رئيس مجلس الإدارة

أ.د حسـام عقـل

الشحاذ .. رواية محفوظ السائلة عن مكمن حياة الإنسان

  • معتز محسن
  • الخميس 29 أغسطس 2019, 4:37 مساءً
  • 1300
رواية الشحاذ

رواية الشحاذ

تعتبر رواية (الشحاذ) التي صدرت في العام 1965 و هي تنبع من المرحلة الفلسفية التي بدأت برواية (أولاد حارتنا) سنة 1959 و السؤال المطروح لتلك الرواية هو :

أين مكمن الحياة الذي يبني عليه الإنسان حياته ؟

يظل السؤال دائرًا في الرواية كرحلة عميقة حول تساؤلات فلسفية تبحر بنا نحو الأفكار والمناهج والأيديولوجيات كي يعرف الإنسان كيف يفكر ويصل لمبتغاه من خلال التلاحمات مع كافة المذاهب و الأطر و النظريات عبر عمر الحمزاوي الذي يعاني من الإفتقار الروحاني و الإنساني الذي فقده في ظل نجاحاته المادية و العملية بتكوينه للأسرة مع نجاحه في المحاماة بجانب محاولاته الشعرية التي لم تصل للنجاح المطلوب ، لكن المحاولة تروي ظمأ التمني و الطلب.

في خضم تلك التساؤلات البركانية في نفس حمزاوي ، يبدأ السرحان والتساؤل والشرود في سؤال البشر الدائم :

لماذا خُلقنا ، و لماذا نحيا ؟

سؤال دائم التردد كصدى مستديم في أوقات التحولات السياسية والاجتماعية عقب ثورة 23 يوليو صاحبة التوجهات القومية الداعية للبناء والتشييد حتى ولو تم محو بصمات السابقين من مختلف التوجهات والأحزاب.

دائرة الملل أصبحت خبزًا يوميًا في حياته وهو يتساءل على الشاطيء برؤيته للراهبات بملابسهم المحافظة والمحتشمة ، هل للرداء المحافظ تحصنًا من الأخطار ؟ أم عنوانًا للهروب كي لا تحتك الأجساد بمسميات شتى ؟!

تسير الرواية على نهج مدرسة الإلزام الخلقي في أين يوجد الهدف الذي يحيا من أجله الإنسان ؟

يتوه البطل في عزلته العقلية رغم حياته مع البشر بجسده و الأسرة متضررة من هذا الفخ العصيب ، ليرى عبر صديقه مصطفى كاتب المسلسلات الإذاعية بأن إرضاء الجسد بصيحاته المستمرة هو أساس كبح جماح الحيرة و القلق و الأرق ، عبر علاقات متناثرة بين وردة الراقصة و مارجريت المطربة المصرية البريطانية ، لتصدأ نبرات الرغبة الحسية في نفس حمزاوي الذي اكتشف  محدودية السعادة الحسية ، لينتقل إلى عالم الفلسفة و الفكر حائرًا وقت عودة صديق كفاحه عثمان رفقي من السجن عقب سنوات العزلة الجبرية التي فرضت عليه لهروب الأصدقاء و من بينهم حمزاوي ، ليجد ضالته في أوقات معانقة الجدران حماس بثينة إبنة حمزاوي المعبرة عن إقدام الجيل الجديد الملازم لرغبات ثورة يوليو الجامحة.

يظل السؤال دائرًا في نفس البطل المنعزل بفكره المرتبط بالحياة من خلال جسده كإنسان آلي يفتقد للحس العقلي و العاطفي نحو تقييم الأمور ، تتعدد الإتجاهات إلى أن يختار العزلة التامة بعيدًا عن الجميع في فيلا بالمنصورية ، يجعل من الصوفية مسكنه كي يروي ظمأ الروح من غفلتها في رحاب المادية المفرطة.

تأتي الإجابة المنتظرة عقب رحلة مريرة تخترقها رصاصة طائشة في قلبه  ، أثناء هروب عثمان رفقي و عودته للمشاكسة السياسية مجددًا وقت حصار الشرطة له ، لتكون الرصاصة طوق النجاة في إفاقة حمزاوي من سرحانه العميق و هو بسيارة الشرطة مكتشفًا عودة عثمان للحياة المكبلة بالأغلال الحديدية قائلاً له :

ضعت يا عثمان.

يرد عثمان في الحال :

المهم أن تلحق بنفسك و تهتم بأسرتك و ببثينة زوجتي و طفلنا المنتظر.

تسرح النظرات وتتعمق بتساؤلاتها الغارقة في محاولة التنقيب عما تخبئه الأقدار ، من أجل البدء بمرحلة جديدة في حياة من أراد العودة مجددًا برداء جديد و عقل منتعش عرف معنى كيف تكون الحياة المطلوبة ؟

تعليقات