جيولوجيا النص في رواية "فوق الجاذبية".. رؤية نقدية للدكتور عزوز علي إسماعيل

  • أحمد حماد
  • الثلاثاء 27 يوليو 2021, 11:15 مساءً
  • 1039

تشهد الرواية السعودية في وقتنا الراهن تقدماً منقطع النظير، حيث تحمَّل جيل من الكتاب في وقتنا الراهن مسؤولية الكتابة والتعبير عن الحياة بشكل راق، مع إدخال أفكار جديدة للعمل الروائي وربطه بما يحدث في العالم من تقدم رهيب مما يضفي على الرواية العربية عامة والسعودية خاصة نوعاً من اليقظة الفكرية العظيمة، فلم نكد ننتهي من دراسات حول رواية "الشبورة" للكاتب السعودي أحمد الشدوي إلا ونتفاجأ في الوسط الأدبي برواية أخرى ولغة أخرى وفكر آخر له في رواية بديعة قد تخطت الأجواء السماوية حملت عنوان "فوق الجاذبية" وبالفعل كانت فوق الجاذبية لأسباب عديدة أهمها فكرتها والرواية تبدأ وتنتهي من لحظة التأزيم، تبدأ من فوق من علٍ من الفضاء مترامي الأطراف في قمة الحدث مع فوران الحالة عند البطل خالد والبطلة رؤيا السعدي، معتمدين في قوتيهما على القوة الروحية التي يستمدانها من رمضان.

وكانت فكرة الدائرية مرتبطة بدائرية الأكوان وأنها لن تقف مثلما بدأ الكاتب العمل وأنهاه، وهو أمر ارتبط عند الكاتب بالتراث الديني في القرآن الكريم فهو يمور في عقله وبين جنباته كما في قوله تعالى "كل في فلك" فهي جملة تُقرأ من الشمال مثلما تقرأ من اليمين، فكل ما في الكون في حالة دوران.

 يؤمن الكاتب بالقوة الخارقة والبطل المخلص والفكر الديني المرتبط بالروحانيات فكان رمضان هو المصدر الذي استقت منه شخصيتا البطولة ما يحتاجانه عند الحاجة؛ ونعيش معا في عالم خيال علمي بامتياز لم يكن البطل فيه لأبطال الرواية، بل كان البطل الحقيقي هو الكاتب نفسه إلى حد كبير، فقد تحولت لغة الشدوي من لغة الجسد وما ينتابه في سعادته وألمه في رواية الشبورة إلى لغة العلم في روايته هذه، وكان راصداً ومدققاً ومتابعاً لنظريات حديثة حدثت منذ عام 2011 تخص علم الفضاء والفلك، وترجمها ترجمة دقيقة مع التحليق في عالم الخيال.

 وبعد أن جعلنا الكاتب نحلق معه مع تلك الكبسولة التي كادت أن تحرق خالد في الفضاء الواسع يبدأ بالهبوط إلى الأرض لنعيش الأحداث فهي مثيرة ومدهشة، يجمع فيها الشدوي بحكم خبرته بين الماضي والحاضر، التراث والمعاصرة، الأسطورة والواقع، الدين والعلم؛ فكانت رؤيا هي الرؤية التي يبحث عنها ويبحث عنها الكثيرون سواء أكانت في الحقيقة أم في المنام، رؤيا تلك الفتاة الجميلة الرقراقة تصرُّ على إكمال دراستها في كلية الفضاء بجامعة هارفرد بأمريكيا وتترك بريطانيا وتكمل بعثتها في تلك الكلية وكان لها ما  تمنته بأن تكون هذه الكلية في جامعة هارفرد أفضل جامعات أمريكا، لتدرس علم الفلك. وهنا يؤكد الكاتب على مقدرة الفتاة العربية في القيادة وريادة العلم للوصول إلى أفضل الجامعات في العالم.

في الوقت نفسه الرواية تناقش الضعف العربي ومدى الانكسارات والهزائم المتلاحقة وهي أهم رسالة أرادها الكاتب أن توصل لعالمنا العربي من هذا النص الرائع. والذي يعتبر خليطا بين الخيال العلمي والحلم البعيد والفنتازيا في أجزاء بسيطة والتفرقة الواضحة بين العلم والدين، وهو ما يذكرنا حتماً برواية قنديل أم هاشم ليحيى حقي، حيث يتضارب العلم مع الدين، وهو ما حدث ولكن الكاتب أراد أن يظل الإنسان متمسكاً بدينه من خلال رؤيا رغم أنها افتعلت ما يُرضي الآخرين حتى تنال رضاءهم بقبولها القيم الأمريكية فكان حلمها "ناسا".

