل

"الكنز المنشود" كتاب حول أثر تدبر الفاتحة أُمِّ القرآن في بناء الإنسان

  • أحمد حمدي
  • الثلاثاء 07 سبتمبر 2021, 7:10 مساءً
  • 1515

صدر حديثا كتاب "الكنز المنشود.. أثر تدبر الفاتحة أُمِّ القرآن في بناء الإنسان" للدكتور أحمد الشرقاوي أستاذ ورئيس قسم التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر وعضو اللجنة الدائمة لترقية الأساتذة في التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر.

وقال المؤلف في كتابه: "إن صياغة الشخصية الإنسانية من أهمِّ مقاصد الدين، فالفردُ المسلم لبنةٌ في بناء المجتمع، بصلاحه واستقامته وإيمانه وإيجابيته واعتداله وتوازنه ووعيه وثقافته، ينهض المجتمع ويرقَى، ويسعدُ دُنيا وأُخرى"، مضيفا: "لقد أثبت علمُ النفس أن قوة الشخصية شرطٌ أساسي للنجاح في الحياة، وأن المؤهلات العلمية وحدها لا تكفي للنجاح، ولكن الإنسان يحتاج أيضا للتبصرة والتمسك بالهوية والقيم الإسلامية حتى يصل بنجاحه إلى مبتغاه في الدنيا والآخرة وينعم بالكنز المنشود".

وتابع: "إن الوصول إلى الكنزِ أملٌ يراودُ كثيرا من الحالمين، وحلمٌ يداعب كثيرا من الفتيان اليافعين، حتى الشيوخ الطاعنين، يتنافسُ الجميع ويبذلون الغالي والثمين في البحث عن كنوزٍ دفينة من كنوز الدنيا الفانية، قد أخفاها أصحابُها، أو طُمرت وطوي ذكرُها".

وأكد المؤلف أن "سورة الفاتحة كنزٌ عظيم، بما حوته من فضائل ومزايا، ومعانٍ ومعارف، تعرِّفنا وتبصِّرنا وتذكِّرنا وترشدُنا، وتمدُّنا بالزاد والطاقة والنور، وهي مناجاةٌ لربنا تختزلُ كلَّ مطالبنا وطموحاتنا وآمالنا، وعهودٌ نجدِّدُها أمام ربنا في كل ركعةٍ نصليها، ومراجعةٌ للنفس بين يدي خالقها، وعزمٌ صادقٌ نعقدُه على مواصلة السير بجدٍّ واجتهاد، لنلحق بركب من أنعم الله عليهم... إنها الكنز الحقيقي الجدير بأن نسعى إليه، كنز الرضا والطمأنينة، كنز الهداية والتوفيق، كنز الفلاح والنجاح، كنز الإيمان واليقين، كنز المعونة والإنعام، كنز يستوي عند من ناله ذهبُ الدنيا برمالها، فلا يلتفت لمتاع الدنيا الفاني {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ. لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} [ الحجر: 87 – 88]".

وأوضح المؤلف قائلا: "إننا على موعدٍ من خلال هذا الكتاب مع كنزٍ عظيم، كنزٍ من كنوز الآخرة، بل ومن كنوز الدنيا، كنزٌ جامع لكل نفيس، كنزٌ من كنوز العرشِ، لا يحتاج لشدِّ الرحال وقطع الفيافي والقفار، وركوب متن الأخطار واقتحام أهوال البحار، لا يحتاجُ إلى صراع ومعارك في سبيل الاستئثار به، كنزٌ لا يضطرنا إلى المخاطرة بأرواحنا أو مفارقة بلداننا، لأنه بين أيدينا، وبمتناولنا ومقدورنا أن نفتحه".

وقال: "لقد تأملتُ سورةَ الفاتحة فوجدتُها كنزا زاخرا، نتلوها ونكررُها في صلواتنا بالليل والنهار، وقد ورد فيها من الفضائل ما يحفِّزنا على قراءتها وتدبُّرها، ويلفتُ أنظارَنا إلى عظمتِها وتفرُّدها، ففيها صياغةٌ للشخصية الإسلامية، وبناءٌ وارتقاءٌ بالمجتمع المسلم، تلك الصياغةُ التي تحتاج لحرارة إيمانية عاليةٍ، تصهرُ القلوبَ وتلينَها، وها نحن نقرأها بين يدي ربنا كلَّ يومٍ في صلواتنا، فُرادى وجماعات، بما يمنحنا الفرصة تلو الفرصة للتغيير والنهوض والارتقاء".

وأضاف: "هَذَا وِإِنَّهَا الْمِفْتَاحُ الْأَعْظَمُ لِكُنُوزِ الْأَرْضِ، كَمَا أنَّهَا الْمِفْتَاحُ لِكُنُوزِ الْجَنَّةِ، وَلَكِنْ لَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ يُحْسِنُ الْفَتْحَ بِهَذَا الْمِفْتَاحِ، وَلَوْ أَنَّ طُلَّابَ الْكُنُوزِ وَقَفُوا عَلَى سِرِّ هَذِهِ السُّورَةِ، وَتَحَقَّقُوا مَعَانِيَهَا، وَرَكَّبُوا لِهَذَا الْمِفْتَاحِ أَسْنَانًا، وَأَحْسَنُوا الْفَتْحَ بِهِ، لَوَصَلُوا إِلَى تَنَاوُلِ الْكَنْزِ مِنْ غَيْرِ مُعَاوِنٍ وَلَا مُمَانِعٍ"، واستشهد المؤلف بقول الإمام عَليّ بن أبي طالب رَضِي الله عَنهُ: "نزلت فَاتِحَةُ الكتاب بِمَكَّةَ، من كنز تَحت الْعَرْش".

