كيف نوفق بين "لن يدخل أحد الجنة بعمله إلا بفضل الله ورحمته"، و"ادخلو الجنة بما كنتم تعملون"
- الأربعاء 27 نوفمبر 2024
قال مرصد الأزهر في تقرير له بعنوان "إسبانيا في مواجهة تحديات جرائم الكراهية والتطرف" إن انتشار خطاب الكراهية، لا سيما عبر الفضاء الإلكتروني، يعد السبب الرئيس وراء زيادة معدلات جرائم الكراهية والاعتداء ضد فئات معينة في المجتمع بصفة عامة، ومن خلال متابعة السياق الإسباني، يكشف المرصد عن وجود تزايد في معدل جرائم الكراهية في إسبانيا، وتحديدًا في النصف الأول من العام الجاري 2021، وهذا يعكس بشكل واضح تنامي الفكر المتطرف بين العديد من أفراد المجتمع؛ إذ إنه هو المحرك الرئيسي لارتكاب مثل هذه الجرائم التي تتنافى مع التعاليم الدينية، والقيم الإنسانية، ومفهوم السلم الاجتماعي.
ولم يكن تزايد
الأخبار حول قضايا جرائم الكراهية، والتي ظهرت مؤخرًا في وسائل الإعلام الإسبانية،
من قبيل الصدفة؛ حيث أظهر تقرير يضم إحصائيات عن وزارة الداخلية الإسبانية أنه
خلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري، استقبلت الشرطة والحرس المدني
الإسباني (610) شكوى لمخالفات تتعلق بجرائم الكراهية، بزيادة قدرها 9,3٪ عن نفس
الفترة من عام 2019، أي قبل انتشار جائحة كورونا، حيث تم إحصاء (558) شكوى، وقد
قدّم هذا التقرير وزير الداخلية الإسباني "فرناندو غراندي مارلاسكا" في
28 يوليه 2021 خلال عرضه لاستراتيجية المكتب الوطني لمكافحة جرائم الكراهية في
إسبانيا للسنوات الثلاث القادمة.
وتعكس
الإحصائيات الواردة في هذا التقرير والخاصة بالنصف الأول من عام 2021 أن الشهر
الذي شهد أكبر عدد من الحوادث كان في مايو 2021؛ حيث تم الإبلاغ عن (153) جريمة
كراهية، يليها شهر أبريل بواقع (105) جريمة، ثم مارس من العام ذاته بواقع (101)
جريمة. وتشير مصادر لوزارة الداخلية الإسبانية أن هذه الزيادة تأثرت بالوعي
الاجتماعي الذي دفع المزيد من الضحايا إلى الإبلاغ عن وقوع جرائم كراهية بحقهم،
كما تشير دراسة داخلية حديثة إلى أن شخصًا واحدًا فقط من بين كل (١٠) أشخاص يعاني
من جريمة كراهية يبلغ الشرطة بذلك. ومن بين نسب جرائم الكراهية المعروفة لا يزال
77,7٪ من هذه الجرائم تتركز في المجالات الثلاثة الأكثر شيوعًا وهي: (العنصرية
والكراهية ضد الأجانب) و(الأيديولوجيا) و(التوجه الجنسي).
وتابع المرصد
أنه فيما يخص أنشطة التنظيمات المتطرفة في إسبانيا وطُرق استقطابها للشباب، فيمكن
التأكيد على أن تلقين الفكر المتطرف بصوره المختلفة لم يعد مرتبطًا بوجود اجتماعات
ومقابلات شخصية لنشره بين عقول الشباب، وهو الأمر الذي أكده الكاتب والصحفي
الإسباني "مانويل باتشيكو" في كتابه الذي صدر في مطلع العام الجاري
2021، تحت عنوان: "الدعاية السياسية والترويج.. من توسع القرن العشرين إلى
التحول في عصر الإنترنت"، حيث أفرد فصلًا تحدّث فيه عن استغلال الجماعات
المتطرفة للدعاية ووسائل التواصل الحديثة لنشر أفكارها المتطرفة واستقطاب عناصر
جديدة لصالحها، وألمح إلى أنهم استخدموا هذه الوسيلة بشكل مثير، وهو الأمر الذي
كان قد أشار إليه مرصد الأزهر، وأكد عليه في العديد من إصداراته.