وهي تعلم أنهم جميعاً عاشقون لأمريكا وهي الأخرى أثبتت ذلك حتى لو تعرضت لعالم الجاسوية من قبل الذي شاركها المسكن والدكتور توماس مشرفها على أبحاثها العلمية.

هناك خطان متوازيان تسير الرواية بهما خط خالد وخط رؤيا يربطهما الماضي أي الأرض التي نشأ عليها والتي بلا شك فيها رمضان أي أن هناك مصدراً ينتميان إليه يأخذان منه جينات ويستفيدان منه من الماضي من الدين من التراث حتى ولو في الأحلام.

وتبقى جيولوجيا النص من الأهمية بمكان، فالكاتب عاشق للثقافة العربية والأمة العربية، وما يؤكد ذلك أنه جعل رؤيا فتاة عربية خاصة في الإهداء قبل أن يخصص بداخل العمل أي أن في عقله الباطن بعض الحفريات القديمة والتي أصبح لها وجود حديثاً أي أنه لم ينسلخ عن أصله وعاش مدافعهاً عنه ويريد له الخلاص مما فيه والنهوض نحو العلم والفضاء، وجيولوجيا النَّـصِّ هي تلك الأشْيَاءُ التي تكوَّن منها النَّـصُّ عبر السِّنين، وما حدث للنِّص في طبيعة تطوره، ومدى اختلافه عن نَـصٍّ آخر من خلالِ القراءة العَمِيْقَةِ له، عبْرَ مَراحِلَه المُخْتَلِفَةِ، وهنا ممكن لنا أن نقارن حفريات النص في رواية "الشبورة" ورواية "فوق الجاذبية" فالكاتب لمن يكرر نفسه وهو ما يحتاج مؤلفاً كاملاً بمعنى أنَّ الجيولوجيا التي هي علمٌ يبحث في تكوين وطبيعة الصُّخُوِر التي تكونَتْ منها القِشْرَةُ الأرضيَّةُ عبر الزَّمن، هي في النَّـصِّ كذلك؛ سواءً أكان النَّـصُّ مكتوباً أم مَرْسُوماً أم مَنْحُوتاً، لأنَّ عُـمْرَ النَّـصِّ قديمٌ منذ أنَّ جاءَ الإنسانُ إلى هذه الحياةِ، وهو يحيا في نصٍّ مفتوحٍ له بدايةٌ ونهايةٌ.

فكيف تكونُ "جيولوجيا النَّـصِّ" طريقاً من طرق تفسير النص وعتبة نصية بامتياز  إنَّ الباحثَ المدقق في النَّـصِّ يجد أنَّه مرَّ بمراحل تطور كما الحَيَاةُ في الإنسان نفسه، وهذا التطور ممكن أن ننتبعه في أعمال أحمد الشدوي لأنه كاتب لا يكرر نفسه كما قلت ومن ثم تصبح هذه من أهم ميزاته؛ حيث تتغير اللغة ويتغير الأسلوب وكذلك البنية النصية.

 وجيولوجيا النُّوع نجدها في الأعمال الأدبية، حتى أنَّ الإغريقَ والرُّومَانَ كانتْ لديهما نُصُوْصٌ في الشِّعر والمَسْرَحِ، ولم تَكُنْ هناك رواياتٌ خاصةً مع العَصْرِ الكلاسِيكي الذي سبق ظهورِ المَسِيْحِ عليه السَّلامُ، وكان الشِّعرُ والدراما المَسْرَحِيَّةُ شفاهةً، ولا يكتبان، وهذا ما يُمَيِّزُ جيولوجيا النُّصُوْصِ في هذا التَّوْقِيْتِ الذي نحياه بعد أن أصبحت الرواية هي المعبرة عن الألم والأمل وإذا كانت نوعية الكلام قديما تنحصر في التَّعبير عن النفس والافتخار بها ضد القوى الأخرى مثلما رأينا في الملاحم والسِّير الطويلة التي عبَّرت عن تلك المراحل بعد ذلك، والتي ظلت تنتقل شفاهة فترةً طويلةً وحدث بها انحرافاتٌ كثيرةٌ، هذه الانحرافات أو الإضافات هي ما تمثل التغيير في "جيولوجيا النَّـصِّ".