وتساءل المؤلف: "هل أدرك الناس هذا الكنز العظيم؟ هل سارعوا إليه؟ من المؤسفِ القولُ إنَّ كثيرا من الناس قد انصرفوا عن هذا الكنز العظيم وأهدروه، وضيَّعوا جواهره وفرّطوا في يواقيته، حين جرت الفاتحةُ على ألسنتهم ولم تتحرك لها قلوبهم، حين قصروا الفاتحة على الأموات، ولم يقرنوها بمعاشِهم، بل ارتبط ذكرُها بالموت واقترن بالرُّقاد والسبات، أهذه الفاتحة التي نزلت لبعث الأرواح وإحياء القلوب وإيقاظ الهمم! تنقشُ فحسب على الجدران ويُكتفى بقراءتها على القبور! فما حال أكثر الناس إلا كمن وجد كنزا ثمينا فاكتفى بطمره في الثَّرى، أو قنَع بتقبيلِه والتمسُّح به، أو دفنه في جدارٍ، أو أودعه في خزانة، مع حاجته الشديدة إليه، فلم يعد يتذوق للصلاة لذةً، ولا يتوقُ إليها كما كان سلفنا، وما ذاك إلا لإهدار هذا الكنز، وتعطيل تلك الحليِّ، والتفريطِ في هذه الثروة العظيمة".

وتابع: "كم من المؤسف ما نلمسُه من عزوف أكثر الناس عن تدبُّرها، وانصرافهم عن هداياتها وحرمانهم من ثمراتها؛ غافلين عما فيها من معانٍ ومقاصد، لها تأثيرها المتغلغلُ في النفوسِ، تُزكّيها، وعلى القلوبِ تصلحُها وتجلُوها، رغم تنويه الله تعالى في كتابه بمزيّتها، فضلا عن الأحاديث والآثار الكثيرة الواردة في فضائلها، ومع كثرة أسمائها وأوصافها، وجلال مقاصدِها وسموِّ أهدافها وروعةِ أسلوبِها وتدفُّق معانيها، وثراءِ كلماتها، فهي كنزٌ زاخرٌ وطاقةٌ متجددةٌ، وشجرةٌ مغدقةٌ بالثمار الطيبة. كما قال الشاعر: وأشدُّ مَا لاقيتُ من ألم الجَوى * قربُ الحبيب وَمَا إليهِ وُصُولُ // كالعيسِ فِي الْبَيْدَاء يَقْتُلهَا الظما * والماءُ فَوق ظُهُورهَا مَحْمُولُ".

واستشهد المؤلف بقول أبو حامد الغزالي رحمه الله: "أيُّها المُستَرسِلُ في تِلاوَتِك، المُتَّخِذُ دراسة القرآن عملاً، المُتَلقِّفُ من معانيه ظواهرَ وجُمَلاً، إلى كم تطوفُ على ساحل البحر مُغَمِّضاً عينيك عن غرائبها؟ أَوَ مَا كان لك أن تركبَ مَتْنَ لُجَّتِها لِتُبْصِرَ عجائبَها؟ وتسافرَ إلى جزائرِها لاجتِنَاء أطَايِبِها؟ وتغوصَ في عمقِها فتستغني بِنَيْلِ جواهِرها؟ أوَ ما تُعِيرُ نفسكَ في الحرمان عن دُرَرِها وجواهرها بإدمان النظر إلى سواحلِها وظواهرِها؟ أوَ ما بَلغك أن القرآن هو البحر المحيط؟ ومنه يتشعَّب علمُ الأَوَّلينَ والآخرِينَ كما يتشعّب عن سواحل البحر المحيط أنهارُها وجداوِلُها؟ أوَ ما تَغْبِطُ أقواماً خاضوا في غَمرة أمواجها؛ فظفروا بالكبريت الأحمر؟ وغاصوا في أعماقها، فاستخرجوا الياقوتَ الأحمرَ، والدُرَّ الأزهَرَ، والزَّبَرْجَدَ الأخضر؟ وسَاحوا في سواحلها، فَالتَقَطُوا العَنبرَ الأشهَب، والعودَ الرَّطب الأَنضرَ؟ وتوغلوا في جزائرها واستَدَرُّوا من حيواناتها التِّرياقَ الأكبر، والمسك الأذْفَر".

واختتم كتابه قائلا: "إن هذه السورة منهاجَ حياةٍ، وقواعدَ إصلاحٍ للفرد والمجتمع، كيف تنهضُ بقارئها، كيف ترقى به إلى آفاقِ الفضيلة، كيف تُبصِّرنا بالطريق، وتمدُّنا بالزاد، والطاقة التي تبلّغُنا المراد! وكيف تسهم في صنع الإنسان كما أراده ربه، قال تعالى: {أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ ۚ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي} [الآية 39 من سورة طه]".

وأوصي المؤلف بعقد مجالس التدبُّر، وإقامة دورات تدريبية على مهارات التدبُّر، وضرورة غرس روح التدبر في نفوس الصغار حتى ينشّئوا عليه.

تعليقات