أفلا تبصرون.. هل رأيت نمل الباندا من قبل؟!
- الأحد 24 نوفمبر 2024
ولا يخفى على
أحد حرص الكيان الصهيوني منذ احتلال الأراضي الفلسطينية على التسربل برداء الدين،
لما له من أثر فعال في النفوس، فيرى "هرتزل" أن الدين أداة من أدوات
توحيد صفوف اليهود خلف فكرته، ورأى في الحاخامات ورجال الدين "ضباط
اتصال" بين حركته من جهة وجموع اليهود في كل مكان من جهة أخرى"، وسار
الصهاينة على نهجه إلى يومنا هذا في استعمال الدين بدهاء وخبث بهدف ترسيخ معتقدات
خاطئة مزيفة؛ للتأثير على المتلقي وتحقيق مآرب سياسية.
وكانت آخر تلك
العمليات الإرهابية التي شنتها القوات الصهيونية على الفلسطينيين عملية "حارس
الأسوار" ذات الاسم التوراتي، والتي جاءت بالتزامن مع الاحتفال بالذكرى
الصهيونية التي تدعى "توحيد القدس" تحت وطأة الاحتلال الصهيوني؛ إذ
ترتبط تلك المسميات في إحدى جوانبها بالعمل الدعائي والنفسي الذي يدور بموازاة
الحرب؛ فأية رسالة وأي مدلول يراد إيصاله من خلال اسم "حارس الأسوار"؟
وما أصله؟ وما هي الجهة الصهيونية المنوطة بأسماء العمليات الصهيونية، وكيف كان
الرد الفلسطيني على هذا الاسم ؟!
وفي هذا الإطار قال مرصد الأزهر الشريف
لمكافحة التطرف، إن
ثمة دائرة في قوات الاحتلال الصهيونية هي المنوطة باختيار أسماء العمليات
الصهيونية، تُسمى بـ"الدائرة المعنويَّة"، أو دائرة "الحرب
النفسيَّة"، من مهامها اختيار الاسم الذي سيتم إطلاقه على أية عملية عسكرية
ضد الفلسطينيين، أيًّا كان سقفها الزمني، وتستلهم الدائرة ج عادةً من نصوص في
التوراة، مثل عملية "عمود السحاب"، التي ترمز لسير "يهوه" رب اليهود وسط شعبه وحمايته
لهم، وقيادته في جميع رحلاتهم فكان "يهوه" يسير أمامهم نهارًا وليلًا في
صورة عمود سحاب بعد خروجهم من مصر ليهديهم إلى الطريق الموصلة إلى أرض فلسطين، فقد
ورد: "وَكَانَ الرَّبُّ يَسِيرُ أَمَامَهُمْ نَهَارًا فِي عَمُودِ سَحَابٍ
لِيَهْدِيَهُمْ فِي الطَّرِيقِ، وَلَيْلاً فِي عَمُودِ نَارٍ لِيُضِيءَ لَهُمْ.
لِكَيْ يَمْشُوا نَهَارًا وَلَيْلاً". [سفر الخروج، الإصحاح 13 الفقرة 21].
وجاءت في التوراة أيضًا صفات عديدة لعمود السحاب والعديد من الأفعال التي يرون أنه
قام بها لصالح بني إسرائيل مثل: "وَكَانَ عَمُودُ السَّحَابِ إِذَا دَخَلَ
مُوسَى الْخَيْمَةَ، يَنْزِلُ وَيَقِفُ عِنْدَ بَابِ الْخَيْمَةِ. وَيَتَكَلَّمُ
الرَّبُّ مَعَ مُوسَى". [سفر الخروج، الإصحاح 33، الفقرة 9]، كما
يستعينون أحيانًا بأسماء روايات شهيرة، مثل "عناقيد الغضب "، وهو الاسم
الذي أطلق على الحرب ضد لبنان في ١٩٩٦.
أصل اسم عملية
"حارس الأسوار"
إن العملية
الصهيونية الأخيرة التي شنتها قوات الكيان الصهيوني على غزة حملت اسمًا دينيًّا
صريحًا؛ فقد أطلقوا عليها اسم "حارس الأسوار"، وهو مأخوذ من توراتهم،
حيث يظهر أصل هذا الاسم في نبوءة إشعيا الشهيرة، تحديدًا في الإصحاح الثاني
والستين، الفقرة 6-7، فقد ورد: "عَلَى أَسْوَارِكِ يَا أُورُشَلِيمُ أَقَمْتُ
حُرَّاسًا لاَ يَسْكُتُونَ كُلَّ النَّهَارِ وَكُلَّ اللَّيْلِ عَلَى الدَّوَامِ.
يَا ذَاكِرِي الرَّبِّ لاَ تَسْكُتُوا، وَلاَ تَدَعُوهُ يَسْكُتُ". وهنا
نتساءل: ما الذي لا يسكت عنه هؤلاء الحراس؟
فقد ورد رأيان
في الجمارا حول ذلك، فيقول الحاخام "ربًّا ابن الحاخام شيلا" إن هؤلاء
الحراس يرددون الفقرة التوراتية: "أنت تقوم وترحم صهيون، لأنه وقت الرأفة،
لأنه جاء الميعاد" [المزمور 102-14]. بينما يقول الحاخام "نحمان بن
يتسحاق" هم يرددون الفقرة التوراتية: "الرب يبني أورشليم.