 فإننا الآن نجد الأمر نفسه هنا فالكاتب أحمد الشدوي يفتخر ببنت العرب "رؤيا" وهو يصر على كتابتها بالألف حتى نظل في حلم أن نرى رؤيا سعيدة تصل بنا إلى حلم كل عربي بأن تصبح بلاده مثل تلك البلاد الكبرى التي احترمت العلم فرفعها العلم إلى عليين وأن نعيد مجد أمتنا من جديد.

جيولوجيا النص والزمكانية

فكرة رؤيا حول الكون والتوسع الكوني وعلاقته بالتوسع الزمكاني وكيف أن هناك زماناً خارج الكون؛ حيث عزفت على هذه الفكرة كثيراً وهي فكرة مأخوذة من واقع حقيقي لعلماء حقيقيين وهناك أبطال للعمل الحقيقي حول البحث العلمي ووكالة ناسا وجامعات أوروبا.. رؤيا تلك الفتاة الجميلة النشطة فهي تبدو مثل عالم لاهوتي تؤمن بيوم القيامة والعذاب والشقاء والسعادة .. ولكنها في الوقت نفسه تؤمن بأن تحولات الإنسان ومراحله قبل الموت وبعد الموت وأثناء الموت هي تحولات كونية كبرى يعلمها الله .. تربط نظام هذا الكون المادي الكبير بالحياة الإنسانية بكل ما فيها فبما أن الكون يتمدد ويتسع فإن هناك أشياء أخرى تتسع وتكبر، فتطور الكون وتمدده يستتبع حتماً تطور الحياة اللاهوتية من موت وعذاب وكيف أن الموت هو مرحلة من مراحل هذا التطور وأن الجنة والسعادة والشقاء هي تحولات كونية كبرى .. تبحث رؤيا العالمة بوكالة ناسا عن فكرة الزمن خارج نطاق الكون.. فهل الزمن موجود خارج الطبيعة والكون أم لا؟ تتناول عملية استمرارية نشوء المادة من العدم . تقول رؤيا: لا يمكن قبول فكرة التوسع الكوني إلا إذا قبلنا فكرتين أخريين: الأولى: وجود الزمن خارج الكون. الثانية أن الكون الذي ننتمي إليه يدور حوله كون آخر

جيولوجا النص ارتبطت بالفن والعلم

خالد تخرج من أكسفورد في فلسفة فن دافنشي ذلك الرسام العالمي، الذي أسعد الكثيرين بفنه وفي الوقت نفسه ارتبط خالد بالعلم من خلال عشق رؤيا العالمة، بل وقد بحث خالد كثيراً فيما تفعله رؤيا وعرفه جيداً حتى يثبت لها عشقه وحبه وكأن الكاتب يريد أن يقول لا بد أن نربط بين العلم والفن ويسأل كما سأل من قبل يحيى حقي في "قنديل أم هاشم" هل العلم ينجح بمفرده أم لا بد من ربطه بالدين.

 ونتذكر أن هناك رواية سعودية قد ربطت الفن بالتطور والنماء فإذا كان الكاتب قد سار على خطي العلم والفن فنجد الكاتبة نبيلة محجوب في "ممرات الريح" تسير فيها أيضاً على خطين موازيين خط الفن وحب الفن واللوحات والمعارض وأيضاً خط ذلك السري المحب لتلك الفتاة.. وقد لفت انتباه خالد في رؤيا تلك الرسمة التي اختلطت عنده بين رمضان ووجود تلك الهراوة والتي هي دليل القوة وبين صورة دافنشي، وكيف أن اقحام دافنشي هنا هو اقحام لتاريخ الفن العظيم، وحفريات نصه ارتبطت فكريا بالتاريخ الماضي؛ سواء أكان من خلال الارتباتط بالفن ودافنشي أو الارتباط بالماضي من خلال الأصل والقوة التي تدفعهما للأمام وهي قوة رمضان الذي لم نره ولم نسمعه يتكلم بل كان التعبير عنه بالغائب وبالضمير. 