ومن العوامل
الأخرى لتزايد الهجمات الإرهابية في أوروبا سهولة وصول عناصر التنظيمات الإرهابية
مثل تنظيم "داعش" الإرهابي والفارين من سوريا والعراق إلى أوروبا، فمن
الناحية الجغرافية يعد الوصول إلى أوروبا أسهل بكثير من الوصول إلى الولايات
المتحدة الأمريكية أو الدول الغربية البعيدة مثل كندا أو أستراليا، والعكس صحيح.
وتفيد البيانات أن حوالي (٥٠٠٠) أوروبي قد انضموا إلى صفوف تنظيم "داعش"
الإرهابي في العراق وسوريا، وهو عدد أكبر بكثير من عدد الأمريكيين الذين انضموا
إلى التنظيم والجماعات الإرهابية الأخرى.
ويضاف إلى العوامل
السابقة: سهولة تنفيذ العمليات الإرهابية بأساليب وأدوات بسيطة؛ حيث ازدادت عدد
الهجمات الفتاكة في أوروبا بشكلٍ كبيرٍ خلال السنوات الأخيرة، ويرجع ذلك جزئيًا
إلى وجود تغيير في أساليب التخطيط والتكتيكات للإرهابيين. فبينما فضّل تنظيم
"القاعدة" الإرهابي الهجمات المعقدة والمخططة جيدًا مثل هجمات 11 سبتمبر
٢٠٠١ على مركز التجارة العالمي في الولايات المتحدة الأمريكية، وخطط لإسقاط طائرات
ركاب فوق المحيط الأطلسي، أظهر تنظيم "داعش" الإرهابي ميلًا إلى العنف
العشوائي بطرق سهلة وأدوات بسيطة وغير مكلفة، مثل الطعن بالسكين، وعمليات الدهس
بالشاحنات في الأماكن المزدحمة أو استخدام قنابل محلية الصنع بواسطة المتطرفين.
ومع ذلك، فإن أجهزة الأمن وإنفاذ القانون في أوروبا تتحسن في عملية تحديد وتعقب
واعتقال الإرهابيين المحتملين بما يسهم في منع وقوع هجمات إرهابية.
وأكد مرصد
الأزهر لمكافحة التطرف أن بثّ رسائل الكراهية والتحريض على العنف ضد فئات معينة
داخل المجتمع أمر مرفوض تمامًا من المنظور الديني والاجتماعي، لتنافيه مع تعاليم
جميع الأديان التي تحث على التسامح والسلام، كما أن تلك الرسائل تتعارض مع تحقيق
الأمن والاستقرار المجتمعي. لذا فإن المرصد يدعو إلى ضرورة تشديد الإجراءات ووضع
سياسات من إدارات مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة لتقويض انتشار الأفكار
المتطرفة، والرسائل التي تحض على الكراهية، وتخرب عقول الشباب، وتهدد سلم
المجتمعات وأمنها.
وثمن المرصد
الجهود التي تبذلها إسبانيا في الحد من التطرف والعمل على وقف انتشار العنف
والكراهية داخل المجتمع.
كما حذر المرصد
من تكثيف التنظيمات المتطرفة لنشاطها عبر المنصات الإلكترونية بشكلٍ كبيرٍ بعد
تعرضها للعديد من الخسائر على الأرض، كما يشير المرصد إلى أن التقنيات الحديثة
تحولت إلى وسيلة أساسية للمتطرفين في عملية الاستقطاب، مما يتطلب العمل على محو
الأمية الرقمية كوسيلة لمنع التجنيد لصالح تلك التنظيمات المتطرفة.
وشدّد المرصد
على ضرورة غرس قيم المواطنة والتسامح وقبول الآخر في نفوس الشباب والنشء، وتوعيتهم
بمخاطر الفكر المتطرف لتحصينهم من الوقوع في براثن التنظيمات الإرهابية.