يجمع منفيي
إسرائيل"، [المزمور 147-2]؛ إذن: ماذا تعني تلك الفقرات التوراتية في زعم
اليهود؟؟
هؤلاء الحراس
يبعثون رسالة مهمة إلى اليهود في العصر الحديث بصورة عامةٍ وقوات الكيان الصهيوني
بصفة خاصةٍ، تكمن في الرغبة الحقيقة لاحتلال القدس والسيطرة عليها بصورة كاملة،
وبنائها ماديًّا وروحيًّا حتى تصبح مركزًا روحيًّا يتدفق إليه اليهود من كافة
أرجاء الأرض، لكن كل هذا متوقف على استثارة مشاعر الجنود الصهاينة وتأجيج حماستهم
لقتل الفلسطينيين للوصول إلى مبتغاهم في السيطرة على كل الأراضي الفلسطينية.
أهداف تلك
الأسماء
لا شك أن لأسماء
العمليات العسكرية الصهيونية تفاصيل سياسية ومعنوية، حيث تحمل كثيرًا من
الإيجابيات بالنسبة إلى الجنود الصهاينة الذين يندفعون نحو العملية بقوة وحضور
نفسى، وهم يرددون أسماءً لعمليات تتغنى بعقيدتهم، فضلًا عن الرغبة في إثارة الخوف
في نفوس الفلسطينيين أصحاب الأرض الأصليين، على غرار اسم "عناقيد الغضب"،
و"الرصاص المصبوب"، و"تدفيع الثمن".
كما أن الجانب
الدعائي والنفسي في تلك العملية الصهيونية الأخيرة لم يكن موجهًا إلى الفلسطينيين
فقط، بل كان موجهًا إلى الرأي العام الداخلي الصهيوني، وتبرير العملية الصهيونية
وصناعة صورة ذهنية معينة؛ إذ يوحي اسم "حارس الأسوار" بالدور الحيوي
المزعوم الذي تقوم به القوات الصهيونية في حراسة القدس وأسوارها وسط دعم شعبي
صهيوني، كذلك كان الاسم موجهًا إلى الرأي العالمي الغربي في تكوين صورة مغلوطة عن
اعتداء الفلسطينيين على مدينة القدس، وأن ما يقوم به الكيان الصهيوني ليس إلا
دفاعًا عن مدينته الموحدة المزعومة؛ لتحقيق استعطاف مزيف من قبل العالم الغربي.
"سيف القدس"
أما المقاومة
الفلسطينية فقد اعتادت في معاركها الدفاعية عن أرض فلسطين مع الاحتلال الصهيوني
على إطلاق أسماء مستوحاة معظمها من الآيات القرآنية، مثل "الفرقان"،
و"حجارة السجيل"، و"العصف المأكول"، وهذا أمر طبيعي ومُتوقع،
نظرًا إلى العقيدة الإسلامية للمقاومة الفلسطينية.
وفي المعركة
الأخيرة التي شنتها القوات الصهيونية ضد غزة وأطلقت عليها "حارس
الأسوار"؛ فكان الرد سريعًا من فصائل المقاومة الفلسطينية حيث أيقنوا المغزى
الحقيقي وراء اسم "حارس الأسوار"، وتيقنوا حقيقة الأمر، وبادروا إلى
إطلاق اسم "سيف القدس" على تلك المواجهة ردًّا على الاسم الصهيوني، بل
ويُحسب لفصائل المقاومة الفلسطينية توحيد الاسم الأخير، ما أدى إلى ترسيخه في
أذهان الفلسطينيين واعتماده وشيوعه، بدلًا من انفراد كل فصيل بإطلاق تسمية خاصة
به، كما كان يحدث أحيانًا، ما من شأنه تشتيت اسم المواجهة.
ويوحي اسم
"سيف القدس" بعنوان المعركة وهدفها وجوهرها، فالمواجهة مواجهة دفاع عن
القدس المحتلة، بما تمثل من رمزيَّة تختصر قضية فلسطين.
ويرمز السيف إلى
القوة والشجاعة والنخوة والصرامة والإقدام والعدل، وهو يحمل مدلولات دينية، وأخرى
مستمدة من التراث الأدبي العربي، فالسيف في هذه التسمية ينبري للدفاع والتصدي
وتحقيق النصر، ووضع حد للتمادي الصهيوني في احتلال الأراضي الفلسطينية والاعتداء
على أرواح الفلسطينيين وممتلكاتهم ومقدساتهم. كما أنه يوحي ببعد ديني، وآخر قومي
وتاريخي، لاستعادة أمجاد النصر والعزة.
فالاسم مختلف
بين أصحاب الأرض الأصليين وبين المحتلين الصهاينة وفقًا لمنطق كل طرف، بحيث يبدو
الأمر كأنه مواجهة على مستوى أسماء أو مواجهة بين خطابين، ومن المعروف أن المنتصر
يكتب التاريخ، كما يُقال.
وقد انتصر
"سيف القدس" لغويًّا وخطابيًّا ومعنويًّا على "حارس الأسوار"
في الدفاع عن مدينة القدس والأراضي الفلسطينية رغم قوة الترسانة الصهيونية الحربية
على الأرض والواقع.