التقى خالد برؤيا في أمريكا خاصة في صالة الجيم وكانت حيلة ذكية منه.

 يستخدم خالد ذلك الجهاز الصعب والذي هو محط أنظار علماء ناسا ولم يجدو تلك الكتلة من العضلات إلا في هذا المسمى بخالد فقد ورث عن جده رمضان القوة فضلاً عن قوانينه الخاصة.

الاثنان من الباحة بالمملكة ولكن أحداث الرواية تجري على أرض أخرى هي أرض العلم والعلماء يقدرون فيها العلماء ويحترمونهم وفي الوقت ذاته لديهم قيم أمريكية يختبرون من خلالها من يأتي إليهم بغرض العلم وهل تلك القيم موجودة أم لا وقد وجدوها بالفعل في "رؤيا".

خالد ذلك الفنان التشكيلي الذي يبحث عن رمضان في تلك اللوحة التي رسمتها "رؤيا" وظل وراء هدفه إلى أن وصل إليه وقد عرَّض نفسه لمحاولات الموت في سبيل أن ينال رضا معشوقته "رؤيا" فالحب يصنع المعجزات وبالفعل قد وصل إلى قلبها فقد وافق على أن يدخل في هذا الجهاز الذي ترتفع فيه درجة الحرارة بطريقة مخيفة على الإنسان وأيضا في جهاز التبريد لقياس مدى قدرته على رحلة الفضاء وهي ضمن أبحاث رؤيا .. الجهاز لم يستطع أحد استخدامه والدخول فيه إلا خالد .. وكأنه استمد تلك القوة الخارقة من رمضان فالكاتب يعتمد الأسطورة في الكتابة ويعتمد الخرافة أيضاً فمثل تلك الأمور تثير نهم المتلقي وهو يحاول أن يربط الحاضر بالماضي ولكن يجب أن نطلق عليه الارتباط بالخيال؛ لأن الخيال كما قال ماركيز هو أن تهييء الواقع لكي يكون فنا.. فرمضان هو ذلك الرجل الخارق للعادة صاحب الهراوة القوية التي ظلت مع خالد طوال حياته حيث كان معيناً للضعفاء يقف في وجه الظالم .. رمضان هو تلك القوة الخفية التي ظلت تسري طوال مراحل العمل وكأنها تمثلت روح الرواية..

رؤيا السعدي خريجة جامعة هارفرد ترسم لوحة لصورة غير ظاهرة المعالم بشكل صحيح لدافنشي ولكن الصورة تبدو قريبة من أوصاف شخصية رمضان التي عرفها خالد فهو حفيده والتي عرفتها رؤيا، وكان تأثير العقل الباطن عليها لدرجة أن ترسم رمضان وبجواره الهراوة الخاصة به وليست ألوان دافنشي أي معه قانونه الذي يستخدمة في تلك الحياة "القوة" وهو أيضاً مرتبط بقوة بنيان رؤيا ورمضان اللذين سوف يكون لهما دور كبير في إسعاد البشرية؛ حيث تريد رؤيا أن تكون ضمن أولئك الذين غيروا وجهة العالم إلى الأفضل من العلماء. فالعقل الباطن عند البطلة يجعلها ترسم لوحة لرمضان على أنه دافنشي وكيف أن الحكايات القديمة عن رمضان ما زالت أمامها وفي حفريات عقلها حين كانت تسمعها من أمها ووالدها. رمضان يمثل لها الماضي الذي لا فرار منه والتراث الذي تعتمد عليه في انطلاقتها. يسألها خالد وتجيبه وتؤكد أن من في اللوحة هو رمضان: "ألم يكن الرجل في اللوحة رمضان؟ وتلك هراوته؟ نعم، هو كذلك. ليالي كثيرة سمعت فيها مدحاً للرجل كقديس من أبي ووجدت ذماً عنه من أمي. كانت قصصه تملأ طفولتي، ماتت أمي مبكراً وبقي أبي يتحدث عن قوانين جديدة وعادلة لرمضان. حمى أبي، وأرضنا وناضل لتكون أسرتنا سعيدة ومتماسكة ومن غير فوائد تعود إليه إلا فرض قوانينه وأعرافه".

يأتي دور الدكتور توماس ليؤكد على أن تلك الدول لا تلعب بل تعمل مهما كان ومن أجلها تقوم الدنيا ولم تقعد، وهو ما استقر بالفعل في ذهن الكاتب وأصبح عالمه الداخلي يؤمن بمقدرة الأمريكان على أن يظلوا في تفوق وتقدم مدى الحياة على الأقل الحياة التي نحياها فهو شيء قد عايشه الكاتب وتأكد منه.

نعم من أجلها فقط ومن أجل إعلاء شأن أمريكا بالعلم، يفعل كل شيء فكل الأجهزة من مخابرات وأجهزة علمية تدور حول أمريكا وعلماء الفضاء في ناسا جميعهم يخدمون أمريكا وليس من السهل أن ينال شخص مكانته في الوصول إلى ناسا دون أن يكون معروفاً جدا بتوجهاته وعلمه وأهم من ذلك تقديره وحبه للقيم الأمريكية، وهو ما تبين من خلال هذا العمل الكبير. وتبقى حرب الاستخبارات موجودة من أجل أمريكا وخوفاً على مصالحها فقد تجل الأمر منن خلال دكتور توماس وتوني غبريال عميل ال fbi   فقد كانوا يمتحنونها قبل دخول ناسا وأيضاً تظهر في جوزيف والد منشيل صانع الكعكة المأخوذة من الشرق.

أرادوا التخلص من مستر D   وهو الحرف الذي يشير إلى الدكتورة رؤيا الباحثة الجادة التي سعت بكل ما أوتيت من قوة من أجل أن تنتسب لناسا وكالة الفضاء الأمريكية المعروفة ولكن ما السر في رغبتهم التخلص منها وكيف أنقذها خالد العاشق والمحب لها؟. أرادوا التخلص منها لأن فكرتها وصلت إليهم ولا يريدون أن تتسع رقعتها أكثر من ذلك، فهي فكرة عظيمة، ولو تحققت لتغيرت أشياء كثيرة في العالم وسعدت البشرية بها أرادت رؤيا السعدي في رحلتها عبر الفضاء تطبيق اختيار نظريتها دوران الكون حول كون آخر أكبر منه، وفي الرحلة يقوم خالد بتركيب جهاز في المركبة الفضائية القديمة والتي أرسلت إلى الفضاء منذ أربعة عشر عاما مضت. "ولذا فإن أي كشف عن هذه النظرية الآن لن يضرب الاقتصاد العالمي في مقتل فحسب، بل سيضرب الفكر الإنساني ولذا وجب التخلص من D  بإحداث خلل في المخ ليدخل مباشرة عند العودة إلى المصحة العقلية" .

وهنا يجب أن أقول لو أن الكاتب نهى روايته عند معرفة خالد بما يحاك لرؤيا لكانت في الوقع أفضل وفي المضمون أقوى

جيولوجيا النص والتصدير

التَّصديرُ الذي يأتي به الكاتبُ دليلٌ على العملِ نَفْسِهِ, باعتبار أنَّه توجيه للمتلقي، من خلال ارتباطِه بالعمل إشارياً ودلالياً؛ وأيضاً مع كل فصل ذلك أنَّ التَّصديْرُ موجهٌ إلى القارئ أولاً؛ حتى يستطيع من خلاله فكِّ طلاسم النَّصِّ بحكم أنَّه مرتبطٌ بهذا النَّصِّ ؛ فالتَّصدير أو المُقْتَبَسَةُ "جملةٌ توجيهيةٌ يوظفها الكاتبُ في الصَّفحاتِ الأولى لمؤلَّفه التي تسبق عادة متنه لتوضيح القصد العام منه, وقد عرَّفها قاموس الطَّرائق الأدبية بأنَّها: "شاهد يوضَع في مستهل عملٍ أو فصلٍ للإشارة إلى روح هذا العمل أو الفصل"، واعتبرها جيرار جنيت بمثابة حركة صامتة Gestmnet لا يمكن إدراك مغزاها وقصدها إلا من خلال تأويل القارئ" .

وجاء في معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب epigraph هو "اقتباسٌ أو شعار قَصِيْرٌ في صدرِ كِتَابٍ أو فصل منه له صِلةٌ بموضوعِه". 

تظهر جيولوجيا النص بداخل حفريات الذاكرة في التصدير وكيف أن الكاتب لديه مخزون ثقافي عبر عصور ماضية أم لا، فيأتي لنا الكاتب من ذاكرته ببعض الجمل والعبارات لكتاب عالميين وعلماء معروفين وأدباء لهم شأن عظيم، يصدِّر الكاتب الفصول بتلك العبارات والتصدير دائماً يأتي إرشادا للنص. ويأتي أول تصدير للعمل بأكمله من خلال عبارة للكاتب فيكتور هوجو: "يبقى الحب كلمة، حتى يأتي شخص ويعطيها المعنى" وهو ما رأينا امتداده بداخل العمل فلولا الحب ما جازف خالد تلك المجازفة التي كادت أن تقضي على حياته، فالحب يصنع المعجزات وقد أعطى خالد للحب معنى وهو التضحية من أجل المحبوب، والمحبوبة هنا هي تلك الفتاة الرقراقة الجميلة "رؤيا" حيث عزفا معاً مقطوعة موسيقية في معنى الحب بعد أن تأكد للمحبوبة صدق مشاعر العاشق الولها، من هنا فإن التصدير الأول للعمل له امتداده بداخله.

والتصدير الثاني يؤكد على حقيقة مهمة وهي أن أي أسطورة فيها جزء من الحقيقة.

يقول الكاتب: كل حكاية بطولية، قد تسبح فيها الأساطير، إلا أن لها أصلا في الحقيقة الموضوعية". ثم يشرح بداخل هذا الفصل قصة رمضان وبطولاته الخارقة والتي كانت بمثابة القوة التي تردع خاصة الظالم وهو هنا يذكرنا بأعمال كبار الأدباء كما كان الحال عند نجيب محفوظ والبطل المخلص عنده مثل "فتوة الحتة".

كما في الحرافيش والتي صنع منها أكثر من عمل سينمائي نحو التوت والنبوت.  ودور عاشور الناجي البطل المخلص ..

- "إن الفكر لا يوجد خارج العالم وبمعزل عن الكلمات، إن الأفكار التي عبَّرنا عنها من قبل هي التي نستعيدها"   ميرلو بونتي. بالفعل أي فكر يأتي من الطبيعة التي نحياها والفكر هنا قد تمثله الكاتب من خلال العلم وأعتقد أن الكاتب أحمد الشدوي قد قرأ كثيرا حول الفضاء وعلوم الفضاء لأن اللغة هنا هي لغة علمية بامتياز. ويقول أيضاً في تصدير آخر قولته: "النجاح الفذ تحصيل لعدد لا يحصى من الجهود التي لا ينتبه لها أحد".

 وهو يشير هنا إشارة مهمة جداً إلأى تلك الفتاة العربية التي استطاعت من خلال محاولاتها أن تصل إلى هدفها ومن أجل إنجاح فكرتها التي تسعى إليها، فكان التصدير داعماً ومؤكداً على ما جادت به عقلية "رؤيا" فتلك المقولة تعبير مؤكد على ما تقوم به الدكتورة رؤيا في معملها بكلية الفضاء بجامعة هارفرد. ويأتي تصدير مهم جداً لمحمد علي كلاي "الجميع يعرفون التضحية، لكن هناك من يضحي لك وهناك من يضحي بك".. تصدير حين أراد خالد أن يضحي من أجل محبوبته ويدخل في ذلك الجهاز.

وتبقى عبارة مهمة جدا ارتبطت بالعمل منذ البدء حتى المنتهى وهي قول الكاتب "تركت الكوخ إلى الأبد، تقول وهي تنظر للكوخ من بعيد: الناس كل الناس جبناء، لا يرضخون إلا للقوة، وكثيراً ما تكون القوة وهماً أو غدراً أو صعلكة لا يمكن أن تكون القوة غيرها".

في الختام نقول: إن جيولوجيا النص ظهرت بشكل واضح من خلال: التراث المرتبط بالذاكرة وهو هنا الدين المرتبط بالروح، وأيضاً الأسطورة والخيال العلمي وفضلاً عن ذلك الهم العربي والرسالة المؤلمة التي يوجهها الكاتب إلى عالمه العربي حتى يفيق من ثباته.

تعليقات